الأنثى التي لا تمرح إلا في الأحداق...
بقلمي
دخــــــــول :
إليك أيتها الأنثى التي تمرح في الأحداق ، دون أن تعير فارسها إكليل المحبة ، ستندمين ذات يوم قادم لا ريب فيه ، و ستأكلين من فرط الندم أصابعك على أنها حلوى ، ستندمين على ما وهبك الله ذات عمر لا يرجع .. بيني و بينك هذا الحكي ، فانتظري ، سوف أهب هذا البياض كل الحقيقة .. حقيقة نبضي .
1 ــ اعتراف:
دمي لم ينم البارحة كعادته دائما ، كان قلقا و متألقا ، متدفقا حتى حدود الحافة ، الشرفة التي في المدى ، كنت أحس به يقفز كأرنب مضرج بالبارود ، يتنامى كما الوهج .. دمي لا يشبه الماء ، أشرح توهج الحالة ، مع أن الشرح مقرف و سمج ، كان به ما يشبه الوحم ، كنت على استعداد تام لأن أزحف الليل كله ذهابا و إيابا ، و أن أسلك جميع الممرات التي أعرفها و التي لا أعرفها ، اعترف بيني و بين أناي أنني لأول مرة اسلك الممر المؤدي إلى بيت جلالتها ، الأنثى التي في الأحداق ... ـ أنثاي ـ دون أن أجد المبرر الكافي لمثل هذا الفعل المخل بالخجل ـ كما يبدو لها ـ في غالب اعترافاتها التي لا تتكرر إلا نادرا .
2 ـــ رسمها :
جلالتها كانت على قد القامة التي ما بعدها و لا قبلها قامة ، وقفتها ، تغري بالولاء المطلق للرياحين ، لا فرق بينها و بين قامات الورد ، ابتداءا من قمة الرأس إلى منتهى الأصابع ، كانت هي و فقط حالة كاملة بذاتها، كأنما رسمت خصيصا لكي تلهب جمرات القلب بما ملكت من بهاء ، حين أبصرها النبض ذات عشية ، أقسم بكل الأيمان أنها هي ، الأنثى التي ظلت شامخة في جهة ما من الحنين ، لذلك يكون النبض الذي نام لسنين عدة قد استفاق و هام ، و لذلك لم ينم دمي البارحة حتى حدود الصباح الذي انزاح جهة القامة التي لا تلين أو تنحني للحنين .
3 ـــ طلتها :
حينما جاءت تسعى حيث شاء لها نبضها ، كانت في منتهى المبهى ، حتى أن النبض الذي تدفق ،لأول طلتها ، لم يكن في وسعه أن يلتزم الصمت ، ظل مساءه ذاك متدفقا و راكضا على غير عادته في مثل هذي الوضعيات الطارئة ، كأنما به حنين لرسم ما ، كانت هي الأنثى بكل المقاييس المتعارف عليها و المقاييس التي تحدثت عنها كتب الرهافة في أول المنبت من العمر ـ منبتي ـ كانت هي ، بإقبالها و إدبارها مختالة كما الطواويس ، ترفل في ثيابها كما الملائكة ، ربما تكون حورية من الحور العين تنزلت بغتة إلى جنتها التي نشأت في البال على مر التصاوير ؟ من يدري ؟ .. شيء من هذا على الأقل ، طلتها ذاك المساء الأرجواني تشبه إلى حد بعيد آية السهو ، تفاجات لوجودها أمامي كما رسمتها ريشتي في أول العمر عند نعومة الشرايين و الأوردة .. قفزت من نومتي التي حاكت نومة اليتم و فجائع النرجس ، تمنيت لأول مرة أن لها كتاب القلب دفعة واحدة دون نقاط أو فواصل و استطرادات ، لم يكن لبصري أن يستقر على نقطة محددة من مبهاها ، كنت انظر إليها بكامل الصحو و الإصرار ، دون أن أقول كتابي .. كانت هي كتابي المفتوح على أنايْ ،، كتابي الذي قالني ذلك المساء للنبض و جلالة الأنثى .
4ـــ همسها :
كيف لها أن تغرد بكل هذي اللحون ؟ لكأنها استمدت وترياتها من حناجر الطير ، كنت أسمعها و هي تغرد حوالي ، حوطتني ترانيمها .. تدفق البهجة بزلال الحكي ، شلال المحبة ، سلسبيل/ اللحن .. كان همسها يعزف بشكل سمفوني على وتر القلب أغنية الاحتلالات اللطيفة ، بامكاني الآن أن أصرح تصريحا شرفيا على مرأى الشاشات و ما طل من بيان الشرفات أن همسها قد جرى مجراه الخالد في النبض .
بما كانت تغرد أنثاي التي في الموال يا أيها البياض الذي لم يعد يسع فرحي و مهجتي ؟ سؤال الدهشة التفاجؤ ، أكان عزفها يقول شيئا آخر غير الذي أتلمسه عند العشيات و عند الأوبات ؟ .. كم يكفيني من الوقوف في مهب هذا الهمس / همسها ؟ الوقت بعقاربه و ثعابينه لم يعد يعنيني ، أسكن خارج الميقاتات و العقارب ، يكفي التلويح بالهمس لأعيش زمنا أطول من الحياة نفسها ، لذلك كان لهمسها كل هذا النقر المتتالي .. و لذلك استفاق النبض نبضي من وحشته و انتمى لجدول الألفة.
5 ـــ عطرها :
بحكم صوفيتي القصوى و انتمائي المصرح به سلفا ، كنت استطيع أن أتلمس عطرها على بعد آلاف السنوات الضوئية و لا احتاج في ذلك لأن تدخل مجالي الكوني كي أميز بين عطرها و عطر العابرات هكذا في الوقت دون معنى و مغنى ، ما دامت هي قد صارت مجالي الذي أمارس فيه فعل التنفس بعمق و سباحتي المفضلة على الإطلاق ، أشير إلى العشق دون مقابل معنوي أو مادي أو حيواني ، يكفي أن اعشق على طريقتي الخاصة كي أعيش ما شاء قلبي من خلود ، تبدو الفكرة عابرة كما أختياتها لكن بالنسبة لي فهي خير ما زودتني به وحشة الأرض على رحابتها .. بدون حب أنت ( هايشة من الهوايش) . قالها لي قلبي ذات مساء حين كنت ألعن جميع النساء بلا انتقاء و حتى تلك التي انحدرت من ضلعي عند أول المنبت الذي حدث في العشب ، حينئذ انتبهت للعطر الذي استباح مكاني ، لم اقل شيئا .. تنهدت بعمق الفجيعة الأولى ثم استرقت ما استطعت من عطرها و انتميت لقطيع هام من السنونوات.
6 ــ ملبسها
كانت على استحياء لا يضاهى ، على الفطرة .. دُرة ، نادرا ما تصادف مثيلة لها ، كانت تأتي كل صباح في لباسها متأنقة حتى حدود الابتهاج ، لم يكن لها لتمر هكذا دون أن نلفت انتباه النبض ، لذاك أكون أنا السيد المفجوع قد استفقت من غيبوبة دامت لعشرية كاملة ، منذ متى و أنا هنا ؟ بالتحديد المتعارف عليه لا أدري مطلقا ، بإمكانكم أن تصدقوني هذي المرة ، اعرف إنني موجود هنا منذ البارحة فقط ، لذلك أتبرأ من كل غمز و لمز و ملا قيل عني من هذر و همز .. فجلالتها تستحق الانحناء ، أننحني الآن .. لك السمع و الطاعة العمياء و البصراء ، و لك ما أشاء ، فيا أيتها الأنثى التي ورثتني إياها تباريح العشيات لك ما ارتضيت من زلال المحبة ، ربما غدا يصطفيني دلالك فأكون بهجتك التي في المهب ، ربما من يدري غيرك يا كل الأنثى التي تمرح في الأحداق ؟ فمنبت الخلود دائما يأتي سهوا مباركا دون استئذان و ترتيبات ، فانتظريني في الربيع القادم ، إنني أسترق الآن النظر و أُمني الروح بركوب الأراجيح المفقودة من طفولة النبض .. فيا أيتها الأنثى التي في البال و الدم تتمرجح كما تشاء الطواويس ، لك إمارة القلب و الحب .. تاج المنتهى من الدلال ، فاعتدلي سيدتي كي أبلغ رأس الحقيقة .
7 ــ وقعها :
كل هذا الوقع وقعها وحدها .. احتلال لطيف و مباغت ، كيف لها أن تفردت بنبضي .. هكذا؟ مستحيل ، أنا الرقم الصعب في كل المعادلات التي أنتجتها كتب الحداثة و علم الرقميات ، فكيف استطاعت أن تفك ما تفردت به وحدي من سر ، يبدو أن قوة هذا الجوق الذي ساير تربعها على العرش أهداها وصفة لاحتلالي طواعية ، هل تدري سيدتي الأنثى بما أحدثه احتلالها لي ؟ لقد أتت على كل مرج من مروج الروح ، لم تترك شبرا واحد إلا و احتلته ، غزوها لي فيه شيء من الانتشاء و شيء ما حدثت به كتب الهمس و اللمس من قبل على كثرتها و اتساع تداولها ، و مع ذلك فإن النبض يحتفل دائما بالذي أيقضه و دله على الجهة المثلى .. بهاء سيدتي الأنثى ، ياااااااااااااااااااه ، كم يكفيك من الترتيل كي تلمسي توهجي بجمراتك ؟ كم يكفيك من الدمع كي تلتفتي جهة التساقط ؟ اترك التوقيع لك .
8 ـــ التماس:
أتسمح لي سيدة المقامات ، جميع المقامات الهمذانية و ما شابهها ، أتسمح بان اقرأ كفها خطا بخط بدل أن تقرأ هي حظها كل مساء على ركح الجرائد ؟ هل تأذن لي جلالتها بذلك ؟ أفسحي الطريق كي أزف لك اشتعالات الروح و توهجها ، أرجو أن لا تصدقي إحساسي بك بعد اليوم لأنك إن صدقت ذلك فسوف تحترقين بكتلة لا تضاهى من لهب و حب ، كما أرجو أن لا تصدقي دمعي لأنك سوف تغرقين في نبع المحبة الخالدة خلود القلم و الألم ، و مع ذلك أتمنى من كل قلبي أن تصدقي لمرتك الأولى و الأخيرة كي تفهمين معنى الدمع حين يتفجر شلالات مطر و كي تفهمي لغة الشمع حين يذوب دون أن ينتبه لذلك محيط النور ، فتنزلي إلى قاع المحبة حيث أصدافها و مرجانها يغري بالبقاء و الدهشة و تسامي إلى سماء الخلود كي تدركي أن للشمع لغة لا يفهما إلا هو ، صدقيني هذي المرة و فقط فأنا لا أنتظر منك قبول قولي لهذا البياض الأفاك ، لأنني أكون أنا قد قلتك قبل ميلادي ربما لنبض الروح و صفائح الدم ، فلا أدري لماذا تظل صورة الفراشات المحلقات في سماء الزرقة من بين الصور التي لا تمحى و لا تتنازل عنها ذاكري أبدا ، اعتقد أننا كننا كذلك قبل أن نكون كما نحن الآن ـ ذكر و أنثى ـ فيا كل الأنثى التي في الأحداق تمرح كما الفراشات كم أتمنى أن أكون هذا الذي كناه قبل حدوث الميلاد ، و كم أتمنى أن يكون هذا الزلال من الحكي شاهدا أوحدا على ولائي المطلق للحقيقة ، حقيقة ما كنّاه في ذاك الأول من العهد ، إنه تحليقي الذي أراه ، و نبضي الذي يغني مواله محتفلا بمقدمك و حضورك ، كم أتمنى أن تصدقي خجلك ، فقط كي تدركي أن هناك في جهة ما من جهات القلب و الحبور مطرحا لك مزركش بحكايا الفراشات و لغة الشمع و الدمع ، و ما لم تهمس به المساءات المطيرة يوما ، اعني مساءاتنا التي في الاختلاس و الخوف.
9 ـــ هامش من عمري :
( أنت وحدك) .. قالته البارحة تعقيبا على عزلتي الكونية و وحشة المكان و الزمان .. و البارحة / لم تسعني البهجة بما حوت أو رحبت كما لم ينم دمي أيضا ، كان قلبي على وشك الانفجار أو انه انفجر فعلا ، لقد ألقى بي همسها إلى الجهة الأخرى من اليقين ، هذي الأنثى الوحيدة التي لم أشك أبدا في أنها أنثى ، همسها كان قد استباح فصوص الروح و ألهب الفتيل ، ما قالته لي في أول المساء ربما هو كل الحقيقة التي غيبتها عني الارتباطات الحياتية و المستلزمات اليومية ، لذلك ربما تكون روحي قد هبّت هبيتها ركضا على العشب الفسيح ، آه يا أيتها الأنثى ، لست وحيد الروح كما يبدو لك أنا المتفرد بحب المصبّات و ركوب الخطر ، لا علاقة لي بأشباه البشر ، هم يأتون و يذهبون هكذا ثم ينتهون في الحفر ، أما وحدتي التي تبدو لك غير عادية فتلك خلوة احتاج إليها كلما دب النمل الأسود و الأحمر القاني في رأسي ، أوضح جيدا الحالة و الصورة ، لا علاقة لي بالبقر و ما يدرّه من حليب ، علاقتي أنا بالمطر ، و ما همست به سنونوات العمر لطفل مازال يعشق انتماءه الأول المعلق بعنان السماء التي لا تبين عن وجهها ، علاقتي أنا بحقول الفراشات التي ظل تحليقها يسكنني مثل دمي ، فلا شيء يماثل مرحي و ل شيء يعادل رهبتي ، لذلك أرجوك إذا ما نحن التقينا سهوا مرة أخرى .. أرجوك أن تحسني الرمي جيدا و أن تصوبي فوهة المسدس إلى الجهة التي يركض بها قلبي كي أعود إلى التحليق الذي حدثتك عنه أسراب الفراشات.
خروج على غير العادة :
من لم يفهم لغة الشمع و الدمع فلا يستحق إمارة القلب
و من لم يفهم تحليق الفراشات فتلك مصيبة أخـــــرى