فأجساد الموتى لا تنعدم إنما تتلف وتفسد , ثم تتحلل لمركبات أوليه تختلط بعضها بالأرض ليتغذى النبات عليها فنأكله نحن , والبعض الأخر يسبح في الهواء الذي نتنفسه , حتى الكلمات التي ينطقها الإنسان وحرارة جسمه إثناء فترة حياته لا تفنى أو تنعدم بعد موته فهي عبارة عن طاقة صوتية وحرارية تظل موجودة أو تتحول لصورة أخرى ( الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من عدم ويمكن تحولها من صورة إلى أخرى ) , وعن قوله سبحانه { قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ } فتعنى أن عظامنا وأجسامنا بعد الموت لن تنعدم بمرور الزمن بل موجدة في الطبيعة على صورتها أو على هيئة أملاح معدنية مثل الكالسيوم والفوسفور ( يعنى تراب الأرض الذي تدوس عليه برجليك) , وعلاقة النفس بالجسد غير علاقة الروح به , فالنوم هو ميتة صغرى وبالرغم من مفارقة الروح لأجسامنا إثناء النوم فأنها لا تتحلل أو تتعفن والسر في ذلك أن أنفسنا مازالت في أجسامنا تمنح كل خلية وكل عضو فيها ما يسمى ( طاقة الحياة ) , فشرط تحلل الأجسام لرمة عفنة هو مغادرة الروح والنفس منها, حيث قال الله سبحانه { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } ولم يقل ( كل روح ذائقة الموت ) ذلك أن الروح هو المكون الوحيد الذي لا يموت فينا وإنما تموت أنفسنا فقط بالكيفية التي يعلمها الله , وموت النفس تعنى انتهاء إرادتها وانتقالها إلى ما شاء الله وقدر لها , كما قال سبحانه { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} , هل تختلف النفس عن الشخصية ؟ للكائن الحي نفسا واحدة تحتوى على شخصيات عديدة , فأنثى الأسد تحتضن صغارها بحنان وتلعب معهم وتداعبهم حتى يقع عينيها على حيوان ضعيف مثل الغزال فتتحول لوحش مفترس لا يعرف الرحمة فتقتل وتمزق وتنهش لحمها , والمعروف أن الأسد لا يفترس إلا في حالة الجوع حتى لو مرة غزالة أمامه , إذن يحتوى الأسد على ثلاث شخصيا الأولى هي الأم الحنونة والثانية الوحش المفترس والثالثة ملك الغابة العادل فلا يهاجم ويقتل إلا بدافع عذاب الجوع , وأنت أيها الإنسان في طفولتك بشخصية وفى سن المراهقة بشخصية ومرحلة الرجولة بشخصية وفى الشيخوخة بشخصية أخرى , بل إنك تتقمص شخصيات عديدة في اليوم أو في الساعة الواحدة , فأنت بداخل بيتيك بشخصية معينة ومع أصدقائك بشخصية ثانية وعندما تقف أمام الله للصلاة تصبح شخصية مختلفة تماما, والنفس قابلة للتعديل والتوجيه بقدر العزيمة والنية المعقودة للإرادة , كما قال الله سبحانه { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فأن الجنة هى المؤى } لكن يبقى سؤال لا إجابة له عندي وعندك , إذا كان الإنسان منا يحمل أكثر من شخصية بداخله فأي شخصية من هذه الشخصيات العديدة سوف يقع عليها الاختيار بالوقوف أمام الله لتجزى وتحاسب على أفعالها ؟ لا إجابة إلا بقوله سبحانه { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير }. إذن ما الفرق بين نفس النبات والحيوان والإنسان ؟ تتفق جميع الأنفس وتتلاقى في نهاية واحدة وهى موتها { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } لكنها تختلف في شكل وهيئة الجسد الذي تلبسه , فالشجرة عبارة عن نفس ترتدي جسد نبات والأسد والقطة والحمار نفس ترتدي جسد حيوان وأنا وأنت أنفس ترتدي جسد إنسان أدامي , فالحمد الله الذي كرمنا في أحسن صورة وفضلنا على كثيرا ممن خلق