مقال قرأته وعجبني كثيرا وحبيت أنقله لكم ..
وهو
التعامل مع النفس والناس كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم
((كن هكذا ولا تندم))
عندما تكون طيِّباً , حنوناً , سمحاً , متواضعاً , وعندما تتجاوز بعواطفك
كل الحدود , فتحب كل الناس , وتمدَّ يد العون لكل محتاج إليها سواء طلب منك
أو لم يطلب , وتعمل على نصرة كل مظلوم حتى لو أدى ذلك إلى الإضرار بك ,
وتنسى واجبك نحو نفسك وأهلك وتتكلف في سبيل الآخرين ما تطيق وما لا تطيق ,
وتتجاوز في ما تفعل مقولة المصطفى صلى الله عليه وسلم إمعاناً في فعل الخير
فتحب للآخرين أكثر مما تحب لنفسك أحياناً فتبلغ بذلك قمة ( الإيثـار ) ثم
تجد نفسك من جراء ذلك كله تقف في قفص الاتهام لأنك وعدت - تطوعاً منك - في
بذل قصارى جهدك لتحقيق أمر ما , فلم تستطع فيتهمك صاحبه بأنك لا تريد خدمته
بدلاً من أن يشكرك على بذل الجهد , وقد يستغل آخر مواهبك في الإخلاص وحبك
لفعل الخير فيوجهك - دون أن تدري - لتخدمه فيما لا يستحق فينقم عليك آخرون ,
وقد يعجب من تتطوع بخدمته وتحقق له ما يريد فيسيء بك الظن ويعتقد أنك ترمي
إلى هدف أكبر من وراء ما قدمت له .
وعندما يكون أكبر عيوبك أن تحسن الظن بكل الناس وتحسن الظن بنفسك فتعد بما
تستطيع , وبما لا تستطيع إيماناً منك بأن الله سيوفقك في فعل الخير لمستحقه
, واعتقاداً منك بأن بذل الجهد في حد ذاته عمل عظيم ثم تتلقى بعد ذلك
أكوام اللوم , والعتاب والاتهامات , وسوء الظن ممن خاب ظنهم فيك لعدم قدرتك
على بلوغ ما أرادوا منك .
وقد يأتيك صديق ناصح فيقول لك : إن هذه طيبة مفرطة وأن الطيبة المفرطة في هذا الزمن تعتبر
( غفلة ) ويعبرها البعض ( غباء ) وأن ( الخْبث ) و ( اللؤم ) و ( الأنانية )
هي العملات الرائجة هذه الأيام في سوق التعامل بين الناس , وقد يقول لك
ناصح آخر بصدق : إن طينتك الطيبة بحاجة إلى أن تعجن بأوقية من ( الخبث )
لتستطيع التعامل مع العصر وإلا فأنت ( مغفل ) لأنك تحسن الظن بداية وتحسن
النية في كل عمل , وتصدق كل ما يقال وتتوقع من الناس ما تفعله لهم وعندما
يحدث عكس ذلك تصدم لكنك لا تتعلم , ولا تعرف كيف تعاملهم بالمثل , فتحسن
إلى من يسيء إليك , وتعفو عمن تقدر عليه ومن لا تقدر عليه , وترضى بسرعة
إذا غضبت , ولا تتسرب قطرة من حقد أو كراهية إلى قلبك لأنك تغسله بذكر الله
كل ليلة قبل أن تنام من أوضار الدنيا , ذلك إيماناً منك بأن من يطمع في
عفو الله ومغفرته فليتسامح مع عباده .
ومع ذلك كله , عليك ألا تتغير , وثق تماماً أن من يفعل ذلك يتولى الله أمره في كل شيء , ويتكفل بأجره وفقاً لقوله تعالى : (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) [ الشورى : 40 ]
ولا يكون الأجر على الله إلا في الأمور التي يتجرد الإنسان فيها من الطمع
في طلب المثوبة وعدم انتظار الشكر أو الثناء من الناس , وهي أشياء زائلة
ومؤقتة ولا تستمر طويلاً , لأن رأي الناس فيك قد يتغير في لحظة شك أو سوء
ظن أو وشاية أو هوى .
وثق تماماً أنك إذا طلبت مرضاته وحده في كل ما تفعل وتقول فسيدافع عنك الله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ) [ الحج : 38 ]
وسيرضى عنك - بهداه وتوفيقه - كل من تريده أن يرضى عنك من البشر , أما إذا
طلبت رضا الناس وحدهم فإنك ستلهث كثيراً وتتعب كثيراً , ولن تظفر بالرضا
الذي تريد , وقد قالت العرب قديماً
( رضا الناس غاية لا تدرك ) .
لهذا فإن رب العباد اختصر لك الطريق حين وجهك بالتقرب إليه لتجد نفسك
قريباً من عباده , افعل الخير لمن يستحق , فإن كان فيمن لا يستحق , فإن
الله لن يعدم أجرك , ولا تندم على معروف قدمته لمن لم يشكرك ولم يحفظ لك
حسن صنيعك .
واستمر وسامح من كل قلبك , ولكي تثبت لنفسك طهارة قلبك من رجس الانتقام ,
أحسن لمن أساء إليك في أقرب فرصة ممكنة , ولا تقل : إني تسامحت وكفى , فهذا
دليل أن في قلبك غلاّ عليه , وثق أنك حين تفعل ذلك فستعلِّمه كيف يتسامح
ويحسن , وسيكون لك الأجر العظيم في فضل المحبة والتسامح بين الناس , والدفع
بهذه الأمة نحو مجتمع أنقى وقلوب أطهر .
اجعل دعاءك كل ليلة قبل أن تنام
( اللهم
إني عفوت عمَّن ظلمني وأحسنت لمن أساء إليَّ وتصدّقت بعرضي على الناس
فاسترني فوق الأرض واسترني تحت الأرض واسترني يوم العرض وأدخلني في واسع
رحمتك يا أرحم الراحمين ) .
وأنت تعرف أن الإنسان المسلم ليس له مطلب أعظم من الستر في المواضع الثلاثة
التي ذكرها الدعاء , في الحياة , وفي الممات ويوم الحشر , وما أرخص الثمن
أمام هذا العرض العظيم , التسامح مع الناس والإحسان إليهم , واعمل بذلك
الدعاء بصدق في معاملاتك اليومية , وثق تماماً أن الطيب لا يستطيع إلا أن
يكون طيباً , فهل تستطيع الوردة أن تغير رائحتها الزكية إذا ما شمها من لا
يستحقها ؟ كذلك النحلة لا تستطع أن تستبدل عسلها بـ ( السم ) وقد ضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم المثل بهذا المعنى حين قال
( مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً ) .
فالعسل لا يمكن أن يكون مراً على لسان آكله مهما خبثت دخيلة آكله , وليس
أمام الطيب من خيار إلا أن يكون طيباً , ولن تغير معدنه أوقية من الخبث !