هو أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، كان أبوه مولى لرسول الله صلى الله
عليه وسلم، ويكنى أسامة: أبا محمد وقيل: أبو زيد وقيل: أبو يزيد وقيل: أبو
خارجة وهو مولى رسول الله من أبويه وكان يسمى: حب رسول الله.
ولد رضي
الله عنه بمكة سنة 7 قبل الهجرة ونشأ حتى أدرك ولم يعرف إلا الإسلام لله
تعالى ولم يدن بغيره، وهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
وكان رسول الله يحبه حبا شديدا وكان عنده كبعض أهله.
وأمه هي أم أيمن
واسمها بركة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته، وكان زيد بن
حارثة لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله صلى
الله عليه وسلم وزوّجه أم أيمن بعد النبوة فولدت له أسامة بن زيد.
زواجه رضي الله عنه:
عن
فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله
بشعير فسخطته فقال والله ما لكِ علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: ليس لك عليه نفقة فأمرها أن تعتد في بيت أم
شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدّى عند ابن أم مكتوم فإنه رجل
أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنينى، قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية
بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو
جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن
زيد فكرهته، ثم قال انكحي أسامة فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطتُّ -
والغبطة هي الفرَح والسُّرُور وحُسْن الحال -.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
في
العام السادس من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وُلد لأمّ أيمن أسامة بن
زيد، فنشأ وتربى رضي الله عنه وأرضاه في أحضان الإسلام ولم تنل منه
الجاهلية بوثنيتها ورجسها شيئًا، وكان رضي الله عنه قريبًا جدًا من بيت
النبوة، وملازمًا دئمًا للنبي صلى الله عليه وسلم ففي مسند الإمام أحمد عن
أسامة بن زيد قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي كان يركب
خلفه - بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها قال فتناول
الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى، ومن ثَم كان تأثره شديدًا برسول
الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه حبًا شديدًا
ففي البخاري بسنده عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما حدث عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن فيقول: "اللهم أحبهما فإني أحبهما"
بل
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بحبِّ أسامة بن زيد رضي الله عنه فعن
عائشة قالت: لا ينبغي لأحد أن يبغض أسامة بعد ما سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: "من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة"، كان نقش خاتم أسامة
بن زيد: (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم)
وقد زوّجه النبي صلى الله
عليه وسلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وفي هذا الأمر ما فيه من العفة والطهارة
وراحة النفس، والتفرغ لنصرة الإسلام، فهي تربية عالية من رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يوصي به الصحابة رضي الله عنهم:
عن
هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أسامة بن
زيد لأحب الناس إلي أو من أحب الناس إلي وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم
فاستوصوا به خيرا".
أتشفع في حد من حدود الله؟!
روى البخاري بسنده عن
عروة بن الزبير أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في
غزوة الفتح ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه قال عروة فلما كلمه
أسامة فيها تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتكلمني في حد من
حدود الله قال أسامة استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشي قام رسول الله
خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم
أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه
الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها فحسنت توبتها بعد ذلك
وتزوجت قالت عائشة فكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
في هذا الموقف العظيم يعلّمُ النبيُّ صلى الله عليه
وسلم أسامة بن زيد بل والأمة كلها درسًا عمليا في غاية الأهمية والخطورة
وهو عدم المحاباة أو الكيل بمكيالين فكل الناس سواء القوي والضعيف، الحاكم
والمحكوم، الجميع يُطبّق عليهم شرع الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"
أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟!!
في
البخاري بسنده عن أبي ظبيان قال سمعت أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم
ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما غشيناه قال لا إله إلا الله فكف
الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وسلم
فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله قلت كان متعوذا فما زال
يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
وفي رواية فقلت: " أُعطِى الله عهدًا أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله".
وقد
انعكس أثرهذا الموقف على أسامةَ رضي الله عنه بطول حياته وعرضها وتأثر به
تأثرًا شديدًا وظل وفيًا بهذا العهد إلى أن لقي الله سبحانه وتعالى.
ولم
يبايع أسامة رضي الله عنه عليًا ولا شهد معه شيئا من حروبه؛ وقال له: لو
أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد أن لا إلا الله.
وفي
البخاري بسنده عن حرملة - مولى أسامة بن زيد - قال: أرسلني أسامة إلى علي
وقال: إنه سيسألك الآن فيقول ما خلف صاحبك فقل له: يقول لك: لو كنت في شدق
الأسد لأحببت أن أكون معك فيه ولكن هذا أمر لم أره - أي لم يكن لي فيه رأي
-...
وينصح أميره دون أن يفتح بابًا لفتنة:
روى مسلم بسنده عن أسامة
بن زيد قال قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه فقال أترون أني لا أكلمه إلا
أسمعكم والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن
أكون أول من فتحه ولا أقول لأحد يكون عليّ أميرا إنه خير الناس بعد ما سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في
النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل
النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول
بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر.
دور أم أيمن في تربية أسامة بن زيد:
أم
أيمن رضي الله عنها وأرضاها هي حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهى إحدى
المؤمنات المجاهدات اللاتى شاركن فى المعارك الإسلامية مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقد شهدت أُحدًا، وكانت تسقى المسلمين، وتداوى الجَرْحَي،
وشهدت غزوة خيبر، وقد روت أم أيمن -رضى الله عنها - بعضًا من أحاديث رسول
الله، قال ابن حجر في الإصابة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عنها:
"هذه بقية أهل بيتي"؛ هذه المرأة المؤمنة التقية الورعة المجاهدة كانت أحد
المحاضن التربوية التي تخرج منها أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه.
وقد
استشهد زيد بن حارثة زوج أم أيمن ووالد أسامة في مؤتة، واستشهد أيمن ابنها
وأخو أسامة من أمه في حنين، ففي هذه الأسرة المؤمنة المجاهدة نشأ هذا
القائد الفارس الفذُّ وتربى على معاني الجهاد والدفاع عن الإسلام مما جعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليه إمارة الجيش الإسلامي وهو في الثامنة
عشرة من عمره وفي الجيش كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وأصحاب السبق
في الإسلام.
وقد شهد أسامة رضي الله عنه لأمه بالفضل وكان شديد البر
بها، فعن محمد بن سيرين قال: بلغت النخلة على عهد عثمان بن عفان رضي الله
عنه ألف درهم فعمد أسامة بن زيد إلى نخلة فنقرها وأخرج جمّارها فأطعمها أمه
فقيل له: ما حملك على هذا وأنت ترى النخلة قد بلغت ألفًا، فقال: إن أمي
سألتنيه ولا تسألني شيئا أقدر عليه إلا أعطيتها.
قائد جيش المسلمين جميعًا في غزو الروم
ولّاه
النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في
الشام، قال الواقدي في المغازي: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر
مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه ووجد عليهم وجدا شديدا; فلما كان يوم
الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش في غزوهم. فتفرق
المسلمون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد فلما
أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر
دعا أسامة بن زيد فقال يا أسامة سر على اسم الله وبركته حتى تنتهي إلى
مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى
وحرق عليهم وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ
معك الأدلاء وقدم العيون أمامك والطلائع فلما كان يوم الأربعاء لليلتين
بقيتا من صفر بدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فصدع وحم. فلما أصبح يوم
الخميس لليلة بقيت من صفر عقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لواء
ثم قال يا أسامة اغز بسم الله في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا
تغدروا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا تمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون
لعلكم تبتلون بهم ولكن قولوا: اللهم اكفناهم واكفف بأسهم عنا فإن لقوكم قد
أجلبوا وصيحوا. فعليكم بالسكينة والصمت ولا تنازعوا ولا تفشلوا فتذهب
ريحكم. وقولوا: اللهم نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما
تغلبهم أنت واعلموا أن الجنة تحت البارقة.
ثم قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لأسامة امض على اسم الله فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن
الحصيب الأسلمي، فخرج به إلى بيت أسامة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسامة فعسكر بالجرف وضرب عسكره في سقاية سليمان اليوم. وجعل الناس يجدون
بالخروج إلى العسكر فيخرج من فرغ من حاجته إلى معسكره ومن لم يقض حاجته فهو
على فراغ ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة عمر
بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن
زيد بن عمرو بن نفيل ; وفي رجال من المهاجرين والأنصار عدة قتادة بن
النعمان، وسلمة بن أسلم بن حريش. فقال رجال من المهاجرين وكان أشدهم في ذلك
قولا عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت
القالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول فرده على من
تكلم به وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال فغضب
رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديد، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة
وعليه قطيفة ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أيها
الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم
في إمارتي أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان
للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي
وإن هذا لمن أحب الناس إلي وإنهما لمخيلان لكل خير فاستوصوا به خيرا فإنه
من خياركم ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشر ليال
خلون من ربيع الأول. وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول أنفذوا بعث أسامة ودخلت أم أيمن فقالت أي رسول الله، لو
تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم
ينتفع بنفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذوا بعث أسامة فمضى
الناس إلى المعسكر فباتوا ليلة الأحد ونزل أسامة يوم الأحد ورسول الله صلى
الله عليه وسلم ثقيل مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه فدخل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وعيناه تهملان وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة
فقبله ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء
ثم يصبها على أسامة. قال فأعرف أنه كان يدعو لي. قال أسامة فرجعت إلى
معسكري. فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره وأصبح ورسول الله صلى الله
عليه وسلم مفيق، فجاءه أسامة فقال اغد على بركة الله فودعه أسامة ورسول
الله صلى الله عليه وسلم مفيق مريح وجعل نساءه يتماشطن سرورا براحته. فدخل
أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله أصبحت مفيقا بحمد الله واليوم يوم
ابنة خارجة فائذن لي فأذن له فذهب إلى السنح، وركب أسامة إلى معسكره وصاح
في الناس أصحابه باللحوق بالعسكر فانتهى إلى معسكره ونزل وأمر الناس
بالرحيل وقد متع النهار. فبينا أسامة يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم
أيمن - وهي أمه - تخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت فأقبل أسامة
إلى المدينة معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح، فانتهوا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يموت فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس
يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. ودخل المسلمون الذين عسكروا
بالجرف المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودا حتى أتى به باب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده فلما بويع لأبي بكر رضي الله عنه
أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة وألا يحله أبدا حتى يغزوهم أسامة.
قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة ثم خرجت به إلى
الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلى بيت أسامة فما زال في بيت أسامة حتى
توفي أسامة. فلما بلغ العرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من
ارتد عن الإسلام قال أبو بكر رضي الله عنه لأسامة رحمة الله عليه انفذ في
وجهك الذي وجهك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخذ الناس بالخروج
وعسكروا في موضعهم الأول وخرج بريدة باللواء حتى انتهى إلى معسكرهم الأول
فشق على كبار المهاجرين الأولين ودخل على أبي بكر عمر وعثمان وسعد بن أبي
وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد، فقالوا: يا خليفة رسول الله إن
العرب قد انتقضت عليك من كل جانب وإنك لا تصنع بتفريق هذا الجيش المنتشر
شيئًا، اجعلهم عدة لأهل الردة ترمي بهم في نحورهم وأخرى، لا نأمن على أهل
المدينة أن يغار عليها وفيها الذراري والنساء فلو استأنيت لغزو الروم حتى
يضرب الإسلام بجرانه وتعود الردة إلى ما خرجوا منه أو يفنيهم السيف ثم تبعث
أسامة حينئذ فنحن نأمن الروم أن تزحف إلينا فلما استوعب أبو بكر رضي الله
عنه منهم كلامهم قال هل منكم أحد يريد أن يقول شيئ؟ قالوا: ل، قد سمعت
مقالتنا. فقال والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تأكلني بالمدينة لأنفذت
هذا البعث ولا بدأت بأول منه ورسول الله ينزل عليه الوحي من السماء يقول
أنفذوا جيش أسامة ولكن خصلة أكلم أسامة في عمر يخلفه يقيم عندن، فإنه لا
غناء بنا عنه. والله ما أدري يفعل أسامة أم ل، والله إن رأى لا أكرهه فعرف
القوم أن أبا بكر قد عزم على إنفاذ بعث أسامة ومشى أبو بكر رضي الله عنه
إلى أسامة في بيته وكلمه أن يترك عمر ففعل أسامة وجعل يقول له أذنت ونفسك
طيبة؟ فقال أسامة نعم وخرج وأمر مناديه ينادي: عزمة مني ألا يتخلف عن أسامة
من بعثه من كان انتدب معه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لن
أوتى بأحد أبطأ عن الخروج معه إلا ألحقته به ماشيا وأرسل إلى النفر من
المهاجرين الذين كانوا تكلموا في إمارة أسامة فغلظ عليهم وأخذهم بالخروج
فلم يتخلف عن البعث إنسان واحد.
وخرج أبو بكر رضي الله عنه يشيع أسامة
والمسلمين فلما ركب أسامة من الجرف في أصحابه - وهم ثلاثة آلاف رجل وفيهم
ألف فرس - فسار أبو بكر رضي الله عنه إلى جنب أسامة ساعة ثم قال أستودع
الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ; إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوصيك، فانفذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لست آمرك ولا أنهاك
عنه وإنما أنا منفذ لأمر أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج سريعا
فوطئ بلادا هادئة لم يرجعوا عن الإسلام - جهينة وغيرها من قضاعة - فلما نزل
وادي القرى قدم عينا له من بني عذرة يقال له حريث، فخرج على صدر راحلته
أمامه مغذا حتى انتهى إلى أبنى ; فنطر إلى ما هناك وارتاد الطريق ثم رجع
سريعا حتى لقي أسامة على مسيرة ليلتين من أبنى، فأخبره أن الناس غارون ولا
جموع لهم وأمره أن يسرع السير قبل أن تجتمع الجموع وأن يشنها غارة.
وحدث
هشام بن عاصم عن المنذر بن جهم قال قال بريدة لأسامة يا أبا محمد إني شهدت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أباك أن يدعوهم إلى الإسلام فإن أطاعوه
خيرهم وإن أحبوا أن يقيموا في دارهم ويكونوا كأعراب المسلمين ولا شيء لهم
في الفيء ولا الغنيمة إلا أن يجاهدوا مع المسلمين وإن تحولوا إلى دار
الإسلام كان لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين. قال أسامة هكذا
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي، ولكن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمرني، وهو آخر عهده إلي أن أسرع السير وأسبق الأخبار وأن أشن الغارة
عليهم بغير دعاء فأحرق وأخرب. فقال بريدة: سمعا وطاعة لأمر رسول الله صلى
الله عليه وسلم.
فلما انتهى إلى أبنى فنظر إليها منظر العين عبأ أصحابه
وقال اجعلوها غارة ولا تمنعوا في الطلب ولا تفترقو، واجتمعوا وأخفوا الصوت
واذكروا الله في أنفسكم وجردوا سيوفكم وضعوها فيمن أشرف لكم. ثم دفع عليهم
الغارة فما نبح كلب ولا تحرك أحد، وما شعروا إلا بالقوم قد شنوا عليهم
الغارة ينادون بشعارهم يا منصور أمت فقتل من أشرف له وسبى من قدر عليه وحرق
في طوائفهم بالنار وحرق منازلهم وحرثهم ونخلهم فصارت أعاصير من الدخاخين.
وأجال الخيل في عرصاتهم ولم يمعنوا في الطلب أصابوا ما قرب منهم وأقاموا
يومهم ذلك في تعبئة ما أصابوا من الغنائم. وكان أسامة خرج على فرس أبيه
التي قتل عليها أبوه يوم مؤتة كانت تدعى سبحة وقتل قاتل أبيه في الغارة
خبره به بعض من سبى ; وأسهم للفرس سهمين ولصاحبه سهم، وأخذ لنفسه مثل ذلك.
فلما أمسوا أمر الناس بالرحيل ومضى الدليل أمامه حريث العذري، فأخذوا
الطريق التي جاءوا منه، ودانوا ليلتهم حتى انتهوا بأرض بعيدة ثم طوى البلاد
حتى انتهى إلى وادي القرى في تسع ليال ثم قصد بعد في السير فسار إلى
المدينة، وما أصيب من المسلمين أحد. فبلغ ذلك هرقل وهو بحمص فدعا بطارقته
فقال هذا الذي حذرتكم فأبيتم أن تقبلوه مني. قد صارت العرب تأتي مسيرة شهر
تغير عليكم ثم تخرج من ساعتها ولم تكلم. قال أخوه سأقوم فأبعث رابطة تكون
بالبلقاء فبعث رابطة واستعمل عليهم رجلا من أصحابه فلم يزل مقيما حتى قدمت
البعوث إلى الشام في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
واعترض
لأسامة في منصرفه قوم من أهل كثكث - قرية هناك - قد كانوا اعترضوا لأبيه في
بدأته فأصابوا من أطرافه فناهضهم أسامة بمن معه وظفر بهم وحرق عليهم وساق
نعما من نعمهم وأسر منهم أسيرين فأوثقهم، وهرب من بقي فقدم بهما المدينة
فضرب أعناقهما.
وبعث أسامة بن زيد بشيره من وادي القرى بسلامة المسلمين
وأنهم قد أغاروا على العدو فأصابوهم فلما سمع المسلمون بقدومهم خرج أبو بكر
رضي الله عنه في المهاجرين وخرج أهل المدينة حتى العواتق سرورا بسلامة
أسامة ومن معه من المسلمين ودخل يومئذ على فرسه سبحة كأنما خرجت من ذي خشب
عليه الدرع. واللواء أمامه يحمله بريدة، حتى انتهى به إلى المسجد فدخل فصلى
ركعتين وانصرف إلى بيته معه اللواء. وكان مخرجه من الجرف لهلال شهر ربيع
الآخر سنة إحدى عشرة فغاب خمسة وثلاثين يوم، عشرون في بدأته وخمسة عشر في
رجعته.
أهم ملامح شخصيته:
الجانب القيادي:
لكونه تربّى على يد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم على أن
يكون قائدًا واكتشف عناصر هذه القيادة في شخصيته، وقد كان رضي الله عنه
دقيقًا في تنفيذ أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر ذلك من مواقفه
المتعددة ومنها موقفه أثناء جمعه للزكاة، وبعد ذلك يظهر موقفه عندما كان
قائدا للجيش الذي غزا الروم في الشام، ومدى الدقة التي التزم بها في تنفيذ
تعليمات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عن ذلك فقد شهد له رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه خليق بالولاية وأنه أهل لها، وقد نجح رضي الله عنه
في مهمته التي انتدب لها أعظم نجاح
وأدى دوره على أفضل ما يكون الأداء.
فعن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا
وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمارته فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: "إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من
قبل وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا
لمن أحب الناس إلي بعده".
وعن الزهري قال كان أسامة بن زيد يخاطَب بالأمير حتى مات يقولون: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يلق أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأميرورحمة الله وبركاته، أمير أمره رسول الله،
ثم لم ينزعه حتى مات.
ولقد
أثبت أسامة رضي الله عنه في قيادة جيشه إلى الشام أنه ذو جَلَدٍ على تحمل
المشاق، وذو شجاعة فائقة، وعقيدة راسخة، وعقلية راجحة متبصرة بالأحداث
والنتائج، مما أكسبه سمعة عالية، وصيتًا وشهرة كبيرة بين الصحابة، فقدروه
وأحبوه، ولمسوا بأنفسهم مدى إصابة الحق في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم
له في للإمارة.
بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم
روى
الإمام أحمد بسنده عن عَائِشَةَ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَثَرَ
بِأُسْكُفَّةِ أَوْ عَتَبَةِ الْبَابِ فَشُجَّ فِي جَبْهَتِهِ فَقَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِيطِي عَنْهُ أَوْ
نَحِّي عَنْهُ الْأَذَى قَالَتْ فَتَقَذَّرْتُهُ قَالَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُصُّهُ ثُمَّ يَمُجُّهُ
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ
أُسَامَةُ جَارِيَةً لَكَسَوْتُهُ وَحَلَّيْتُهُ حَتَّى أُنْفِقَهُ.
بعثتها إليك لتشققها خمرًا بين نسائك:
روى
مسلم بسنده عن ابن عمر قال رأى عمر عطاردا التميمي يقيم بالسوق حلة سيراء
وكان رجلا يغشى الملوك ويصيب منهم فقال عمر يا رسول الله إني رأيت عطاردا
يقيم في السوق حلة سيراء فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك
وأظنه قال ولبستها يوم الجمعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما
يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة فلما كان بعد ذلك أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم بحلل سيراء فبعث إلى عمر بحلة وبعث إلى أسامة بن
زيد بحلة وأعطى علي بن أبي طالب حلة وقال شققها خمرا بين نسائك قال فجاء
عمر بحلته يحملها فقال: يا رسول الله بعثت إلي بهذه وقد قلت بالأمس في حلة
عطارد ما قلت فقال إني لم ابعث بها إليك لتلبسها ولكني بعثت بها إليك لتصيب
بها، وأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
نظرًا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكر ما صنع، فقال: يا رسول
الله ما تنظر إلي فأنت بعثت إلي بهان فقال: "إني لم أبعث إليك لتلبسها،
ولكني بعثت بها إليك لتشققها خمرا بين نسائك".
وعن محمد بن أسامة بن زيد
عن أبيه قال كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة أهداها له
دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لك لا
تلبس القبطيه قلت كسوتها امرأتي فقال مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن
تصف عظامها.
رديفه في أسفاره:
عن عبد الله رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفًا
أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد
فأمره أن يأتي بمفتاح البيت ففتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه
أسامة وبلال وعثمان فمكث فيها نهارا طويلا ثم خرج فاستبق الناس وكان عبد
الله بن عمر أول من دخل فوجد بلالا وراء الباب قائما فسأله أين صلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه قال عبد الله
فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة...
وعن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول
الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس
عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع
عملي وأنا صائم
وعنه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إنك تصوم حتى
لا تكاد تفطر وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا
صمتهما قال: "أي يومين" قلت: يوم الإثنين ويوم الخميس قال: "ذانك يومان
تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".
وعنه
رضي الله عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه الكآبة
فسألته ما له فقال لم يأتني جبريل منذ ثلاث قال فإذا جرو كلب بين بيوته
فأمر به فقتل فبدا له جبريل عليه السلام فبهش إليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين رآه فقال لم تأتني فقال انا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا تصاوير.
وعن
يزيد بن أبي حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ثابت بن الربيع
وهو بالموت فناداه فلم يجبه فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " لو
سمعني لأجاب ما فيه عرق ولا هو يجد ألم الموت على جدته وبكى النساء فنهاهن
أسامة بن زيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعهن يبكين ما دام بين
أظهرهن فإذا وجب فلا أسمعن صوت باكية.
ألاقي منك اليوم...
عن قيس بن
أبي حازم قال قام أسامة بن زيد بعد مقتل أبيه بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم فدمعت عيناه ثم جاء من الغد فقام مقامه بالأمس فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم ألاقي منك اليوم ما لاقيت منك أمس.
ويدعو له صلى الله عليه وسلم:
عن
محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم
هبطتُ وهبط الناس المدينة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد
أُصمت فلم يتكلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يديه علي ويرفعهما
فأعرف أنه يدعو لي.
بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن
هشام بن عروة عن أبيه... لما فرض عمر بن الخطاب رضى الله عنه للناس فرض
لأسامة بن زيد خمسة آلاف ولابن عمر ألفين فقال ابن عمر فضلت عليّ أسامة وقد
شهدت ما لم يشهد فقال إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
منك وأبوه أحب إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك.
مع عثمان بن عفان رضي الله عنه:
عن
هشام بن عروة عن أبيه قال تخلف عثمان وأسامة بن زيد عن بدر فبينا هم
يدفنون رقية سمع عثمان تكبيرا فقال يا أسامة ما هذا فنظروا فإذا زيد بن
حارثة على
ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء بشيرا
بقتل المشركين يوم بدر.
مع حكيم بن حزام رضي الله عنه:
عن
عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال كان محمد النبي أحب الناس إلي في
الجاهلية فلما تنبأ وخرج إلى المدينة خرج حكيم بن حزام الموسم فوجد حلة لذي
يزن تُباع بخمسين درهما فاشتراها ليهديها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقدم بها عليه وأراده على قبضها فأبى عليه قال عبيد الله حسبت أنه قال
إنا لا نقبل من المشركين شيئا ولكن أخذناها بالثمن فأعطيتها إياه حتى أتى
المدينة فلبسها فرأيتها عليه على المنبر فلم أر شيئا قط أحسن منه فيها
يومئذ ثم أعطاها أسامة بن زيد فرآها حكيم على أسامة فقال يا أسامة أنت تلبس
حلة ذي يزن قال نعم لأنا خير من ذي يزن ولأبي خير من أبيه ولأمي خير من
أمه قال حكيم فانطلقت إلى مكة أعجبهم بقول أسامة المستدرك للحاكم.
مع خلاد بن السائب رضي الله عنه:
عن
خلاد بن السائب قال دخلت على أسامة بن زيد فمدحني في وجهي فقال إنه حملني
أن أمدحك في وجهك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مدح
المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه"
من مواقفه مع التابعين:
مع مروان بن الحكم
عن
عبيد الله بن عبد الله قال رأيت أسامة بن زيد يصلى عند قبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم فخرج مروان بن الحكم فقال تصلى إلى قبره فقال انى أحبه فقال
له قولا قبيحا ثم ادبر فانصرف أسامة فقال يا مروان انك آذيتنى واني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الله يبغض الفاحش المتفحش وانك فاحش
متفحش.
أثره في الآخرين:
روى عنه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم
ثلاثون من الصحابة والتابعين، فممن روى عنه من الصحابة سعد بن أبي وقاص،
وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وممن روى عنه من
التابعين سعيد بن المسيب، وإبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، وعامر بن شرحبيل،
وشقيق بن سلمة وغيرهم....
ويعلم مولاه عمليًا:
عن مولى أسامة بن زيد
أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له فكان يصوم يوم الاثنين
ويوم الخميس فقال له مولاه: لم تصوم يوم الإثنين ويوم الخميس وأنت شيخ
كبير، فقال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الإثنين ويوم
الخميس وسئل عن ذلك فقال: "إن أعمال العباد تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس".
الأثر العالمي لبعث أسامة رضي الله عنه:
كان
لهذا البعث أثرًا كبيرًا في تثبيت وتوطيد دعائم الدولة الإسلامية بعد وفاة
النبي صلى الله عليه وسلم وارتداد الكثير من القبائل، وكان من شأنه أن
ألقى الفزع والهلع في قلوب القبائل العربية التي مرَّ عليها في شمال
الجزيرة العربية، وكانوا يقولون: لو لم يكن للمسلمين قوة تحمى المدينة وما
حولها ما بعثوا جيشًا إلى هذه المسافات البعيدة حتى وصل إلى تخوم الروم؛
ومن أجل ذلك كانت حركة الردة في تلك المناطق أضعف منها بكثير في أي المناطق
الأخرى.
بعض الأحاديث التي رواها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري بسنده عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"
وفي
البخاري بسنده أيضًا عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قمت على
باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب
النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها
النساء".
روى مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم".
وأحاديث أخرى كثيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم...
وفاته رضي الله عنه
اعتزل
أسامة بن زيد رضي الله عنه الفتن بعد مقتل عثمان رضي الله عنه إلى أن مات
في أواخر خلافة معاوية، وكان قد سكن المزة غرب دمشق ثم رجع فسكن وادي القرى
ثم نزل إلى المدينة فمات بها بالجرف وصحح ابن عبد البر أنه مات سنة 54 هـ،
فيكون رضي الله عنه قد توفي عن 61 سنة.