السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمالله الرحمن الرحيم
السؤال:
لو
أن شخصاً فاتته الجمعة ثلاث مرات متتالية بسبب السهر ليلاً ، ثم الاستغراق
في النوم في اليوم التالي ، فهل هناك توبة محددة لهذا الذنب ؟ أعلم أن
هناك حديثاً في سنن أبي داود والنسائي يقول : ( أن من ترك الجمعة ثلاث مرات
متعمداً - لا أدري إن كان قد ذكر أنها متتالية أم ذكرها بشكل عام - فإن
الله يختم على قلبه ) فما صحة هذا الحديث ؟ وسمعت أيضا أن من فاتته الجمعة
ثلاث مرات فإن عليه أن ينطق الشهادتين من جديد بحضور شاهدين ، بمعنى أن من
تركها ثلاث مرات متتالية فإنه يكفر ، فهل هذا صحيح ؟ من خلال ما قرأت ورأيت
من آراء للعلماء ولطلبة العلم ، فإن هذا الختم الذي يختم الله به على
القلب لا يُقصد به ضرورة الردة عن الإسلام ، وإنما المقصود تشديد النكير
على هذا الفعل والحث على سرعة التوبة ، فهل هذا هو الأصح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
روى
أبو داود (1052) والترمذي (500) والنسائي (1369) عن أبي الْجَعْدِ
الضَّمْرِيِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ
تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ) ،
وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " .
وروى ابن ماجه (1126) عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ طَبَعَ اللَّهُ
عَلَى قَلْبِهِ ) ، وحسنه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه " .
قال
المناوي رحمه الله : " ( طبع الله على قلبه ) أي : ختم عليه وغشاه ومنعه
ألطافه ، وجعل فيه الجهل والجفاء والقسوة ، أو صير قلبه قلب منافق " انتهى
من "فيض القدير" ( 6 / 133).
وقد جاء في بعض الروايات تقييد هذا
الترك بالتوالي ، ففي مسند الطيالسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من ترك ثلاث جمع متواليات من غير عذر طبع
الله على قلبه ) ، وفي حديث آخر ( من ترك الجمعة ثلاث مرات متواليات من
غير ضرورة طبع الله على قلبه ) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " .
قال
أبو الحسن المباركفوري رحمه الله : " ( ثلاث جمع ) ، قال الشوكاني : "
يحتمل أن يراد حصول الترك مطلقاً ، سواء توالت الجمعات أو تفرقت ، حتى لو
ترك في كل سنة جمعة لطبع الله على قلبه بعد الثالثة ، وهو ظاهر الحديث ،
ويحتمل أن يراد ثلاث جمع متوالية ، كما في حديث أنس عند الديلمي في مسند
الفردوس ؛ لأن موالاة الذنب ومتابعته مشعرة بقلة المبالاة به " انتهى ، قلت
: الاحتمال الثاني ( أي : ثلاث جمع متوالية ) هو المتعين لما تقرر في
الأصول من حمل الروايات المطلقة على المقيدة ، ويؤيد حديث أنس ما رواه أبو
يعلى برجال الصحيح عن ابن عباس : من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ
الإسلام وراء ظهره " انتهى من " مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " ( 4 /
446 ) .
ثانياً :
الطبع على القلب المذكور في الأحاديث السابقة
لا يلزم منه كفر صاحب ذلك القلب ، بل هو من الوعيد الذي جاء به الشارع في
حق المسلم والكافر .
فقد روى الترمذي (3334) عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ
خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ
وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا
حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ (
كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ، وحسنه
الشيخ الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله
: " عن مجاهد قال : كانوا يرون الرين هو الطبع " انتهى من " فتح الباري " (
8 / 696 ) – ترقيم الشاملة - .
وقال ابن القيم رحمه الله :
"
الذنوب إذا تكاثرت : طُبع على قلب صاحبها ، فكان من الغافلين ، كما قال بعض
السلف في قوله تعالى ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) قال : هو
الذنب بعد الذنب " انتهى من " الجواب الكافي " ص (60) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
"
من لم يحضر صلاة الجمعة مع المسلمين لعذر شرعي من مرض أو غيره أو لأسباب
أخرى صلى ظهرا ، وهكذا المرأة تصلي ظهرا ، وهكذا المسافر وسكان البادية
يصلون ظهرا كما دلت على ذلك السنة ، وهو قول عامة أهل العلم ، ولا عبرة بمن
شذ عنهم ، وهكذا من تركها عمدا ، يتوب إلى الله سبحانه ، ويصليها ظهرا "
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " ( 12 / 332 ) .
وينظر جواب السؤال رقم : (7699) .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب