نوافذ فاحشات صمته , وشوقه المنزلق من همجية الوقت
وغبار يتصوَّف في محراب السكون , وعرمرمٌ من تمتمات وجدٍ تهزّ جدار القلب ...
شابٌ قد هدَّه الـجَّوى إلى ذاته , وأخذه الوَمَقُ بعيداً بعيداً عنها , وألزمنه الدهر ما لم يُطقه ...
كان يُمارس النسيان ... وليت ينسى ... ولات ساعة نسيان !!
إذ كيف ينسى وفحيحُ الذكرى نَثَّتْ سـمومَها في دمائه ولم تُجْدِ الأمصالُ معها وإن جُرِّبَت ؟؟!!
وأَحِبَّةٌ قد صَدَقوا ما عاهدوا الحب عليه , فمنهم من بالموت اعتذر , ومنهم من لم تجدِ عند رحيله المعاذير !!!
حينما كان يستفيق من نومه ؛ يَطْفقُ يُحسِّرُ عن جسده لحافاً بسيطاً سخّره ليطرد بعضَ بردٍ وخوفٍ عنه رُبَّما !!
كما أنَّ صباحاته مُحَرَّفَةً تاركةً نداءات المستحيل , ورداءٌ يشفُّ عن حُلْمِهِ ألكانوا ممرغين بادعاءات الظن فيه ...
كان يرى في تلك الصباحات بأنَّهم كانوا يتراصون كما الأوراق في طَيِّ كتابٍ يُصامُ عن قرائته ... يقترون بترك مسافاتٍ تسمح للنسيم بالمرور .. وأنَّه الذنب الوحيد بلا دعاء , الكائنات الصباحية التي حوله ترقبه بصمتٍ وجسمه كما جديلة عجوزٍ في الهواء لا يُشمطها شيئاً غير المستحيل وكأس الوجد وأظافر الـكُلُم ...
ثم ما يلبث أن يسر نحو مرآته المستندة إلى الجدار , ولا يلمح إلاّ مُحيَّاً مُمنَّعةٌ عليه الابتسامة الغامرة , وَشَعْراتٌ بيضاء تلمع كبَيارِقِ الرحيلِ حينما بَرُقَتْ فـي رأسِهِ في اليوم الذي أُذِنَ أن يكون فيه الوداع محتوماً ...
ومحياه الذي مَارَسَ الزمان وفير نزواتِهِ العجيبةِ على صفحته الحَسِنَة فَأَحالَها دهماء !!!
وكُلَّ مَا كان يلفه كان يُؤَكِّد له بأنه لا زال كما هو !!!
فذلك الجدار الذي يقف بحياديةٍ تَامة دوماً ..
والمرآة التي تعكس أشيائه , ويراه ذاته فيها بذات المحيا وذات النظرات والتشكيل ... لكن معكوسة التفاصيل !!
فعينه اليمنى أُُقصيَتْ إلى الجهة اليسرى , وقلبه يعبر دون تصريحٍ إلى الضفة اليمنى من خطِّ الصدر الأيسر ويستقر فيه !!
ويُلاحظ كل ما يحتويه من ذهول وصمتٍ فِي سحنته المنعكسة على سَطْحِهَا الْبَارِد الجَّامِد!
ويرى نفسه واقفاً أمامها , فيمدُّ يده ... وتمُدُّ يَدَهَا لكن الأنكى أنهما لا يتلامسان!!
يَبْتَسِم لتلك المرآة , فيراها تُبادلِهُ هاتيك الإبتسامة المنقوشة ...
لكنه حينما يبكي ... يرى دموعه تُبلِّلُ وَجهه ؛ ودُموعه المطبوعة عليها لا !!!
فظلَّ يُحدق بشدة ويرى مرارة سؤاله بعينيه , فتلك المرآة تُشبهه وَلَا تُشابهه ولكنها هو !!!
وَتِلْكُمُ الأوراق المنشورة عَلَي منضدته بَعْد عِرَاك طويل مَع القَلَم كي يَكُفَّ عَن خدشِها بالحروف كانت رائحة الغادة التي هواها تفوح منها , وبجنبه دفترٌ مُناوئ لها كان قد تَخذه لتسجيل أحداثه اليومية ...
كان يُسَجِّي على ذلك نمارق ذلك الدفتر شكواه مِن الدهر , إذ كان يكتب: ((إِنَّـما الحسرة تقتلنا , فلنهرب منها خشية أن يمضي الوقت , ولن نُفكر بتاتاً بالبحث عن مكان الساعة المنبئة بالوقت , فلنكره هاتيك الساعة واستنزافها المرير لأعمارنا التي تزيد لتنقص ... فلنكرَهَّا بغضاً والنظر فيها , ولنكره حَرَكَتها ... فهي ساعاتٌ لا ولن تَتَوَقَّفَ , ولن تكل عن المسير بغية استراحة ... كما أنها لا تَعودُ مَرَّةً واحدة فقط !!!)) ..
وفي حاشية تلك الكلمات سطَّر عبارته : ((بيد أنَّه ما الجدوى من تسجيل الهزائم؟؟!))
وتذكر بأن هزيمته لاحت حينما كانت شمس الحب الساطعة تسافر في بحر أفق روحه , التي جنحت للغروب ليخفت شعاعها لاحقاً ....
زَرَعَ وردة عشقها خلف تلك الشَّمس , وحينما أصبحت جمراً , قذقتها به !!!
فآلى إلاّ بعدم تحبيذ فكرة خلع الأقنعة في لحظات المواجهة , وأجزم بأنه سيرتدي قناعه من جهة الظهر ...
ووجهه لظهورهم , حيث ما من أقنعة !!