جزء من آداب طلب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله البرّ الرحيم ، الواسع العليم ذي الفضل العظيم ، وأفضل الصلاة
وأتم التسليم على سيدنا محمد النبي الكريم ، أما بعد ..

فإن من أهم ما يبادر به اللبيب شرَخَ شبابه..ويدئب نفسه في تحصيله واكتسابه حسن الأدب
الذي شهد الشرع والعقل بفضله ..واتفقت الأراء و الألسنة على شكر أهله و إن أحق الناس
بهذه الخصلة الجميلة .. وأولاهم بحيازة هذه المرتبة الجليلة أهل العلم الذين حلوا به ذرا المجد والسناء 
و أحرزوا به قصب السبق إلى وراثة الأنبياء .. لعلمهم بمكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم
وآدابه وحُسن سيرة الأئمة الأطهار من أهل بيته و أصحابه ..وبما كان عليه أئمة علماء السلف
واقتدى بهديهم فيه مشايخ الخلف .(1)

من هنا أنطلقنا لنبحث عن آداب تكون لنا منهجاً في طلب العلم
ذاك الكنز العظيم الذي ما أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم
بالإستزادة من شيء من أمور الدنيا إلا من العلم فقد قال تبارك وتعالى في محكم التنزيل 
:{.... وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (114) سورة طـه..



وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن .. وبما أن صحبه الكرام كانوا يتعلمون من أفعاله وأقواله 
حُق لنا أن نتعلم آداب طلب العلم ... وقد كان السلف رحمهم الله لهم مقولات كثيرة في أدب الطلب منها :


قال أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري :" كانوا لا يُخرجون أبنائهم لطلب العلم حتى يتأدبوا ويتعبدوا عشرين سنة "


وقال عبد الله بن المبارك " طلبت الأدب ثلاثين سنة ، وطلبت العلم عشرين سنة ، وكانوا يطلبون الأدب ثم العلم "
وقال أيضاً :" كاد الأدب يكون ثلثي العلم "


إذاً فما أحوجنا ونحن نسير على أعتاب العلم الشرعي أن نتعلم أدب الطلب ..


و سنعرج من خلال هذه الدروس البسيطة 
إلى عدة أمور ..منهــا 
أسس المنهج في طلب العلم ...
وماهو العلم الذي ينبغي على المرء تعلمه ..
والبرنامج العملي لطالب العلم ...


وغيره نسأل الله أن ييسر لنا الخير و أن يكتب الأجر وبإذن الله وبحوله وقوته سيتم وضع هذه الدروس 
والله ولي التوفيق ..

سيكون من جمعــي و ترتيبي و من استفادتي من بعض الكتب و الدروس

(1) من مقدمة ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم
 
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله نبينا و سيدنا محمد بن عبد الله .. وعلى آله وصحبه ومن والاه .. 



إن خير ما تحلَّى به طلاّب العلم وأفضلُ ما ازدان به المتعلِّمون أدبٌ يحجز صاحبَه عن المهابط، ويصدّه من المثالب، ويرتفع به عن الدنايا، ويبلغ به من الكمالات النفسية والعقلية والعلمية كلَّ مبلغ، ويصيب به من التوفيق حظًّا موفورًا، ويجعل منه لبنةً صالحة في بناء كيان الأمة، وصورةً مثلى لطالب العلم المسلم الذي يطلب هذا العلمَ ابتغاءَ وجه ربه الأعلى، وليحظى بموعود الله على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوارد في قوله "ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة" الحديث أخرجه مسلم في الصحيح وأبو داود والترمذي وابن ماجه في سننهم، وكفى بالجنة غايةً وكفى بها أملاً.(1)

فيأتينا السؤال لم نتعلم أدب طلب العلم وماهي الفائــدة من ذلك ؟؟ 
إن الأدب يهـيء قلب طالب العلم وعقـله ليتلقـى العلم .. و هذه كانت طريقة السلف في طلب العلم فكانوا يهيئون النفوس وقد قيل أنهم كانوا يهيئونها سنيناً يتأدبون من سمت وأخلاق علمائهم و يسمون بأنفسهم إلى المعالي بما في كتاب الله تبارك وتعالى وعلى نهج نبيه صلى الله عليه وسلم 

وهذا الأمر أدعــى لتقبل الناس لهم والأخذ من علمهم وبالتالي يستمعون لهم ويهتدون بسمتهم و أخلاقهم .. لهذا تظهر الأهمـية البالغة لأدب طلب العلم .. المستقبلية في الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى ... 

ولابد لنا من أن نعرج تأدباً على فضل العلم الذي نحن بصدد دراسته والنيل من معينـه لنعرف قيمته و نبذل قصارى جهدنـا لتعـلم العـلم الذي على كل مرء أن يتعـلمه ، يقول الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله واصفاً للعلم ( إن العلم – وهو أثمن درّة في تاج الشرع المطهر – لا يصل إليه إلا المتحلي بآدابه ,, والمتخلي عن آفاته ولهذا عناها العلماء بالبحث والتنبيه و أفردوها بالتأليف إما على وجه العموم لكافة العلوم أو على وجه الخصوص كآداب حملة القرآن الكريم وآداب المحدث ، وآداب المفتي .. وهكذا ..)(2).
وقبل أن نسير في هذا الطريق العظـيم لابد لكل من يقصد أمر ما أن يعرفـه تمام المعـرفه وهل هناك أعظم من كتاب الله تبارك وتعالى يبين لنا فضل العلم و العلماء ...
قال الله تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة: 11] قال ابن عباس: العلماء فوق المؤمنين مائة درجة ما بين الدرجتين مائة عام.
قال تعالى: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ } [آل عمران: 18] الآية. بدأ سبحانه بنفسه وثَنَّى بملائكته وثَلَّثَ بأهل العلم وكفاهم ذلك شرفًا وفضلاً وجلالة ونبلاً.
وقال تعالى: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر: 9]، وقال تعالى: { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43]. وقال تعالى: { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43]، وقال تعالى: { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [العنكبوت: 49]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28]، وقال تعالى: { أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } [البينة: 7] إلى قوله: { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } [البينة: 8].
فاقتضت الآيتان أن العلماء هم الذين يخشون الله تعالى وأن الذين يخشون الله تعالى هم خير البرية فينتج أن العلماء هم خير البرية.
من الأحاديث النبوية 
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وعنه - صلى الله عليه وسلم -: العلماء ورثة الأنبياء وحسبك هذه الدرجة مجدًا وفخرًا وبهذه الرتبة شرفًا وذكرًا فكما لا رتبة فوق رتبة النبوة فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة.
وعنه - صلى الله عليه وسلم - لما ذُكِرَ عنده رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم.

وعنه - صلى الله عليه وسلم -: من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم لرضى الله عنه وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء. وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.

أقوال السلف ..

وعن سفيان الثوري والشافعي رضي الله عنهما: ليس بعد الفرائض أفضل من طلب العلم.
وعن الزهري رحمه الله: ما عُبد الله بمثل الفقه.
وعن أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: باب من العلم نتعلمه أحب إلينا من ألف ركعة تطوعًا، وباب من العلم نعلمه عُمِلَ به أو لم يُعْمَلْ أحب إلينا من مائة ركعة تطوعًا.(3)


فبعد هذا الفضل يا رعاكم الله ألا تتوق نفوسكم لتكونوا مع هذا الركــب العظــيم ؟؟ ألم تشتــاق أرواحكم إلى تعلم علماً يُرضي الله تـعالى ..؟؟؟


ألم تشتاق آذانكم لســماع المزيد والمــزيد من العلم ؟؟ فلم يأمر الله جل وعلا نبيه من الإستزادة إلا من العلم لقوله تعالى : { وقل ربي زدني علماً } 
وبعـد هذا المقـدمة التي آمل أن تكون حفزت الكــثير على السير على طريق الهـدى ..
فكما أن لكل بناء قواعد وأسس ... نبدأ بأسس طلب العـلم ...
أسس طلـب العلم ..
أولاً : أول العلم النـية .

إن شرط العبادة النــية لله سبحـانه وتعالى ؛ لقوله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة
وقال عز وجـل : {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} (20) سورة الشورى


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور عن عمر بن الخطـاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمـال بالنيات و إنما لكل إمريء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله و من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه "رواه البخاري .(4)


فإن فقد العلم الإخلاص انتقل إلى من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات ولا يحطم العلم مثل : الرياء رياء شرك ، أو رياء إخلاص ، أو مثل التسميع كأن يقول : علمت وحفظت ..(5) 


فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة ، فذكرهم و ذكر منهم رجلاً تعلم العلم وعلّمه وقرأ القرآن ، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها ، فقال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلّمته و قرأت فيك القرآن . قال : كذبت ، ولكن تعلمت العلم ليُقال : عالم وقرأت القرآن ليُقال : هو قاريء ، فقد قيل ، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النــار ..." 

بما يكون الإخلاص في العلم ؟؟1-

1-أن تنوي بذلك امتثال أمر الله لان الله تعالى أمر بذلك فقال : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله...ْ} (19) سورة محمد يحث سبحانه وتعالى على العلم والعلم بالشيء يستلزم محبته والرضا به والأمر به .(6)

2-رفع الجهل عن نفسك وعن غيرك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " بلغوا عني ولو آية " وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته " قالوا : كيف ذلك ؟ قال ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره "(7) 

3-أن تنوي بذلك حفظ شريعة الله تعالى لان حفظ شريعة الله يكون بالتعلم و يكون بالحفظ في الصدور ويكون كذلك بالكتابة ، كتابة الكتب ..

4-أن تنوي بذلك حماية الشريعة والدفاع عنها لهذا نجد شيخ الإسلام وغيره ممن تصدوا لأهل البدع وبينوا ضلال بدعهم حصلوا على خير كثير ..

5-أن تنوي بذلك اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأنك لا يمكن أن تتبع شريعته حتى تعلم هذه الشريعة .(8) 
فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب كحب الظهور و التفوق على الأقران وجعله سلماً لأغراض واعراض من جاه أو مال أو تعظيم أ و سمعة أو طلب محمدة أو صرف وجوه الناس إليك فإن هذه و أمثالها إذا شابت النية أفسدتها و ذهبت بركة العلم ، ولهذا يتعين عليك أن تحمي نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى ، بل و تحمي الحمى (9) 
.
قال الخطيب البغدادي ناصحاً طالب العلم( ليتق المفاخرة و المباهاة به و أن يكون قصده الرئاسة واتخاذ الأتباع وعقد المجالس فإن الآفة الداخلة على العلماء من هذا الوجه ..)

وقال أيضاً( و ليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية لا حفظ رواية فإن رواة العلوم كثير و رعاتها قليل و رب حاضر كالغائب و عالم كالجاهل و حامل للحديث ليس معه منه شيء ...)
هذه كانت أول الأسس في أدب طلب العلم .. 
والله أسأل أن ينفعنا بما كُتب و يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول و العمل و ماهو إلا جمع من كتب العلمـــاء غفر الله لنا و لهم و جزاهم عنــا خير الجزاء ..





(1)خطبة للشيخ أسامة خياط حفظه الله تعالى .
(2)بكر أبو زيد رحمه الله حلية طالب العلم
(3) ابن جماعة رحمه الله في تذكرة السامع والمتكلم في آداب العالم والمتعلم 
(4)هدي السلف في طلب العلم محمد بن مطر الزهراني رحمه الله .
(5)حلية طالب العلم بكر أبو زيد رحمه الله تعالى.
(6)التعليق الثمين على شرح الشيخ بن عثيمين- رحمه الله- لحلية طالب العلم ..
(7)كتاب العلم للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .
(8)التعليق الثمين لشرح بن عثيمين- رحمه الله - لحلية طالب العلم ..
(9) بكر أبو زيد رحمه الله حلية طالب العلم
ثانياَ : منازل العلم .
أخرج أبو عمر بن عبد البر النمري القرطبي (ت463هـ) بسنده إلى علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت عبدالله بن المبارك (ت 181 هـ) يقول :" أول العلم النية ، ثم الإستماع ، ثم الفهم ، ثم الحفظ ، ثم العمل ، ثم النشر " 
وعن الضحاك بن مزاحم ( ت 106) قال : " أول باب العلم الصمت ، والثاني استماعه ، والثالث العمل به ، والرابع نشره وتعليمه " الجامع للخطيب البغدادي .(1)
هذه التقسيمات يقتضيها العقل السليم و الفطرة ولها شواهد من كتاب الله والسنة ..
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" نضَّر الله امرء سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع " 
ولو لم يكن في فضل العلم إلا هذا لكفى فالرسول دعا لمن سمع ووعى و حفظ و بلغ 
أول هذه المراتب وثانيها :
سماعه و عَقْلُه ، فإذا سمعه وعاه بقلبه ، أي عقله و استقر في قلبه كما يستقر الشيء الذي يوعى في وعائه ولا يخرج منه ، وكذلك عقله هو بمنزلة عَقْل ِ العير و الدابة و نحوها حتى لا تَشْرد و تذهب ، ولهذا كان الوعي و العقل قدراً زائداً على مجرد إدراك المعلوم ..(2) 
وسماع العلم قسمان فإما أن يكون :
1- سماع ابتداء: و يكون
-أولاً : بالصمت والإنصات وهما بمعنى واحد إلا أن الإنصات أبلغ فمن الناس صامت و ليس منصت .. متشاغل لا يسمع ما قيل أو يسمعه سماع من لا يُلقي له بال .
ثانياً :حسن الإستماع إرعاء القلب لما يُلقى و تفريغ القلب من شواغله – عقل الإنسان في قلبه – و العلم لا يقبل الشركة يحتاج لمكان فسيح فارغ حتى يستفيد ويتمكن و يستقر وإلا ذهب وفرّ .
وهذه الشروط فمن كان عكس ذلك فاته أول مراتب العلم و من فاتته فاته أغلب العلم .
2- أو أن يكون السؤال و الجواب :
فيحتاج أولاً إلى حسن السؤال قبل الإنصات و حسن السماع لإجابة سؤاله 
( مفتاح العلم حسن السؤال و حسن الإنصات ) 
كيف يكون السؤال حسناً ؟؟!! - يكون السؤال حسناً عندما يتجرأ الطالب ويسأل أي عند الجرأة في طرح السؤال عند استشكال المسائل ...سئل ابن عباس رضي الله عنهما كيف حصلت هذا العلم ؟؟ قال : " بلسان سئوول و قلب عقول " يقول مجاهد : "لا ينال العلم مستح ولا مستكبر "
- أن يسأل فيما يقع من الأمور وليس في الإفتراضات البعيدة الإحتمالات النادرة و قد نهي عن هؤلاء( الأرأيتين ) الذين يقولون أرأيت إن حصل كذا و كذا وقد لا تحصل ..(3)
وكان عمران القصير – رحمه الله – يقول : إياكم و المنازعة و الخصومة و إياكم من هؤلاء الين يقولون : أرأيت ؟ أرأيت ؟!(4) وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة السؤال أي أن يسأل عما قد لا يقع .
- لا يكون القصد من السؤال الإيقاع بالشيخ أو مقابلته بل القصد التعلم ورفع الجهل عن نفسه يقول الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى في التعليق على حلية طال العلم : " إن الجدال و المراء يحمل المرء على أن يتكلم و ينتصر لنفسه حتى لو بان له الحق تجده : إما ينكره ، وإما أن يؤوله على وجه مستكره انتصاراً لنفسه و إرغاماً لخصمه على الأخذ بقوله .
- وأيضاً أن لا يسأل عن أغلوطات المسائل يقول ابن مسعود رضي الله عنه : أنذرتكم صعاب المنطق أي المسائل الدقيقة الغامضة التي لا تقع في غالب الأمر ..(5)
وكذلك الخوض في علم الكلام مضيعة للوقت لأنه يخوض في أشياء من أوضح الأشياء مرّ علي اليوم في دراسة بعض الطلبة ، يقول : ماهو العقل ؟؟ عرفه لي لغة واصطلاحاً و عرفاً و شرعاً ؟؟ هذا ماله تعريف ، لكن علم الكلام أدخل علينا الأشياء هذه ( الشيخ بن عثيمين رحمه الله من كتاب التعليق الثمين على شرح بن عثيمين لـحلية طالب العلم ..

المرتبة الثانية :

أن يكون له قلباً واعياً قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : " إن مثل ما بعثني الله به من الهُدى و العلم كمثل غيث أصاب أرضاً ، فكانت منها طائفة طيّبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ و العشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا و زرعوا و أصاب طائفة منها أخرى ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله و نفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ، و مثل من لم يرفع بذلك رأساً و لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " 
يقول ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة : شبه صلى الله عليه وسلم العلم والهدى الذي جاء به بالغيث لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة و المنافع و الأغذية و الأدوية ، وسائر مصالح العباد ، فإنها بالعلم و المطر ، وشبه القلوب بالأراضي التي يقع عليها المطر لأنها المحل الذي يمسك الماء فينبت سائر أنواع النبات النافع ، كما أن القلوب تعي العلم فيُثمر فيها و يزكو و تظهر بركته و ثمرته .

المرتبة الثالثة :

تعاهده وحفظه حتى لا ينساه فيذهب 
فيجب على طالب العلم الحرص على المذاكرة و ضبط ما تعلمه إما بحفظه في صدره ، أو كتابته فإن الإنسان عرضة للنسيان فإذا لم يحرص على المراجعة و تكرر ما تعلمه فإن ذلك يضيع منه و ينساه و قد قيل :

العلم صيد والكتابة قيده ***قيد صيودك بالحبال الواثقة 
فمن الحماقة أن تصيد غزالة ***و تتركها بين الخلائق طالقة 


ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم و ضبطه أن يهتدي الإنسان بعلمه قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} (17) سورة محمد
وقال : {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى } (76) سورة مريم ، فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظاً و فهماً ، لعموم قوله { زَادَهُمْ هُدًى }(6) 

المرتبة الرابعة : 
تبليغه و بثه في الأمة ليحصل به ثمرته و مقصوده ، وهو بثه في الأمة فهو بمنزلة الكنز المدفون في الأرض الذي لا ينفق منه ، وهو معرض لذهابه فإن العلم مالم يُنفق منه و يُعلم فإنه يوشك أن يذهب ، فإذا أنفق منه نما و زكا على الإنفاق .
فمن قام بهذه المراتب الأربع دخل تحت هذه الدعوة النبوية المتضمنة لجمال الظاهر و الباطن فإن النضرة هي البهجة و الحُسن الذي يُكساه الوجه من آثار الإيمان و ابتهاج الباطن به و فرح القلب و سروره و التذاذه به ، فتظهر هذه البهجة و السرور و النضرة ، كما في قوله تعالى : {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} (11) سورة الإنسان فالنضرة في وجوههم و السرور في قلوبهم فالنعيم و طيب القلب يظهر نضارة في الوجه ، كما قال تعالى : {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} (24) سورة المطففين ، و المقصود أن النضرة في وجه من سمع سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ووعاها و حفظها و بلّغها فهي أثر تلك الحلاوة و البهجة و السرور الذي في قلبه و باطنه .(7) (7) مفتاح دار السعادة 
هذه المراتب لها شاهد من كتاب الله تعالى قوله تعالى : {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق
أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن سمع فوعى فحفظ فبلغ و أن يجعلنا مع أهل العلم و منهم ..

سؤال نقدمه بين أيديكم / ذكر ابن القيم في كتاب مدارج السالكين مراتب العلم أو مراتب رعاية العلم فاذكرها ؟؟



[color][font]
تابع : أسس طلب العلم 
ثالثاً : الأدب قبل الطلب 

اشتهر عند السلف إرسال الصبيان عند بلوغهم سنّ التمييز إلى مؤدب ، يُحفظهم القرآن و يُعلمهم مباديء القراءة و الكتابة و يشرف على تأديبهم و تربيتهم و تعليمهم السمت و الهدي و الخلق الحسن .. 
فإذا بلغوا سنَّ التكليف أحضرهم مجالس بعض العلماء ليقتدوا بهم في السمت و الهدي و العبادة و العمل .. ثم بعد ذلك يخرجهم إلى حلقات العلم ..

وقد أطلق لقب( مؤدب ) على جماعة ممن تفرغ لتأديب الصبيان و عُرف بذلك ..
قال أبو عبدالله سفيان بن سعيد الثوري :" كانوا لا يخرجون أبنائهم لطلب العلم حتى يتأدبوا ويتعبدوا عشرين سنة " 

وقال عبدالله بن المبارك :" طلبت الأدب ثلاثين سنة ، وطلبت العلم عشرين سنة ، و كانوا يطلبون الأدب ثم العلم " 

وقال أيضاً : " كاد الأدب يكون ثلثي العلم " 

و أخرج الخطيب في الجاممع بسنده إلى مالك بن أنس قال : قال محمد بن سيرين :" كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم "

وبسنده إلى إبراهيم بن حبيب الشهيد قال :قال لي أبي :" يا بني إيت الفقهاء و العلماء و تعلم منهم و خُذ من أدبهم و أخلاقهم و هديهم ، فإن ذاك أحب إليّ من كثير من الحديث " 

وبسنده أيضاً إلى عبد الله بن المبارك قال :" قال لي مخلد بن الحسين :" نحن إلى كثير من الأدب أحوج منّا إلى كثير من الحديث " 
وعن أبي زكريا يحي بن محمد العنبري قال :" علم بلا أدب كنار بلا حطب ،و أدب بلا علم كجسم بلا روح " 

وعن عيسى بن حماد زغبة قال :" سمعت الليث بن سعد يقول - و قد أشرف على أصحاب الحديث فرأى منهم شيئاً - : " ماهذا ؟ أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم " 

وقال سفيان بن عيينة : نظر عبيد الله بن عمر إلى أصحاب الحديث و زحامهم فقال : " شنتم العلم و ذهبتم بنوره لو أدركنا و إياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضرباً "

و عن محمد بن عيسى الزجاج قال :" سمعت أبا عاصم يقول :" من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدنيا ، فيجب أن يكون خير الناس "

قال الخطيب البغدادي : " وقد رأيت خلقاً من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث ، ويعدون أنفسهم من أهله المختصين بسماعه ونقله ، وهم أبعد الناس مما يدًّعون ، و أقلهم معرفة بما إليه ينتسبون . يرى الواحد منهم إذا كتب عدداً قليلاً من الأجزاء ، واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر ، أنه صاحب حديث على الإطلاق ، ولما يجهد نفسه و يتعبها في طلابه و لا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه و أبوابه "

وقال :" وهم مع قلة كَتْبِهم له و عدم معرفتهم به ، أعظم الناس كبراً و أشد الحلق تيهاً و عجباً ، لا يراعون لشيخ حرمة ، ولا يوجبون لطالب ذمة ، يخرقون - يجهلون - بالراوين و يعنفون على المتعلمين ، خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه ، و ضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه ..."الجامع .

هذا كلام الخطيب البغدادي الذي عاش ما بين عامي 392 هـ و 463 هـ في بعض محدثي أهل زمانه فماذا سيقول لو أدرك زماننا اليوم مطلع القرن الخامس عشر الهجري ، كم من منتسب للعلم اليوم و ليس من أهله و متصدر للتدريس و الفتوى و هو ليس من أهل ذلك الشأن ، و كم من سال ًّ لسانه و قلمه ولما يحط علمه ببعض مسائل العلم فضلاً عن كثــير منها ، فادعى علم مالم يعلم و إحسان ما لم يُحسن ، ورمى غيره بما هو أولى به منه ، فإلى الله المشتكى و عند الله تجتمع الخصوم ..


من كتاب / من هدي السلف في طلب العلم 
جمع وترتيب / د. محمد بن مطر الزهراني .[/font][/color]