العودة إلى العائلة
في بادرة غير مسبوقة، قامت إحدى
المحطات التلفزيونية الأمريكية ببث برنامج تعدَّه إحدى الاختصاصيات
الاجتماعيات، ولاقى قبولاً واسعاً وتفاعلاً كبيراً من المشاهدين
والمشاركين، وتتخلص فكرة هذا البرنامج الذي عنون له بـ ( العودة إلى
العائلة) (Back to Family) في لم شمل الأسر التي استقل فيها الأبناء أو
البنات عن آبائهم وأمهاتهم بمحض اختيارهم ممَّن هم دون الثامنة عشرة،
والذين يعتبرون أطفالاً في تصنيف القانون الأمريكي.
وتحاول الباحثة
معدَّة البرنامج بالتنسيق مسبقاً مع الآباء والأمهات الراغبين في عودة
أبنائهم إلى كنفهم، فتقوم بمقابلتهم تلفزيونياً ليحكوا معاناتهم ويستدروا
عطف أبنائهم الجاحدين.. ومن ثمَّ تقوم الباحثة في لقاء آخر باستضافة من
يرغبون من هؤلاء الأبناء في لقاء مستقل في هذا البرنامج أيضاً.. وقد لوحظ
أنَّ البنات هنَّ أكثر من يلجأ إلى هذا البرنامج.. فيعترفن خلال اللقاء
بمعاناتهن النفسية بعد الاستقلال. وكم هو مثير للشفقة والألم أن تجد أماً
تحكي وتذرف الدموع وتناشد ابنتها بالعودة إليها، وربما حملت معها صوراً
لتلك الفتاة وهي صغيرة.
وكم هو مثيرٌ للعجب أن تسمع اعترافات
الأبناء ومنهم من يبكي بأنه اختار لنفسه طريق الشقاء.. فذلك أصبح مدفعاً
وتسليط عليه رفقاء السوء.. وتلك هربت مع الصديق لتواجه مشاكل الحمل
والإجهاض والانتقال من أحضان رجل إلى آخر.. لتجد نفسها بلا راحة ولا
استقرار ولا ملاذ عاطفي تأوي إليه..
ومن ثمَّ تقوم الباحثة بلم شمل عوائل الأبناء الراغبين في العودة..
وينتهي
البرنامج في تلك الحلقات بلحظة اللقاء الأولى بين الطرفين وسط تصفيق
الجماهير ودموعهم.. إلا أنَّه أحياناً قد تخفف المحاولة الرامية إلى إقناع
الأبناء بالعودة إلى أسرهم؛ لينتهي البرنامج بهتافات التنديد والسخرية من
بعض الجمهور لذلك الابن العنيد الذي يرفض العودة إلى أحضان أسرته، أو تلك
البنت القاسية التي جاءت لتعلن بكل وقاحة أنَّها لم تعد بحاجة إلى رعاية
الوالدين، وأنَّها ترغب في ممارسة حريتها المزعومة، وأحياناً تبلغ فيها
الوقاحة مبلغاً عظيماً فتصطحب معها صديقاً مدافعاً ومنافحاً عن رأيها في
حياتها الخاصة..
شأنهم في ذلك شأن كل مكابر يجادل في البدهيات ويجحد
الضروريات مقابل شهوة عاطفية ورغبات جسدية نفخها الشيطان في رؤوسهم،
فتخلوا من أجلها عن كل القيم والمبادئ.
وقد شوهدت إحدى الفتيات التي
لم تتجاوز الرابعة عشرة في إحدى الحلقات وهي تجادل بصلف عن حريتها.. ثمَّ
قامت بالكشف عن موضع في جسدها لتبين للجمهور شعار الجماعة التي انضمت
إليها، وهي واحدة من الجماعات المتكاثرة في المجتمع الغربي، مثل الهيبز
والبانكس، والتي تولَّدت من الفراغ النفسي والعاطفي الذي يعانيه أعضاؤها،
والتي تتفنن أيضاً في التسابق إلى الغريب من الملابس والشعارات وطرائق
السلوك التي تدل أخيراً على أنَّ هذا المجتمع بلا هوية وبلا قيم اجتماعية
راسخة.
عزيزي القارئ
كم نحن غافلون عن نعمة هذا الدين
العظيم، فنحن لسنا بحاجةٍ إلى خوض تجارب وجلسات إقناع لنبقى مع آبائنا
وأمهاتنا وندين لهم بكل البرّ والوفاء.. لأننا أبناء دين علَّمنا حقوق
الوالدين، كما نملك فطرية سوية تأبي نكران الجميل وجحود المعروف، وإن وجد
شيء من هذا فليس هو الأغلب بحمد الله..
ولك أن تتساءل
ما الذي دفع هؤلاء الأبناء والبنات إلى الهروب؟ هل هو الشدَّة؟ أم فقد العاطفة الأسرية؟
لقد حاولت الاختصاصية معدة البرنامج أن تبحث عن جواب لهذا السؤال، وذلك بإجراء استبانة واسعة النطاق لكل من الآباء والأبناء،
فخلصت إلى ما يلي:
1ـ 95% من الأبناء يهربون في سن المراهقة (13ـ18) عاماً.
2ـ 93% من الأمهات اللواتي فقدان أبناءهن عاملات، أو كنَّ عاملات، في المراحل الأولى من حياة الطفل (من الولادة إلى سن 5 سنوات).
3
ـ 90% من الوالدين لا يمانعون من إقامة أبنائهم للعلاقة الجنسية.. بل لا
يمانعون أن يحدث ذلك في بيوتهم، كما لا يعارضونهم في كثير من الرغبات
الأخرى.
والنتيجة التي خلصت إليها الباحثة (Sally) هي:
ضعف
الارتباط العاطفي والشعور بمفهوم الأسرة، ممَّا يجعل الابن يبادر إلى
التخلص من أسرته بمجرَّد شعوره بالقوة والقدرة على الاستقلال، فالطفل منذ
الولادة تتلقفه أيدي الحاضنات ثم المدارس التي يقضي فيها جلّ يومه؛ ليعود
متسمراً أمام شاشة التلفاز، ثم فراش النوم. أمَّا الأم والأب فمنهمكان
بالعمل وتوفير لقمة العيش..
أو السهرات واللقاءات الخاصة.. وقد سعت
الأنظمة لرقع هذا التمزق الأسري، فسمحت للموظفة بالحصول على إجازة 3 سنوات
لحضانة طفلها ثم تعود مرة أخرى، لكنني ــ قبل أن أختم هذا المقال ـ
أهدي هذه الكلمات:
الكلمة الأولى
إلى الأمهات العاملات اللواتي تركن فلذات أكبادهن لأيدي الخادمة التي لا يربطها بالطفل أي رابط معنوي أو عاطفي فأقول:
اتقين الله في أماناتكن وابحثن عن البديل المناسب، أو كفاكن جرياً وراء الوظيفة مهما كان الثمن.
الكلمة الثانية
إلى
الناعقين بالحرية والداعين إليها: ها هو الغرب أمامكم يتيه في الظلمات
بحثاً عن سراب الحرية فلا يرتوي منها، أما آن لهم أن يدركوا أنَّ الحرية
الحقيقية هي حرية القلب من أسر الشهوات والماديات وغناه بالفضيلة؟
الكلمة الثالثة
إلى المتنكبين للفطرة الداعين إلى خروج المرأة أقول: هبوا لنا قلباً كقلب الأم إذا هي خرجت، أو كفوا عنَّا هراءكم!!
الكلمة الرابعة
إلى
المعجبين بالغرب الداعين إلى تقليده: ها هي مجتمعاتهم تئن من جراح
الانهيار الاجتماعي والأخلاقي، فتأبى قطع الداء وتكتفي بتضميد الجروح، فكيف
تقرّ المرأة في بيتها وترعى أطفالها في مجتمع لا يكفل لها حقوقها ولا
يلتزم فيه أحد بمسؤوليته؟
الكلمة الأخيرة
إلى البشرية جمعاً:
خذوا شرع ربكم ، تسعدوا ونسعد بكم ..
إنَّ الإنسان بلا دين وأخلاق؛ أدنى مرتبة من الحيوان، والذي قد تأبي فطرته بعض ما لا يترفَّع الإنسان عنه.
فهل آن الأوان لندرك ذلك ؟