lavander
تاريخ التسجيل : 07/09/2011 عدد المساهمات : 46 نقاط : 48336 الجنس :
| موضوع: ففرُّوا إلـــى الله 25/06/12, 09:54 pm | |
| (( ففرُّوا إلـــى الله ))
الفرار إلى الله مقام لم يذق طعمه إلا المخلصون ، ولم يرق لسموه إلا الصادقون : الذين امتزجت عقيدتهم الصحيحة بمنهجهم المستقيم ، فتزاوجا مع مكارم أخلاقهم ونبل سجاياهم ؛ فهم في كل لحظة بالله ، وفي كل حين مع الله .
وهذا المقام الرفيع أشار إليه رسول الله :
عن عائشة قالت : فقدت رسول الله ليلة من الفراش ، فالتمسته ، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد ، وهما منصوبتان ، وهو يقول: « اللَّهمَّ إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ».
وعن البراء بن عازب أنَّ رسول الله أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه من اللَّيل أن يقول : « اللَّهمَّ أسلمت نفسي إليك، ووجَّهت وجهي إليك ، وألجأت ظهري إليك ، وفوَّضت أمري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ، وبرسولك الذي أرسلت ، فإن مات مات على الفطرة » .
فرَّ : استجابة سريعة : فيها عزيمة .. فيها اهتمام .. فيها بطولة .. فيها إقبال على الله .
قال : « ربّ أشعث أغبر ذي طمرين ، مدفوع بالأبواب ، لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره ».
فرَّ : إرادة جازمة : فيها نعمة تامة .. فيها ثقة كاملة .. فيها رجولة .. فيها اعتزاز بالله .
قال - عز وجل -: *} مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً *{ [الأحزاب: 23].
الفار مِن الله إلى الله : لا يعرف البطء .. لا تتعثر خطاه .. لا تثقله دنياه .. لا يصرف قلبه عن مولاه.
قال - سبحانه -: * }قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى* { [طه: 84].
الفار إلى الله : ذو همة عالية.. ومقاصد غالية.. وأشواق إلهية.. روحه معلق بالملأ الأعلى. قال : « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ».
الفرار إلى الله : فرار مِن الدنيا إلى الله .. مِن الله إليه .. مِن عقابه إلى جنته .. مِن معصيته إلى طاعته.
الفرار إلى الله : فرار مِن الجهل إلى العلم .. مِن الضيق إلى السعة .. مِن الظلم إلى العدل .. مِن الحزن إلى الطمأنينة.
الفرار إلى الله : فرار مِن شوائب الفتور .. وأماني التسويف .. وزيف التهاون .. وتسويل النفس .. و غرور الشيطان.
قال - جل ثناؤه -: *}ييَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَـانُ إِلاَّ غُرُوراً *{ [النساء: 120].
الفرار إلى الله : اقتحام لمعاقل الجد بالجزم .. ولمحافل الصبر بالحزم .. ولمراقي الثبات بالعزم.
الفرار إلى الله : رقيّ من ضيق الصدر إلى سعة الإيمان .. مِن ضيق العيش إلى فسحة الأمل .. مِن كآبة الغم إلى أفق الإسلام .. مِن سحائب الأحزان إلى طاعات الرحمن .. مِن حيرة المخاوف إلى رياض القرآن.
الفرار إلى الله : غربة في أنس .. وعزلة في سكينة .. وتجرد من هوى النفس إلى هدى الله.
قال - عزّ من قائل -: *} وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* { [التوبة: 118].
كن عن همومك معرضاً ** وكِــلِ الأمور إلى القضـا وابشر بخير عاجل ** تنسى به ما قــد مضى وربما ضـاق المضيق ** وربـما اتسع الفضـا الله يفعـل ما يشـاء ** فـلا تكــن معتـرضـا الله عـوَّدك الجميل ** فقـس على مـا قد مضى
حظوظ النفس تعيق سعيك إلى الله .. فلا تقنع مِن الله بأمل يُسكن إليه دون الله .. ولا تطمئن إلا برضاه عنه .. ولا تقبل عملاً ليس إليه .
* فإذا كان الخالق الباري هو الله.. فلم التعلق بغير الله؟!
* إذا كان المحيي والمميت هو الله.. فلم الخوف مِن غير الله؟!
* إذا كان الرزاق ذو القوة المتين هو الله ... فلم سؤال غير الله؟!
* إذا كان الذي يجيب المضطر إذا دعاه هو الله.. فلم الهروب مِن الله لغير الله؟!
* إذا كان ملكوت كل شيء بيد الله.. فلم الرضى بغير الله؟!
* إذا كان الخلق والأمر لله.. فلم العبودية لغير الله؟!
* إذا كان المنعم المتفضل هو الله ..فلم التضرع لغير الله؟!
* إذا كان المعز والمذل هو الله ..فلم تداهن غير الله؟!
* إذا كان أحكم الحاكمين هو الله.. فلم الحكم بغير ما أنزل الله؟!
* إذا كان الله من ورائهم محيط.. فلم لا تفر مِن الله إلى الله؟!
قال مولانا الحق : *} يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ*{ [يوسف: 39].
كتب بعض السلف الصالح – رحمهم الله - لأخيه كلمات لو نقشها العبد في لوح قلبه يقرؤها على عدد الأنفاس لكان ذلك بعض ما يستحق وهي : « مَن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح ما بينه وبين الناس ، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤنة الدنيا ».
قال : « من جعل الهموم هماً ؛ هم المعاد ، كفاه الله سائر همومه ، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك ».
وقال : « ومن كانت همه الآخرة، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرق الله أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له ».
قال الإمام الرباني شيخ الإسلام الثاني ابن قيم الجوزية في « الرسالة التبوكية » (ص 61-66- بتحقيقي) : « لما فصلت عير السفر ، واستوطن المسافر دار الغربة ، وحيل بينه وبين مألوفاته وعوائده المتعلقة بالوطن ولوازمه ، أحدث له ذلك نظراً آخر ؛ فأجال فكره في أهم ما يقطع به منازل سفره إلى الله ، ويُنفق فيه بقية عمره ، فأرشده من بيده الرشد إلى أن أهم شيء يقصده إنما هو : الهجرة إلى الله ورسوله ، فإنها فرض عين على كل أحد في كل وقت ، وأنه لا انفكاك لأحد عن وجوبها ؛ وهي : مطلوب الله ومراده من العباد .
إذ الهجرة هجرتان:
هجرة بالجسم من بلد إلى بلد ، وهذه أحكامها معلومة ، وليس المراد الكلام فيها.
والهجرة الثانية : هجرة بالقلب إلى الله ورسوله ، وهذه هي المقصودة هنا.
وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية ، وهي الأصل ، وهجرة الجسد تابعة لها .
وهي هجرة تتضمن (مِن) و (إلى):
فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته .
ومِن عبودية غيره إلى عبوديته .
ومِن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه.
ومِن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له إلى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له.
وهذا بعينه معنى الفرار إليه ؛ قال - تعالى -: * } فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ *{ [الذاريات:5].
والتوحيد المطلوب مِن العبد هو الفرار مِن الله إليه.
وتحت (مِن) و (إلى) في هذا سر عظيم مِن أسرار التوحيد ؛ فإن الفرار إليه سبحانه يتضمن إفراده بالطلب ، والعبودية ، ولوازمها من المحبة والخشية والإنابة والتوكل وسائر منازل العبودية ؛ فهو متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - .
أمَّا الفرار منه إليه :
فهو متضمن لتوحيد الربوبية ، وإثبات القدر ، وأن كل ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفر منه العبد ، فإنما أوجبته مشيئة الله وحده ، فإنه ما شاء كان ، ووجب وجوده بمشيئته ، وما لم يشأ لم يكن ، وامتنع وجوده لعدم مشيئته ، فإذا فر العبد إلى الله فإنما يفر من شيء إلى شيء وجد بمشيئة الله وقدره ، فهو في الحقيقة فار مِن الله إليه.
ومَن تصور هذا حق تصوره فهم معنى قوله : «وأعوذ بك منك»، وقوله: « لا ملجأ ولا منجى منك ألا إليك ». فإنه ليس في الوجود شيء يفر منه ويستعاذ منه ويلتجأ منه إلا هو من الله خلقاً وإبداعاً.
فالفار و المستعيذ : فار مما أوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه إلى ما تقتضيه رحمته وبره ولطفه وإحسانه ، ففي الحقيقة هو هارب من الله إليه ، ومستعيذ بالله منه .
وتصوُّر هذين الأمرين يوجب للعبد انقطاع تعلق قلبه عن غيره بالكلية ؛ خوفاً ورجاء ومحبة ؛ فإنه إذا علم أن الذي يفر منه ويستعيذ منه إنما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه : لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده ؛ فتضمن ذلك إفراد الله وحده بالخوف والحب والرجاء ، ولو كان فراره مما لم يكن بمشيئة الله وقدرته لكان ذلك موجباً لخوفه منه ؛ مثل : من يفر من مخلوق آخر أقدر منه ؛ فإنه في حال فراره من الأول خائف منه حذراً أن لا يكون الثاني يعيذه منه ، بخلاف ما إذا كان الذي يفر إليه هو الذي قضى وقدر وشاء ما يفر منه ؛ فانه لا يبقى في القلب التفات إلى غيره بوجه.
فتفطن لهذا السر العجيب في قوله : « أعوذ بك منك » ، و : « لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك » ؛ فإن الناس قد ذكروا في هذا أقوالاً ، وقل من تعرض منهم لهذه النكته التي هي لبّ الكلام ومقصوده وبالله التوفيق.
فتأمل كيف عاد الأمر كله إلى الفرار مِن الله إليه ، وهو معنى الهجرة إلى الله – تعالى -.
ولهذا قال النبي : « المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ».
| |
|
$ جون سينا $
تاريخ التسجيل : 01/01/2012 عدد المساهمات : 314 نقاط : 47424 الجنس : العمر : 27
| موضوع: رد: ففرُّوا إلـــى الله 12/09/12, 07:29 pm | |
| بسم الله مشاء الله
شكرا لك
علي هذا الموضوع المميو والرائع
تحياتي لك | |
|
المسافر البعيد
تاريخ التسجيل : 20/03/2012 عدد المساهمات : 196 نقاط : 46608 الجنس : العمر : 38
| موضوع: رد: ففرُّوا إلـــى الله 14/09/12, 12:46 pm | |
| جزاك الله خير وجعله في موازين حسناتك وانارالله دربك بالايمان ربي يسعدك ويخليك يعطيك العافية ماننحرم من جديدك المميز امنياتي لك بدوام التألق والابداع بحفظ الله ورعايته
| |
|