* بنت العم العمياء *
سمعت قصة يتناقلها بعض الناس عن فتاة كانت عمياء .. كرهت نفسها ومن حولها لأنها قد حرمت نعمة البصر ..
وانقطعت عن الناس لوجود إحساس عندها أنها مظلومه .. وأن الناس ينظرون إليها بنظرة الشفقه..
لم تنظر الفتاة الى بقية النعم التي حبها الله بها .. ولكنها ركزت على صورة واحده شكلت حياتها وهي صورة
العمى الذي يسيطر على حياتها .. ولكن أحد أبناء عمها قد وجد فيها معاني الصفاء والوفاء فوقع في حبها وكان
يأنس بالحديث معها .. ويجد ذاته عندما يتحدث إليها .. يشعر بالانتعاش عندما يجلس أمامها ويبادلها الحديث
حتى إنه وجد لذة الدنيا بوجودها معه.. عرض عليها يوما الزواج .. ولكنها رفضت لأنها لا تستطيع أن تقوم بواجباته
لحرمانها من نعمة البصر .. حاول أن يقنعها أن العمى ليس عائقا عن الزواج ..
ولكنها أصرت على موقفها .. وأكدت له أن التفكير في هذا الموضوع لن يتم إلا بعد استعادة بصرها ..
ومرت السنون وفي يوم تم استدعاؤها لعملية جراحية حيث تبرع احد الاشخاص لها بما تحتاج إليه ..
تمت العمليه بنجاح وبارك لها الأقربون .. واتصل ابن العم العاشق يذكرها بوعدها بالزواج عندما تستعيد البصر ..
وكانت فرحتها كبيرة والتقت به .. ولكنها صدمت عندما اكتشفت أنه اعمى لايرى ..
فرفضت بشده .. وانتهى الموقف ..
ولكن الشاب قال لها لقد قدمت لك عيني لكي تبصري .. فإن حبي لك اغلى من عيوني !
يختلف الناس في تقييم موقف الفتاة وكذلك الفتى .. ويسهبون في الحديث عن معاني الوفاء .. يحللون بعض المواقف ..
ولست مختلفا عن بعض الناس .. فأظن أن الفتاة لها الحق أن ترفض الفتى .. ولها كذلك الحق أن تفعل ما تشاء ..
وأما الفتى فإنه قد اتخذ قرارا له آثار .. يجب أن يتحمل آثار ذلك القرار.
فلم يحافظ على عينيه .. وقدمها هدية لتلك الفتاة ..
وليس في ذلك عيب .. وإنما هو قرار لم يدرس آثاره ... ولو درس آثاره وأقدم عليها لكان وقع رفض الفتاة عليه أخف ..
إذن القضية ليست مرتبطه بالفتاة وإنما مرتبطه بانفعالاته ..
فإن أسف على فعله فقد دمر ذاته وإن قبل قراره فقد أنقذ ذاته ورغم أنه فقد بصره ..
المسؤوليه ليست مرتبطه بالفتاة .. وإنما مرتبطه بالفتى ... وفقدان البصر لا يعني فقدان الحياة .
وإنما يعني قرار ترتب عليه آثار .. وإن كان قد حسب حسابه وتحمل آثاره فقد نجى من الدمار النفسي
الذي يمكن أن يخلفه هذا القرار .. وإن لم يكن قد حسب حسابه وأكلته الهواجيس النفسيه والندم والأسف فإنه سيدمر ذاته.
مرة أخرى القضية شخصية وليست مرتبطه بالامور الخارجيه ..
والأصل في كل ما نقووم به من أفعال هو المحافظه على الذات من الانفعالات لكي يتحمل مسؤولية الاختيار وما يترتب عليه من قرار.