لماذا تصاعد التعاطف الجماهيري مع الحركات الإسلامية السياسية؟
قبل أكثر من ربع قرن، كتب محمد أحمد خلف الله أحد مؤسسي حزب التجمع المصري،
ونائب رئيسه، وصاحب مجلة اليقظة، أن المستقبل لن يكون في صالح الصحوة
الإسلامية، بل سيكون في صالح الصحوة فقط!*1.
كما أصدر عالم السياسة الفرنسي (أوليفيي لوروا سنة 1992) كتابه: (فشل
الإسلام السياسي)، وجاء بعده كتاب (أنطوان بسبوس سنة 2000): (الإسلامية..
ثورة مجهضة). وبعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وانطلاق ما يُسمى الحرب على
الإرهاب، توقع الكثيرون من المحللين السياسيين نهاية الحركات الإسلامية السياسية.
بعد ذلك، ثبت أن تلك التوقعات لم تكن في مكانها، فقد صعدت الحركات الإسلامية
في إندونيسيا وتركيا من نشاطها السياسي والتفت الجماهير حولها، وربحت
حماس في الانتخابات الفلسطينية، وفاز الإسلاميون في انتخابات برلمانية في
الأردن ومصر.. كما أن الحركات الإسلامية
الشيعية في كل من العراق ولبنان قد تقدمت على الصعيد السياسي، ثم جاء
الانفجار الشعبي بعد انتفاضات تونس ومصر، وصعد نجم الإسلاميين، فما وراء
ذلك من أسباب؟
أسباب تتعلق بالهوية
أفضل ما يُلخص هذا القول، هو ما أورده الباحث العراقي محمد عبد الجبار قبل
عشرين عاماً، فقال: إن أردنا استخدام التحليل الاجتماعي الماركسي للحالة
العربية والإسلامية فسننطلق من أن المجتمع ينتج نفسه بالضرورة (فإذا ما
تعرض الى عملية تغريب أو انسلاخ، فإنه سرعان ما يرتد الى ذاته، والمجتمعات
العربية والإسلامية تعرضت تباعاً لتلك العملية التي استهدفت سلخها عن
ذاتها الإسلامية
منذ فترة طويلة. ورغم النجاحات التي حققتها عملية التغريب تلك فإنها بقيت
على السطح دون أن تنفذ الى المكونات الأساسية والجوهرية لذاتية تلك
المجتمعات)*2
معه حق ذلك الباحث، فلم يستطع حكم الشيوعيين للاتحاد السوفييتي مدة تقارب
ثلاثة أرباع القرن، أن يطمس الإسلام من نفوس معتنقيه، بل بالعكس فقد زادهم
الضغط تمسكاً به، ولم يستطع الكيان الصهيوني بمدة تقارب المدة السابقة من
مَحي التعلق بالإسلام من نفوس الفلسطينيين.
ويعزز مسألة الهوية، ما يشهده العالم الإسلامي، من عودة متعددة المظاهر،
فبينما كان من النادر أن نجد في الجامعات العربية من تغطي رأسها بحجاب،
انعكس الأمر الآن فنادرا من نلقى طالبة تكشف شعر رأسها. والإقبال على شراء
الكتب الإسلامية والتراثية يفوق باقي مشتريات الكتب، وحركة بناء المساجد، والطلبات الكثيرة للحج والعمرة الخ.
أسباب تتعلق بالاستفزاز الاستعماري
مهما أرادت القوى الاستعمارية أن تغطي وجهها بما يعرف بحقوق الإنسان
والتظاهر بأنها تريد الخير و (الديمقراطية) للشعوب العربية والإسلامية، فإن
مواقفها من فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان، وتدخلها في شؤون الدول
العربية والإسلامية يفضح زيف ادعاءاتها، ويتصادف أن الحركات الإسلامية السياسية يكون موقفها ثابتا في مناوئة الاستعمار، فهذا يعطيها زخماً إضافياً للشد الجماهيري.
أسباب تتعلق بالفاعلية الاجتماعية
لا يتحرج الناس من إدخال أشخاصٍ عرفوا باستقامتهم الدينية والخلقية الى
بيوتهم، وفي مساعدتهم في حل مشاكلهم العائلية، والاستماع الى مواعظهم في
المآتم والصلوات، ومشاركتهم أفراحهم الخ.. وهذا يزيد من فرص احتكاكهم
بالناس، والاستفادة منهم في مؤازرتهم.
أسباب تتعلق بفشل التجارب غير الإسلامية
عند انتهاء الحرب العالمية الثانية، انكفأ الغرب على تضميد جراحه، في حين تصاعد
المد القومي لدرجة أنه كان هناك ست دول كأن نظمها تعلمت عند شيخٍ قومي
واحد (مصر: عبد الناصر؛ سوريا: أمين الحافظ؛ السودان: إسماعيل الأزهري
وإبراهيم عبود؛ اليمن: عبد الله السلال؛ الجزائر: ابن بللا وبو مدين؛
العراق: عبد السلام عارف والبعثيين).
لم تستطع تلك الدول والأنظمة المتشابهة تقريباً، في تحقيق وحدة حقيقية بين
أقطارها، ولم تستطع أن تنجز ـ إلا فيما ندر ـ من مشاريع تنمية، ولم تستطع
إرساء دساتير وديمقراطيات كما فعلت الهند مثلاً بعد استقلالها، وتوج
فشلها ما حدث في عام 1967 من هزيمة نكراء جرت المنطقة الى توابع سيئة
جداً.
أسباب تتعلق بمهادنة ومعاونة الأنظمة للحركات الإسلامية
لم تخشَ أنظمة الحكم العربي من الحركات
الإسلامية، خشيتها من التنظيمات اليسارية والقومية، فكانت في مصر تتركهم
لمقارعة الشيوعيين والملحدين، وكذلك فعلت الحكومة الأردنية..
وقد زاد التنسيق بين الحكومات الغربية والحكومات العربية، بعد (كامب
ديفيد) وخروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني. والاحتلال السوفييتي
لأفغانستان، فتم الترتيب للاستفادة من الأسلحة السوفييتية التي كانت في
حوزة مصر بعد طرد الخبراء السوفييت، فأفرغت مستودعات مصر من تلك الأسلحة
ووضعت في يد الإسلاميين لمحاربة الشيوعية السوفييتية، بتمويل بالمناصفة بين
السعودية والولايات المتحدة الأمريكية*3 فحُشد لذلك كل الإسلاميين
التواقين للجهاد من كل الأقطار العربية والإسلامية.
لقد دأبت الأنظمة على نهج بهذا الخصوص، فكانت تنظف ساحاتها من بؤر يُخشى أن
تكون مقلقة في المستقبل، فتنظمهم وتزين لهم أعمالهم، لتصدرهم الى ساحات
مثل أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا الآن، لتلاحقهم فيما وتُقتلهم شر
تقتيل..
هوامش
*1ـ الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي/ محمد أحمد خلف الله وآخرون/ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية 1988 صفحة 98.
*2ـ صحيفة الحياة اللندنية العدد الصادر في 31/1/1992// محمد عبد الجبار
*3ـ مجلة وجهات نظر عدد شهر 8/2002 (ذكرها الكاتب محمد حسنين هيكل)