أيها البحر، قد ملأتك قوة الله لتثبت فراغ الأرض لأهل الأرض.
ليس فيك ممالك ولا حدود، وليس عليك سلطان لهذا الإنسان المغرور.
وتجيش بالناس وبالسفن العظيمة، كأنك تحمل من هؤلاء وهؤلاء قشا ترمي به.
والاختراع الإنساني مهما عظم لا يغني الإنسان فيك عن إيمانه.
وأنت تملأ ثلاثة أرباع الأرض بالعظمة والهول، ردًّا على عظمة الإنسان وهوله في الربع الباقي؛ ما أعظم الإنسان وأصغره!
ينزل في الناس ماؤك فيتساوون حتى لا يختلف ظاهر عن ظاهر.
ويركبون ظهرك في السفن فيحن بعضهم إلى بعض حتى لا يختلف باطن عن باطن.
تشعرهم جميعًا أنهم خرجوا من الكرة الأرضية ومن أحكامها الباطلة.
وتفقرهم إلى الحب والصداقة فقرأ يريهم النجوم نفسها كأنها أصدقاء، إذ عرفوها في الأرض.
يا سحر الخوف، أنت أنت في اللجة كما أنت أنت في جهنم.
وإذا ركبك الملحد أيها البحر، فرجفتَ من تحته، وهدرتَ عليه وثُرْتَ به، وأريتَهُ رأي العين كأنه بين سماءين ستنطبق إحداهما على الأخرى, فتقفلان عليه, تركته يتطأطأ ويتواضع، كأنك تهزه وتهز أفكاره معًا، وتدحرجه وتدحرجها.
وأطَرْتَ كل ما في عقله, فيلجأ إلى الله بعقل طفل.
وكشفت له عن الحقيقة: أن نسيان الله ليس عمل العقل، ولكنه عمل الغفلة والأمن وطول السلامة.
ألا ما أشبه الإنسان في الحياة بالسفينة في أمواج هذا البحر!
إن ارتفعت السفينة، أو انخفضت، أو مادت، فليس ذلك منها وحدها، بل مما حولها.
ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من قانون ما حولها شيئًا، ولكن قانونها هي الثبات، والتوازن، والاهتداء إلى قصدها، ونجاتها في قانونها.
فلا يَعْتبَنَّ الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن فليجتهد أن يحكم نفسه