نـادَت بِـوَشكِ رَحيلِكَ الأَيّامُ ***أَفَـلَستَ تَسمَعُ أَم بِكَ اِستِصمامُ
وَمَضى أَمامَكَ مَن رَأَيتَ وَأَنتَ لِل*** بـاقينَ حَـتّى يَـلحَقوكَ أَمـامُ
مـا لي أَراكَ كَأَنَّ عَينَكَ لاتَرى*** عِـبَـراً تَـمُرُّ كَـأَنَّهُنَّ سِـهامُ
تَـأتي الـخُطوبُ وَأَنتَ مُنتَبِهٌ لَهَا*** فَـإِذا مَـضَت فَـكَأَنَّها أَحلامُ
قَـد وَدَّعَـتكَ مِنَ الصِبا نَزَواتُهُ*** فَـاِحذَر فَـما لَكَ بَعدَهُنَّ مُقامُ
عَرَضَ المَشيبُ مِنَ الشَبابِ خَليفَةً ***وَكِـلاهُما لَـكَ حِـليَةٌ وَنِظامُ
وَكِـلاهُما حُـجَجٌ عَلَيكَ قَوِيَّةٌ ***وَكِـلاهُما نِـعَمٌ عَـلَيكَ جِسامُ
أَهـلاً وَسَـهلاً بِالمَشيبِ مُؤَدَّباً ***وَعَـلى الـشَبابِ تَحِيَّةٌ وَسَلامُ
وَلَـقَد غَنيتَ مِنَ الشَبابِ بِغِبطَةٍ*** وَلَـقَد كَـساكَ وَقارَهُ الإِسلامُ
لِـلَّهِ أَزمِـنَةٌ عَـهِدتُ رِجـالَها ***فـي الـنائِباتِ وَإِنَّـهُم لَـكِرامُ
أَيّـامَ أَعـطِيَةُ الأَكُـفِّ جَزيلَةٌ*** إِذ لا يَـضيعُ لِـذي الذِمامِ ذِمامُ
فَـلِعِبرَةٍ أُخِّـرتَ لِـلزَمَنِ الَّذي ***هَـلَكَ الأَرامِـلُ فـيهِ وَالأَيتامُ
زَمَـنٌ مَـكاسِبُ أَهـلِهِ مَدخولَةٌ ***دَخَـلاً فُـروعُ أُصـولِهِ الآثامُ
زَمَـنٌ تَـحامى المَكرُماتِ سَراتُهُ ***حَـتّى كَـأَنَّ الـمَكرُماتِ حَرامُ
زَمَـنٌ هَـوَت أَعلامُهُ وَتَقَطَّعَت*** قِـطَعاً فَـلَيسَ لِأَهـلِهِ أَعـلامُ
وَلَقَد رَأَيتُ الطاعِمينَ لِما اِشتَهَوا ***وَهُـمُ لِأَطـباقِ الـتُرابِ طَعامُ
مـا زُخرُفُ الدُنيا وَزِبرِجُ أَهلِها*** إِلّا غُــرورٌ كُـلُّـهُ وَحُـطامُ
وَلَـرُبَّ أَقـوامٍ مَضَوا لِسَبيلِهِم ***وَلَـتَمضِيَنَّ كَـما مَضى الأَقوامُ
وَلَـرُبَّ ذي فُـرُشٍ مُـمَهَّدَةٍ لَهُ ***أَمـسى عَـلَيهِ مِنَ التُرابِ رُكامُ
وَعَـجِبتُ إِذ عِلَلُ الحُتوفِ كَثيرَةٌ ***وَالـناسُ عَن عِلَلِ الحُتوفِ نِيامُ
الـغَيُّ مُـزدَحَمٌ عَـلَيهِ وُعورَةٌ ***وَالـرُشدُ سَـهلٌ ما عَلَيهِ زِحامُ
وَالـمَوتُ يَـعمَلُ وَالعُيونُ قَريرَةٌ ***تَـلهو وَتَـلعَبُ بِـالمُنى وَتَـنامُ
وَالـلَهُ يَـقضي في الأُمورِ بِعِلمِهِ ***وَالـمَرءُ يُـحمَدُ مَـرَّةً وَيُـلامُ
وَالـخَلقُ يَـقدُمُ بَعضُهُ بَعضاً يَقو ***دُ الـخَلفَ مِـنهُ إِلى البِلى القُدّامُ
كُـلٌّ يَـدورُ عَلى البَقاءِ مُؤَمِّلاً ***وَعَـلى الـفَناءِ تُـديرُهُ الأَيّـامُ
وَالـدائِمُ المَلَكوتِ رَبٌّ لَم يَزَل ***مَـلِكاً تَـقَطَّعُ دونَـهُ الأَوهـامُ
وَالـناسُ يَـبتَدِعونَ في أَهوائِهِم*** بِـدَعاً فَـقَد قَعَدوا بِهِنَّ وَقاموا
وَتَـخَيَّرَ الـشُبَهاتِ مَن لَم يَنهَهُ ***عَـنهُنَّ تَـسليمٌ وَلا اِسـتِسلامُ
وَمُـحَمَّدٌ لَكَ إِن سَلَكتَ سَبيلَهُ*** فـي كُـلِّ خَـيرٍ قـائِدٌ وَإِمـامُ
مـا كُلُّ شَيءٍ كانَ أَو هُوَ كائِنٌ*** إِلّا وَقَـد جَـفَّت بِـهِ الأَقـلامُ
فَـالحَمدُ لِـلَّهِ الَّـذي هُوَ دائِمٌ ***أَبَـداً وَلَـيسَ لِـما سِواهُ دَوامُ
وَالـحَمدُ لِـلَّهِ الَّـذي لِـجَلالِهِ ***وَلِـحِـلمِهِ تَـتَصاغَرُ الأَحـلامُ
وَالـحَمدُ لِـلَّهِ الَّذي هُوَ لَم يَزَل ***لا تَـسـتَقِلُّ بِـعِلمِهِ الأَوهـامُ
سُـبحانَهُ مَـلِكٌ تَـعالى جَـدُّهُ ***وَلِـوَجهِهِ الإِجـلالُ وَالإِكـرامُ