مَدخَلْ :
" في حُضُورِ المَـاء ، تَحمِيْ الوَردَةُ أنفَاسَهَا مِنَ المَوتْ ! " ..
رُفِعَتْ سَتائِرُ الصَباح ، بِضَوءٍ هَزيلٍ ، وَشمَسٍ مُنهَكَة ..
عَلىَ شِجارٍ مَسمُوم ، يَتعَالىَ طَردِيّاً مَع مَروُرِ الثَواني المُرتَجِفَة ..
يَتَوقّفُ الصَوتُ فَجَأه ..تَحمِلُ حَقَائِبهَا المَليِئَة بِالأحلاَمِ الضَائِعَة وَالمُكدّسَةِ بداخلِ قَدَرِهَا ..
تخرج مِنَ المَنزِلِ ، بِرفقَةِ ابنَتِهَا "سَارَة " التي تَبلُغُ ثمانيةَ عَشرَ ربيعاً ..
،
الشَوَارِعُ مُزدَحِمَة ، مَليئَةٌ بِالضَجيجِ الصَاخِبِ ، وَالأَرصِفَةِ المُشَبّعَة بِالمَوُتْ ،
الهَوَاءُ قَارِصْ ، وَالأوُكسُجِينْ لاَيمنَحُ الدِفْء ، تَدوُر الكَثيرُ مِنَ الأفكَارِ في مُخيّلةِ كُلاً مِنَ الأمّ وَ" سارة " ..
الأمطَارُ تُبَلّلُ الثِيَابْ ، وَرَائِحَةُ المَطر الفَاتِنَة تَنغَمِسُ بِدَاخِلِ الأنفَاسِ المُتَسَارِعَة ..
"الحَيَاة فِيهَا الكَثيرُ مِنَ الصعُوبَاتِ وَالمشَاقّ ،وَالأقدَارِ التيْ لاَنَعرِفُ مَاذَا تُخبّأُ لنَا دَاخِلَ جُعبَتِهَا "
وَبَعدَ أنْ قَضَتِ الشَمسُ شُعَاعَهَا ، وَانغَمَسَتْ خَلفَ وَجهِ المَغِيبْ ..
كَانَ الوُصوُلُ إلىَ مَسقَطِ رَأسِ الأُمّ المَغلُوبِ عَلىَ أمرِهَا ، فيْ مَنطِقَتهَا الرِيفيِة وَفيْ بَيتِهَا القَديمْ ..
استَطَاعَتْ أنْ تَتَمَدّدَ عَلىَ سَريِرِهَا الدَافيْء وَأنْ تَضَع آمَالهَا الخَائِبَةِ فَوقَ الطَاوِلَة ،
وَتَنعَمُ بِنَومٍ قَليلْ ، عَلىَ مَقرَبَةٍ مِنْ ابنَتِهَا الجَميِلَه ..
وتمرّ الأيَام بِسُرعَةِ الضَوءِ المشبّع بِالألم ، وَالمَمزوُجِ بِنَكهَةِ الوَجَعْ
تَرتَديْ الأيَامُ ثَوبَ الحيَاة ، وَتسطَعُ شمَسُ الأمَلِ مِنْ جَديِدْ ..
تَتكَاثَرُ اشغَالُ الأمّ ، حَولَ خَاصِرةِ أوقَاتِهَا الضَيِقَة ..
كَانَت لاَتَكتَرِثُ لـِ أمرِ " سَارَه " لاَتعلمُ أينَ تَذهب أو مِن أينَ تَأتيْ ..
وَفي تِلكَ الاجوَاء القَاتِلَة ..
تَتَعلّق " سَاره " خَلالَ دِرَاسَتِهَا بِالجَامِعَة بِصَديقاتٍ يُظهرنَ لهَا الحُبّ ..
دَعتهَا صَدِيقتُها المُقرّبَة إليهَا ، لحضُورِ حَفلٍ رَاقِص ،
فِيْ بَيتٍ آمِن وَالتيْ كَانَت تَرددُ عَليهِ كَثيراً ..
لمَ تُمَانِع " سَارة " فيْ ذَلكَ ..حُبّاً مِنهَا وَفُضوُلاً ،
وَتعبئةً لرَصِيدِ وَقتِهَا الفَارِغ !
تَمَرّدَت الأجوَاء الصَاخِبة عَلى مَشاعِرهَا المُرهَفَة ،
وَمعَ مُرورِ الوَقتِ ، أصبَحت تتَردد كَثيرَاً الىَ ذَلك الوَكرْ ..
تَعلّقت مَشاعِرهُا الطَائِشَة بِتلكَ الأجوَاء الكَاذِبَة ،
ظناً مِنها أنها مُنتهىَ السَعادَة وَالحياة ، ..
لَمْ يَكُن هُناكَ بِضعُ حُبّ يُوجِهُهَا وَينيرُ وِجهَةَ قِبلَتِهَا،
يحتَوي إنسَانِيتهَا.. ، يرتبُ عَلى كتِفهَا بِالحنَانِ وَالدِفْء ..
يَزرَعُ بِداخِل فُؤادِهَا الخَصب ، خَصلةً مِنَ الوُردِ الطَاهِر ،
،
وتمرّ الأيَامُ كَـ مرِّ السَحَاب ..
أُعجِبت بـِ شَابٍ وَسيم ، كَانَت تَبدو عَليهِ عَلامَاتُ المَكرْ ..
كَان يُظهِرٌ لهَا وَلعهُ وإعجَابهَ بِـ انوثَتِهَا الطَاغِية ..
وَكَانَ يُمَارِسُ مَعهَا طُقوسَ حبّه المَزعُومِ لهَا كُل ليِلَة ..
.
.
وَمِن غَدرهِ بهَا ..
كَانَ يُذّوبِ حُبيبَاتِ المُخَدّر ..فيْ كُأسِهَا كُلّ لَيلَة ..
حَتىَ أصبَحتْ وَبَلا إرَادةٍ " مُدمِنَة ...."
حِينَها ، أصبَحت أَسيرَتَه ،
لاَتَنفَكُّ عَنه، وَلاتَستطيعُ الهُروبَ منِه، وَتُلبّي لَهُ مَاتمنّى ،لحاجَتِهَا إلى ذَلِكَ السُمّ..
تَلاشَتِ العَصَافِيرُ المُغرِّدة فيْ سمَاءِ أُمنِياتهَا المُتَشجرّة ..
،
وَفيْ إحدىَ الليَالي السَودَاء ..
وَبعدَ أنْ أفرَغَ قَارُورةَ الخَمرِ في مَعِدَته . .
وَأصبَح بِلا عَقل ..تَوجّه الىَ نَاعِمةِ الحَواسّ " سَارة " ..
..
حِينَها ..كَانَت أفكَارُ المُستَقبلِ تَدوُرُ فيْ سَقفِ أحلاَمِهَا المُتعثّر ..
وَكَانَت العَبرَة تخنُقَها وَالأمَاني تَقِفُ مُكتّفَة أمَامَها ..
صِراعُ العَقلِ مَع الوَاقِع ، لمَ يَتنَاغَم أبَداً فيْ دَاخِلهَا ..
وَفيْ تِلكَ الأَجوَاء المَليئَة بِالشُروُد ، وَالمختَنِقةِ بِالنَدَم ، وَالمحتَرِقَة بِالدُموُع ..
دَخَل عَليِهَا ، وَبنَظرَاتِهِ الكَثيرُ مِنَ الخُبث ، وَالسُكرْ ..
أرَادَ ممُارَسَةَ حُبّه المُزّيفْ فَوقَ ذَاكَ السَرير الملعُون ..
بِكُل مَا أُوتيهِ مِن مَكرْ ..
وَعنَدمَا اقتَربَ مِنهَا وَهِيَ خَائِفَة تتَرقّبُ تَصرُفَاتِهِ المَسمُومَة ..
حَاوَلتْ مَنعَهُ عَمّا يَقُومُ بِهِ ..وَلكنّهُ لمَ يَستَجبْ ..
وَبِعَفويةٍ مُطلَقَة ..
أمسَكَت المُسَدّس الذيْ وَضعَهُ فَوقَ الطَاوِلَة لِتَخوِيفهِ بِه..
وَبِلا إرَادَة ..اطلَقَت عَليهِ النَار بِكُلّ مَاتمَلِكهُ المَشَاعِرُ مِن ألمَ ،
حَتىَ فَارقَ الحَيَاة ..
سَقَطتْ "سَارَة " .. تَبكيْ ،
صرَاخُهَا هَزّ نَوافِذَ الليِل ..
وَحرّكَ سَتَائرُ الوَجَع المعلّقَة ..
إمتَلأت مَلامِحُ وَجهِهَا النَاعم بِالدُموُع الحَارّه ..
رَفعَت رَأسهَا الى السِمَاء ..
كادت أصابعها تقتلع شعرها المسدول فوق كتفيها ..
سَقَطَتْ وتسَاقَطت أمَام أعيُنِهَا تِلكَ الأيام الجَميلَة ، وَالأمَاني الحَالمة .
.
.
مخرج:
" فيْ غِيابِ المَاء .. تتَحوّر الوُرودُ أَشوَاكَاً ..
كُونو الماءَ لمَنْ تُحبّوُنْ .. "