قال تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم4 .
و عن أبي
هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( بعثت لأتمم
مكارم الأخلاق) رواه الحاكم و قال صحيح على شرط مسلم و وافقه الذهبي .
قال
الإمام السعدي رحمه الله عند قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ } أي: عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه
العظيم، ما فسرته به أم المؤمنين، [عائشة -رضي الله عنها-] لمن سألها عنه،
فقالت: "كان خلقه القرآن"، وذلك نحو قوله تعالى له: { خُذِ الْعَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } { فَبِمَا رَحْمَةٍ
مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ } [الآية]، { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ
أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيُصُ عَلَيْكُم
بِالمْؤُمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } وما أشبه ذلك من الآيات الدالات على
اتصافه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، [والآيات] الحاثات على الخلق
العظيم فكان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة
العليا، فكان صلى الله عليه وسلم سهلًا لينا، قريبًا من الناس، مجيبًا
لدعوة من دعاه، قاضيًا لحاجة من استقضاه، جابرًا لقلب من سأله، لا يحرمه،
ولا يرده خائبًا، وإذا أراد أصحابه منه أمرًا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا
لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبد به دونهم، بل يشاورهم
ويؤامرهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسًا له
إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا
يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من
جفوة، بل يحسن إلي عشيره غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال صلى الله
عليه وسلم ].
و قال ابن القيم رحمه الله : [ومما يحمد عليه ما جبله الله
عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم فإن من نظر في أخلاقه وشيمه علم أنها
خير أخلاق الخلق وأكرم شمائل الخلق فإنه كان أعلم الخلق وأعظمهم أمانة
وأصدقهم حديثا وأحلمهم وأجودهم وأسخاهم وأشدهم احتمالا وأعظمهم عفوا ومغفرة
وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما
كما روى البخاري في صحيحه عن
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال في صفة رسول الله في التوراة :
(محمد عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا
يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء
بأن يقولوا لا إله إلا الله وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا)
وأرحم
الخلق وأرأفهم بهم وأعظم الخلق نفعا لهم في دينهم ودنياهم وأفصح خلق الله
وأحسنهم تعبيرا عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد
وأصبرهم في مواطن الصبر وأصدقهم في مواطن اللقاء وأوفاهم بالعهد والذمة
وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه وأشدهم تواضعا و أعظمهم إيثارا على نفسه
وأشد الخلق ذبا عن أصحابه وحماية لهم ودفاعا عنهم وأقوم الخلق بما يأمر به
وأتركهم لما ينهى عنه وأوصل الخلق لرحمه فهو أحق بقول القائل :
برد على
الأدنى ومرحمة ... وعلى الأعادي مارنٌ جلد]
اما جمال خلقته عليه الصلاة
و السلام :
النفوس مجبولة على حب كل جميل و قد كان صلى الله عليه و سلم
أجمل الناس خلقاً و لذا فقد أحبه الناس حباً عظيماً فقد جمع بين جمال
الخلقة و الخلق عليه أفضل الصلاة و السلام
فتأمل أخي المبارك في وصف
أصحابه له عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن
عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله
صلى الله عليه وسلم ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى
الله عليه وسلم ) رواه مسلم و معنى ( أزهر اللون ) هو الأبيض المستنير وهو
أحسن الألوان
عن البراء قال : ما رأيت أحدا أحسن في حلة حمراء من رسول
الله صلى الله عليه وسلم وجمته تضرب منكبيه ) رواه النسائي وصححه الألباني
عن
كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن تبوك قال فلما سلمت على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يبرق وجهه من السرور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه ) رواه البخاري
عن
أبي جحيفة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء
فتوضأ ثم صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة . وزاد فيه عون عن
أبيه عن أبي جحيفة قال كان يمر من ورائها المرأة وقام الناس فجعلوا يأخذون
يديه فيمسحون بهما وجوههم قال فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد
من الثلج وأطيب رائحة من المسك ) رواه البخاري
عن البراء يقول: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل البائن
ولا بالقصير) رواه البخاري
عن علي قال : لم يكن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير شئن الكفين والقدمين ضخم الرأس ضخم الكراديس
طويل المسربة إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما انحط من صبب لم أر قبله ولا بعده
مثله ) رواه الترمذي و صححه الألباني
عن ابن عمر : ما رأيت أحدا أنجد
ولا أجود ولا أشجع ولا أضوأ وأوضأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه
الدارمي بسند صحيح .
فهو الذي تم معناه وصورته *** ثم اصطفاه حبيباً
بارئُ النِّسمِ
أكرِم بخلق نبي زانه خلقٌ *** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر
في ترف والبدر في شرف *** والبحر في كرم والدهر في هِمَمِ
إن
نبياً بهذه الصفة و هذه المثابة حق له أن يُحب و أن تتعلق به القلوب و تحن
إليه الأفئدة و تحلم برؤيته و تجعل هدفها الأعظم الورود على حوضه وعبور
الصراط بمعيته ( َيوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )التحريم8
حكم محبة الرسول: محبة النبي صلى
الله عليه و سلم واجبة على كل مسلم و مسلمة قال تعالى ( قُلْ إِن كَانَ
آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ
اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
}التوبة24. وفي حديث البخاري عن أبي هريرة مرفوعاً: ((فوالذي نفسي بيده لا
يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)). وروى
البخاري عن عبد الله بن هشام: كنا مع النبي وهو آخذ بيده عمر فقال عمر: يا
رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي فقال: ((لا والذي نفسي بيده
حتى أكون أحب إليك من نفسك، قال عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي،
فقال: الآن يا عمر)).