صنف من الناس ليتك لم تحتك بهم
حنافي جواد
أنْ تُهملَ بعضَ الناس ولا تَهتم به، خير لك من أن تعتني به، أو تتقرَّب منه لأيِّ سببٍ من الأسباب.
وهو أسلوبٌ تربوي يليقُ - إن شاء الله - في التعامل معه.
قد يستعجل بعضُ القُرَّاء في الحُكم على مقالي بالغلط وعليَّ بالتشاؤم، أو قلة الخِبرة في التعامل مع "الظواهر البشرية" المستعصية، ولكن أهل مكة أدرى بشِعابها.
ولن تَستوعِبَ فكرتي ما لَم تَنته من قراءة مقالتي، وتَعتني برموز سطَّرتها لك لتَفهمها فأنت الذكي.
نعم، من
الناس خيار فُضلاء، يوزَنون بالذهب، وقد تكون أنت منهم، لكنَّهم قلَّة
قليلة جدًّا، مقارنة مع طوائف من الأشرار، ممن ورثوا الشرَّ إرثًا
ثقافيًّا، من خلال مسارات التنشئة الاجتماعية، فتسرَّبت السموم إلى
أجسادهم، ودمَّرت فيها الإحساسات الجميلة والمشاعر الفاضلة، ففَقَدوا كلَّ
شيء إلا تسلُّطَهم.
هؤلاء
كلما أظْهَرتَ لهم الودَّ، حسبوك ضعيفًا، فيقتحمونك اقتحامًا، ويتسبَّبون
لك في المشاكل والقلاقل، من حيث تدري أو لا تدري، أمَّا إذا أهْمَلتهم ولَم
تَعتبر وجودهم، وأقْصَيتهم من أي اعتبار، احْتَرموك وحَسبوا لك ألفَ حسابٍ
وحساب، وعَمِلوا ما في وُسعهم ليتقرَّبوا منك.
وهذا الذي أُحَدِّثكم عنه، "صنف" من الناس، ونوع من آلاف الأنواع، والناس ألوان وألوان، والله أعلم بعدَّتهم.
فشرور
الناس لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ولكلِّ الناس جوانبُ خير، وجوانب شرٍّ، وأفضل
الناس مَن غلب خيره على شرِّه، والْتَزَم حدودَ قوله وفِعله.
وهذا الصِّنف الذي أفردْته لكم بالحديث "صنف"
سُلطوي، يحب أن يُعترفَ له بالتسلُّط والفضل عليك، وإن لَم يكن له عليك
فضلٌ، يحب أن تُبَجِّله وتُنزله منزلة تليق به، مما لا يستحقُّه، وتردِّد
في حضرته قول الخراف: "بَاعْ، بَاعْ".
يؤدي واجبه المفروض عليه بالشرع والقانون، ويزعم أنه بذلك يُسدي لك معروفًا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
يحب
أن يُنْعَت في الناس بالسيِّد والعارف، والفاهم والذكي والخبير، وما
أبعدَه عن السيادة والمعرفة، والفَهم والذكاء والخبرة، وما أقرَبه إلى
الغباء والغفلة، يَغضب ويُرغي ويُزبد، يُقيم الدنيا ولا يُقعدها إن قلتَ
له: أنت لا تعرف، أو لا تفهم، أو تتوهَّم.
وهذا "الصنف"
الذي أُحَدِّثكم عنه مريض بالوَهم، وخياله واسع في سوء الظن، له طاقات
سيميائيَّة في تفسير الأحداث وتأويلها تفسيرًا فاسدًا، وتأويلاً ضالاًّ.
بعيدٌ
عن المنطق في رَبْطه بين الأسباب والمسببات، والروابط التي يوجدها، أشدُّ
بُعدًا وغَرابة من الغرابة، إذا رأيتَه حَسِبته ذا خُلق ودين، وإذا عاشَرته
عرَفت خُبثه وسَذَاجته، التي تَضرب بأطنابها عميقة في كلِّ مناحي جسده.
وسَرعان ما تعرفه، فسلوكه لا يَخفى على كلِّ مَن احتكُّوا به، ولو لبضعة أيام، بل سويعات.
خير لكم أن تَهجروا هذا الصنف، فالقرب منه قربٌ من المرض والداء، والابتعاد عنه صحة وعافية - إن شاء الله.
سَمِعت بعض الإخوة الأحبة يقول: انْصَحه، تنصحه وهو العارف والفاهم والخبير؟
جُرِّبَ معه النُّصح، فلم يكن معه مثمرًا.
إذا نصحْتَه فسيُناصبك العداء؛ لأنك دخَلت في مؤامرة ضده حِكْتها له لتُوقِعَ به، هكذا يتوهَّم!
استمع
- رحمك الله - فلو كُنت أعرف الناس بضوابط النصح وأدبيات الإرشاد، وخبيرًا
بالنفوس البشرية، ما أجْدَاك ذلك نفعًا، ولا أفادك إفادة، بل إنَّ
اقْتَرابك من هذا "البشر" يَزيدك مشاكل وقلاقلَ أنت في غنًى عنها.
بلَغ أعداء هذا الرجل في محيطه الضيِّق خمسين فردًا عدوًّا، من مجموع عددُه سبعون أو خمس وسبعون: (70/50).
وهل يصلح العطَّار ما أفْسَدته التنشئة الاجتماعية والبيئة الثقافية الفاسدة؟
من
العسير جدًّا أن يتغيَّر هذا الصنف، فالداء قد استفحَل في كل مناحي جسده،
في عظامه وسُلامِيَّاته، حتى عجب ذَنَبه، فأصبَح ذلك جزءًا لا يتجزَّأ منه.
فلا
يستطيع التخلُّص من غَطرسته وعنجهيَّته وجَفائه، وكِبْر مُضمر فيه، مُستتر
تحت لباسه، والأدهى والأمرُّ أنَّ هذه الأدواء النفسيَّة قد دخَلت في
تركيبته الوجدانيَّة، فأصَبَح يعيش حالة الاستحواذ.
(فقد
تكون تجربةُ الكاتب غير موفَّقة في التعامل مع أمثال هذا "الصنف"، وقد
يوفِّقك الله في إصلاحه وإعادته لرُشده، فيكون لك أجرٌ عظيم، وذلك بفَضْل
منه - سبحانه وتعالى - والله الموفِّق للصواب).