شهادة حق لله ثم للتاريخ... وليست للشيخ "برهامي"
كتبه/ زين العابدين كامل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأكتب
هذه الكلمات ردًا على ما نُشر على "الفيس بوك" والمنتديات بعنوان: "كشف
حساب شيخ" للأخ خالد حربي، وقد قرأتُ بعض الكلمات في الرد على ما نُشر لبعض
الأفاضل كالأستاذ "نادر بكار"، والأستاذ "أحمد عطية"، والأستاذ "حسام عبد
العزيز"، وغيرهم... وكانت ردودًا طيبة، ولكني أردتُ أن أفنِّد الشبهات التي
ذكرها الأخ، وأن أرد عليها ردًا شافيًا، وألا يكون الرد عبارة عن ثناء على
الشيخ "ياسر برهامي" -حفظه الله-.
والمقصود بالشبهة هنا: ما يثير الشك والارتياب في صدق الداعي وأحقية ما يدعو إليه، وأذكِّر نفسي وإخواني بقول الله -تعالى-: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8). وبقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا).
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا،
أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: (تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) (متفق عليه).
وأنا
أرى أن الشيخ -حفظه الله- قد وقع عليه ظلم من الأخ المذكور، ووجب عليَّ
نصرة الشيخ والرد على ما أُثير حوله من الافتراءات، وليس ذلك تعصبًا مني
للشيخ، ولكن تعصبًا مني للحق، فنحن لا نتعصب للرجال، ولا ننحاز لأحد إلا
للحق كما نراه ونعتقده، وبحكم قربي من الشيخ ياسر -حفظه الله- وكثرة
مرافقتي له في الأسفار أستطيع -بفضل الله- أن أرد وأدحض شبهًا وضلالاتٍ قد
أثيرت حول الشيخ -حفظه الله تعالى ورعاه-، وهي:
الشبهة الأولى: أن الشيخ منع السلفيين من الخروج للمشاركة في ثورة "25 يناير".
والرد على هذه الشبهة من عدة أوجه:
1- أنه في يوم "25 يناير" أعلنت كل التيارات الإسلامية عدم المشاركة.
2- لم يكن أحد يعلم في ذلك التوقيت أنها ثورة، ولكنها عبارة عن مظاهرات غاضبة ولا أحد يعلم عواقبها.
3-
ثم صدر بيان الدعوة السلفية بشأن الأحداث، وفيه طالبت الدعوة السلفية
بضرورة التغيير الحتمي، وقد جاء في البيان ما نصه: "تغيير الوضع السابق على
الأحداث ضرورةٌ حتميةٌ؛ فلا يمكن أن يستمر مَن أَدَّى بالبلاد إلى حافة
الهاوية -نسأل الله أن يعافيَنا منها-، ولكنَّ الكلامَ على كيفية حدوث ذلك
إلى الأفضل لا إلى الأسوأ، ولا يمكن الاستمرارُ في دَفع البلاد إلى مَزيدٍ
مِن الفوضى".
4-
أوصى مشايخ الدعوة بحماية الجبهة الداخلية، وكان شباب الدعوة السلفية
بالإسكندرية أول مَن أقام اللجان الشعبية وحافظ على الممتلكات العامة
والخاصة، وتم تسليم بعض الأسلحة والملايين من الجنيهات للمنطقة الشمالية
العسكرية عن طريق شباب الدعوة، وقد رأى المشايخ أنه لو ظهرت الصبغة
الإسلامية في المظاهرات فإن ذلك يشكل خطورة عليها، وربما يؤدي إلى فشلها؛
لأنه سيقال عنها: "ثورة إسلامية".
5-
ثم بدأت التجمعات الخاصة بشباب الدعوة السلفية التي طالبت بالتغيير، فكان
المؤتمر الحاشد بمسجد "الفتح" الذي حضره أكثر من مائة ألف في حضور مشايخ
الدعوة السلفية، وطالبوا بضرورة التغيير والتأكيد على هوية الدولة، وهكذا
كان تسلسل الأحداث... وقرار الدعوة كان قرارًا بشورى تمت بين العلماء، وليس
هناك مَن كان يعلم ما هي العواقب، وتباينت ترجيحات العلماء بين المصالح
والمفاسد في هذا التوقيت الحرج؛ فيا ليت الأخ "خالد" يرجع إلى ما ذكرتُ؛
ليعلم أنه أخطأ في اتهام الشيخ.
الشبهة الثانية: أن الشيخ افتعل معركة وهمية حول المادة الثانية التي لم تكن مطروحة للنقاش أصلاً.
أقول:
لعل الأخ لم يسمع "نجيب ساويرس" و"نجيب جبرائيل" و"جورج إسحاق"، وغيرهم...
عقب الثورة مباشرة، وهم يطالبون بإلغاء المادة الثانية من الدستور أو
تعديلها، ولو أن الشيخ هو الذي افتعل المعركة؛ فلماذا تبعه العلماء جميعًا
والأزهر في ذلك، وقاموا بالدفاع عن عدم المساس بالمادة الثانية؟! بل طالبت
الدعوة -ولا تزال تطالب- بتفعيل المادة الثانية من الدستور.
الشبهة الثالثة: قول الأخ: إن الشيخ ألح عليه لنشر فضائح أخلاقية لبعض أعضاء حركة "6 إبريل".
أقول:
الشيخ ينكر ذلك تمامًا، ولا يعلم شيئًا عن هذه الفضائح، وأنا أقول: كيف
للشيخ الذي يُهاجَم الآن من البعض بسبب إنكاره رمي إحدى الممثلات بالزنا مع
عدم وجود دليل شرعي وشهود عدول أن يلح عليك لنشر تلك الفضائح الأخلاقية؟!
وأنا
قد سألت الشيخ في ذلك... فأجاب: أنا لا أطلب من أحد نشر فضائح أخلاقية
فضلاً من أن ألح عليه في ذلك، ولكن أطلبُ مِن كل مَن كان لديه أدلة معتبرة
شرعًا عمن يسعى لنشر الفتن والفساد -وكثير من الناس لا يعرفه ويحسن الظن
به- أن يبيِّن ذلك للناس؛ نصحًا للمسلمين، وتحذيرًا من الفاسدين.
الشبهة الرابعة: أن الشيخ امتنع عن الشهادة في قضية السيد بلال -رحمه الله- خوفًا من غضب الداخلية عليه!
أقول -والرد على هذه الشبهة من ثلاثة أوجه-:
1-
أنه رغم المعلومات التي وردت حينها للشيخ بأنه سيتم اعتقاله عن قريب لم
يخفْ، ولم يتخاذل... فقد ذهب الشيخ برفقة بعض المشايخ إلى مباحث أمن الدولة
ودخل في مشادة معهم، وأنكر بعضهم تهمة القتل، وطلب الشيخ يومها مقابلة
وزير الداخلية إلا أنهم رفضوا.
2-
الشيخ لم يشاهد ولم يرَ التعذيب، ولم يحضر التغسيل والتكفين، بل صلى على
الجنازة فقط، وسمع من بعض الإخوة أنه مات من التعذيب؛ فكيف يشهد على شيء لم
يره؟!
3- الشيخ لم يُطلب للشهادة أصلاً، وتسأل في ذلك المحكمة التي نظرت القضية.
الشبهة الخامسة: أن
الشيخ اعترف بأنه كان على علم بما يدبره المجلس العسكري لإقصاء الشيخ
"حازم صلاح"، ومع ذلك لم يخبر الشيخ "حازم" بذلك؛ حتى لا يفشي سر العسكر!
أقول:
الشيخ لم يعترف بذلك، وينكر هذا الكلام تمامًا، ويقول: "هذا كذب محض". ثم
إنه لو كان على علم بذلك -كما يقال-؛ فلماذا كان يجلس مع الشيخ "حازم" عدة
مرات ضمن المرشحين للرئاسة؟! ولماذا وضعت المعايير مِن قِبَل الدعوة
السلفية وحزب النور للمقارنة بين المرشحين، وعقد جلسات مستفيضة معهم، ومِن
ضمنهم: الشيخ "حازم صلاح"؟!
الشبهة السادسة: أن الشيخ عرض على أهالي شهداء الثورة قبول الدية حتى لا يُحاكم قتلة الثوار، والدولة ستدفع الدية.
والجواب على هذه الشبهة:
إن الدية أمر شرعي، وعندما عرض البعض موضوع الدية قال الشيخ ذلك من باب
النصيحة؛ لأنه كان يرى صعوبة الوصول للقتلة الحقيقيين في هذه القضية، ولن
يتم الحكم بالإعدام على جميع الضباط والمسؤولين -وهو ما أكدته الأحداث
والأحكام بعد ذلك كما رأينا جميعا-؛ ولأن قبول الدية أنفع لأبناء القتلى
وورثتهم.
الشبهة السابعة:
أن الشيخ عرض على بعض الإخوة في محافظة كفر الشيخ أن يرشح المجلس العسكري
أحد العسكريين الذين شاركوا في حرب أكتوبر، ثم يتم تأييده مِن قِبَل الدعوة
والحزب.
أقول: قد
سألت الشيخ في ذلك؛ فأنكره بشدة وقال: "الذي حدث أنه في بداية الأمر قال
بعض الإسلاميين: لا نريد رئيسًا ينتمي للتيار الإسلامي في هذه المرحلة.
وهنا اقترح البعض أن نبحث عن شخصية متدينة ذات خلفية عسكرية وعلى خلق حسن،
وتكون قد شاركت في حرب أكتوبر، وبعدت منذ فترة عن المؤسسة العسكرية ثم يتم
ترشيحها، وهنا قلتُ -أي الشيخ-: إن هذا الاقتراح جدير بالبحث".
الشبهة الثامنة: أن الفريق "سامي عنان" طلب من الشيخ مباشرة عدم تأييد الدكتور "مرسي"، وعندها أيد الشيخ الدكتور "أبو الفتوح".
أقول: قد
سألت الشيخ عن ذلك، فقال: "إن هذا لم يحدث إطلاقًا، وهذا كذب وافتراء، ولم
يقع أي تدخل أو اتصال بأي طريق من المجلس العسكري بالإشارة إلى مرشح معين
فضلاً عن أن يقع ضغط، والأمر كان يتم عن طريق الشورى مع مجلس إدارة الدعوة،
ومجلس شورى الدعوة".
وأنا أقول للأخ: اتقِ الله؛ فالبينة على مَن ادعى... فما هو الدليل على ما ذكرتَ؟!
الشبهة التاسعة: الدفاع عن "إلهام شاهين" على الفضائيات.
أقول: هذا
كلام باطل، وأنا قد شاهدت الشيخ على قناة المحور وهو يقول: "الرمي بالزنا
والفاحشة لا بد له من أربعة شهود عدول، كما جاء ذلك صريحًا في القرآن
والسنة، وما تفعله المذكورة من المنكرات فهو حرام قطعًا، ولكن لا يعني هذا
أن يرميها أحد بالزنا إلا بأربعة شهود". ثم اتصل الدكتور "عبد الله بدر"
وأوضح أنه لم يقصد رميها بالزنا، ولكن يقصد بكلمة: "كم اعتلاها من رجل"، أي
كان من فوقها أو من تحتها أثناء التمثيل، فالشيخ لم يدافع عنها وإنما دافع
عن الدعاة، وعن الدكتور "عبد الله بدر"؛ حيث أوضح في مكالمته أنه لم يرمها
بالزنا كما فهمه أكثر من سمعه، ثم إن الشيخ لم يبدأ الحديث عنها إلا عندما
وجه له السؤال في البرنامج، ولم يذكر اسم الدكتور "عبد الله بدر".
الشبهة العاشرة: أن الشيخ أحل الربا في مسألة القرض من البنك الدولي.
أقول: هذا
لا يقول به عاقل، وأنصح الأخ بقراءة فتوى الشيخ قراءة متأنية فصريح الكلام
أن الفائدة الربوية محرمة ولو كانت بأي نسبة، ولكن المصاريف الإدارية التي
لا يُقصد منها تربح الدائن من القرض ليست كذلك، وكونها نسبة من القرض ليس
دليلاً على كونها فائدة.
وهناك
فتوى منشورة بتاريخ: "21 يناير 2011" أي قبل الثورة في عهد النظام السابق
تتضمن نفس الكلام بعينه؛ فلماذا لم يعترض أحد يومها على الفتوى، ولم تقم
الدنيا كما قامت الآن؟!
فالمسألة
اجتهد فيها الشيخ؛ فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وإن اختلف البعض
مع الشيخ في هذه المسألة فنحن لا نرميه أبدًا بتحليل ما حرَّم الله، والله
هو المطلع على ما في القلوب.
أيها الأخ: أقول لك ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: (أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ... ؟!) (متفق عليه).
كان
من الأولى أن تحسن النية بالشيخ وأن تحسن الظن به، ولا ترميه بالباطل بلا
دليل ولا بينة، فالشيخ ليس بمعصوم، ولا ندعي لأحد العصمة؛ لأن العصمة دفنت
مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فمن المحتمل أن يكون الشيخ أخطأ في بعض
وجهات النظر في بعض القضايا، ولا إشكالية في ذلك فلقد أخطأ بعض الصحابة
-رضي الله عنهم- في بعض المواقف.
وأذكرك بقول الشافعي -رحمه الله-: "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله-: "وليكن قصده في مناظرته إيضاح الحق وتثبيته دون المغالبة للخصم".
وقال الشافعي -رحمه الله-: "ما ناظرتُ أحدًا إلا وددتُ أن يظهر الله الحق على لسانه".
ثم
ما هو الهدف الذي تريده من نشر هذه الشبهات، وما هي الفائدة التي ستعود
عليك وعلى القارئ؟! "لا توجد أدنى فائدة... ! فيا ليتك سكت".
فأنا أدعوك إلى أن تراجع نفسك... أقول لكَ ذلك من باب النصيحة، وإياك أن تأخذك العزة بالإثم، وأن تستنكف وتستكبر عن قبول النصيحة.
يقول ابن عساكر -رحمه الله-: "اعلم
-وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإياك ممن يتقيه حق تقاته- أن لحوم
العلماء مسمومة، وأن سنة الله في هتك منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه
في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب".
فلا
يجوز لأحد أن يتتبع عورات العلماء، نعم ربما يخطئ العالم فلك أن تصوب،
ولكن دون تجريح، الشيخ -حفظه الله- كان متهمًا بأنه من الخوارج ومن المرجئة
في نفس الوقت! وبأنه ممن يدعون للخروج على الحاكم، وبأنه صنيعة أمن الدولة
رغم اعتقاله مرات عديدة... ! وقالوا عنه أنه يقصي من حوله، ويحب أن ينفرد
بالقرارات إلى غير ذلك من التهم... !
والشيخ
-حفظه الله- لا يلتفت لمثل هذه التهم، ويا ليت الذين يتهمون الشيخ يقدمون
للدعوة عشر معشار ما يقدمه الشيخ؛ ما من قضية إلا وله فيها رأي واجتهاد،
ولا يعتزل القضايا الكبرى الشائكة -كما يفعل البعض-، فالشيخ يجمع بين العمل
كطبيب والعمل في الدعوة، وإلقاء الدروس والخطب والمحاضرات، والسفر إلى
جميع المحافظات؛ لنشر الدعوة والمشاركة في أعمال الخير المختلفة.
الشيخ لا يكاد ينام في اليوم إلا يسيرًا جدًا، ولا يجلس مع أولاده وأهله كما نجلس نحن، بل يفارقهم معظم الوقت.
أقولها لله: "الشيخ ياسر برهامي يعدل أمة".
وأخيرًا: أرجو ممن يقرأ هذه الكلمات أن ينشرها... لا بقدر حبه للشيخ، ولكن بقدر حبه لإظهار الحق، فالحق أحق أن يُتبع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله المستعان على ما يصفون.
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف