زمن انقلاب المعايير
وما انتهينا من فضيلته حتى طل علينا شيخ آخر
يرى أن سماع الأغاني لا حرج فيه بما قد يبيح الأغاني ما لم تكن فاحشة، ولست
أعلم ما إذا حدد أن يسمع الناس فناناً بعينه أم ترك الاختيار لهم! والظاهر
أننا بدأنا نصنف الأغاني إلى إسلامية وغير إسلامية! ثم يصل بنا المطاف إلى
شيخ أشغل الدنيا بفتوى سميت برضاعة الكبير، رغم ما قيل عن الحادثة الوحيدة
في تاريخ الإسلام لسالم مولى حذيفة إلا أن صاحب الفتوى مصر على فتواه، ولا
يقبل فيها النقد أو المخالفة رغم معارضة كبار العلماء، وبهذا أعطوا الفرصة
للتيار الليبرالي لأن يضحك عليهم!
كتبت هذه الكلمات على عجل
وأنا أطل من نافذة العمل، وأمام بصري حركة دائبة من الناس وهم بين غادٍ
ورائح، بين مستعجل ومتمهل، فمرت صور للحوارات والسجالات التي شهدناها بين
رجال ينتمون بحسب التصنيفات في المجتمع (للتيار الديني)، وتيار جند أقلام
مناصريه في الدعوة لحياة بمواصفات غربية يسمى (التيار الليبرالي) وقد روج
أنصاره لأفكارهم من فوق صهوات أوراقهم وساروا بقضهم وقضيضهم للمعركة
السجالية، إلا أن أكثر ما حيرني فتاوى ما كنت أحسب أنني سأسمعها يوما ما!
كمن يدعو للاختلاط ولا يرى بأسا من أن تظل أبواب المحال مفتوحة ونداء
الصلاة يرفع، وقد قرأنا في الكتب: "لم تكن الأسواق تفتح في المدينة بعد
الآذان تعظيماً لهذه الشعيرة، فقد روى ابن مردويه في تفسيره عن عبد الله بن
عباس رضي الله عنه قال: "{رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ
عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:37]، كانوا رجالاً يبتغون من فضل الله يشترون
ويبيعون فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما بأيديهم وقاموا إلى المساجد
فصلوا"!
بينما (فضيلته) لا يرى أن صلاة الجماعة واجبة في المسجد وما
نعلمه عن حديث ابن أم مكتوم وأن رسول الله لم يجد رخصة للصلاة في بيته وهو
يسمع النداء لها، وما انتهينا من فضيلته حتى طل علينا شيخ آخر يرى أن سماع
الأغاني لا حرج فيه بما قد يبيح الأغاني ما لم تكن فاحشة، ولست أعلم ما
إذا حدد أن يسمع الناس فناناً بعينه أم ترك الاختيار لهم! والظاهر أننا
بدأنا نصنف الأغاني إلى إسلامية وغير إسلامية! ثم يصل بنا المطاف إلى شيخ
أشغل الدنيا بفتوى سميت برضاعة الكبير، رغم ما قيل عن الحادثة الوحيدة في
تاريخ الإسلام لسالم مولى حذيفة إلا أن صاحب الفتوى مصر على فتواه، ولا
يقبل فيها النقد أو المخالفة رغم معارضة كبار العلماء، وبهذا أعطوا الفرصة
للتيار الليبرالي لأن يضحك عليهم!
أما آراء الليبراليين فما كانت
لتجد طريقاً للنشر لولا أن طريقها إليه ممهد في بعض الصحف اليومية فهي
فتاوى قد نسميها ليبرالية تدعو للتخلص من الحجاب وتدعو للاختلاط وللانفتاح،
وأن نبدأ في محاكاة حياة الغرب، رغم أن الغربيين عزموا على تغيير نمط
حياتهم، ونحن نسعى لمحاكاتها، عجيب أمرنا وغريب!
ولهذا حقيقة نحن وصلنا لزمن كل ما فيه يجعل الحليم حيران كما ورد في الحديث الشريف.
لكن
ليست المشكلة من شطح في هذا الزمان فلان من الناس أو علان فليشطح من يريد
وينطح ما بدا له أن ينطح بفكره وقلمه، فإن هذا عصر سيعرف الناس فيه من هو
على الحق والحق ظاهر مهما كره الكارهون لظهوره، ومن هو في الشر قد غاص
وتبحر فيه رغم إدعاءاته أنه على الحق، فالله يعلم السر وأخفى، لكننا في زمن
حقيقة، يخون فيه الأمين، ويصدق فيه الكاذب، زمن يكون فيه الرويبضة صاحب
الكلمة المسموعة والصادقة، وصاحب الحق هو الكاذب المجرم الجبان، نحن في زمن
تقتل فيه القيم قتلا، وتنمو فيه سلوكيات الشذوذ، زمان كثر فيه القتل
والزنا وانتهاك الحقوق ودوس الواجبات، زمان ضيعت فيه الأمانة وقل فيه
الوفاء وزاد فيه التنكر وأصبح الجحود عنونا للعلاقات بين الناس، جامل ما
بدا لك أن تجامل فأنت الحبيب القريب، وقل الحق فأنت العدو غير المصيب،
اطلبوا الله ألا تمر عليكم أوقات عصيبة سترون فيها ما يرفع الضغط ويجلب
السكر ويسرق الفرح من بين أيديكم ومن خلفكم، والله المستعان.
محمد إبراهيم فايع