الموت يحدث في داخلنا في كل لحظة حتى ونحن أحياء ..
كل نقطة لعاب .. وكل دمعة .. وكل قطرة عرق .. فيها خلايا ميتة .. نشيعها إلى الخارج دون احتفال ..
ملايين الكرات... الحمراء تولد وتعيش وتموت .. في دمنا .. دون أن ندري عنها شيئاً .. ومثلها الكرات البيض .. وخلايا اللحم والدهن والكبد والأمعاء ..
كلها خلايا قصيرة العمر تولد وتموت ويولد غيرها ويموت .. وتدفن جثثها في الغدد أو تطرد في الإفرازات في هدوء وصمت .. دون أن نحس أن شيئاً ما قد حدث .
مع كل شهيق وزفير .. يدخل الأكسجين .. مثل البوتوجاز إلى فرن الكبد فيحرق كمية من اللحم ويولد حرارة تطهي لنا لحماً آخر جديداً نضيفه إلى أكتافنا .
هذه الحرارة هي الحياة ..
ولكنها أيضاً احتراق .. الموت في صميمها .. والهلاك في طبيعتها .
أين المفاجأة إذن وكل منا يشبه نعشاً يدب على ساقين .. كل منا يحمل جثته على كتفيه في كل لحظة ..
حتى الأفكار تولد وتورق وتزدهر في رؤوسنا ثم تذبل وتسقط ..
حتى العواطف .. تشتعل وتتوهج في قلوبنا ثم تبرد ..
حتى الشخصية كلها تحطم شرنقتها مرة بعد أخرى .. وتتحول من شكل إلى شكل ..
إننا معنوياً نموت وأدبياً نموت ومادياً نموت في كل لحظة .
د.مصطغى محمود
من كتاب " لغز الموت "