العفو عند المقدرة
من أعظم الأخلاق رفعة العفو عند المقدرة , وهذه عبادة مهجورة ,
وهي من صفات الله وأسمائه الحسنى فهو سبحانه : العفو القدير ,
أي:يعفو بعد مقدرته على الأخذ بالذنب والعقوبة على المعصية .
فالعفو بدون مقدرة قد يكون عجزاً وقهراً , ولكن العفو مع المقدرة
والانتقام فلا شك أنه صفة عظيمة لله فيها الكمال ,
فهو سبحانه يحب العفو , ويحب أن يرى عبده يعفو عن الناس
, وقد ربى رسوله على ذلك الخلق العظيم فقال الله لرسوله :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
وقد بشر الرسول صلى الله وسلم عليه رجلا بالجنة في ثلاثة أيام متتالية ,
وليس له زيادة صلاة ولا زيادة صيام ولا زيادة صدقة ,
وهو لا يتنفل بالقيام كثيرا ولا بالصلاة كثيرا ,
ولكنه بشر بالجنة وهو يسمع .فلما تقصى ابن عمر رضي الله عنه ذلك
وجد أنه لا ينام حتى يعفو عن الناس كلهم يقول :
اللهم إني قد تصدقت بعرضي على الناس وعفوت عمن ظلمني .
فالمسلم يكون هينا لينا سمحا تقيا , سهلا عفوا قريبا إلى الناس ,
متوددا إليهم , باذلا لهم , ناصحا لهم , ملتمسا لهم الأعذار في
جميع تصرفاتهم نحوه , ويقول إذا صدر منهم ما يغضبه:
هذا من الشيطان وليس منهم بل الشيطان هو الذي نزغ بهم ,
وهو الذي شجعهم على ذلك .ومن حاول أن يربي نفسه على هذه العبادة
عاش مستريحاً , ينام ويستيقظ وهو في راحة .
يقول الإمام ابن القيم :
( يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لايعلمها الا هو
وإنك تحب أن يغفرها لك الله , فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده ,
وأن وأحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده ,
فأنما الجزاء من جنس العمل ... تعفو هنا يعفو هناك ,
تنتقم هنا ينتقم هناك تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك).