أرأيت لو أنك تقدمت للاختبار في مادة ما وكانت نوعية الأسئلة:
(اختيار من متعدد) فما قيمة النجاح لو كانت كل الاختيارات صحيحة ؟!
وهل لاختيارك أحد هذه الخيارات (وهي كلها صحيحة) فضل لك ؟
وهل يصح أن تنسب الفضل لك في هذا النجاح ؟
بل هل أنت مستحق لهذا النجاح فعلاً ؟!
بل هل يسمى ذلك اختباراً حقيقياً ؟ أم عبث ولهو ؟!
الدنيا يا أخي دار ابتلاء وامتحان ..
والله تبارك وتعالى خلقنا ليختبرنا أيّنا أحسن عملاً، فما قيمة الخير دون وجود الشر .. وما قيمة الصحة إن لم يكن هناك مرض .. وما قيمة الطاعة إن لم يكن لك خيار لفعل غيرها ..؟!
وهل تستحق فعلاً الفوز بمرضاة الله وجنته إن أنت فعلتها ولم يكن لك الخيار في فعل غيرها ؟
فإذا فهمت ذلك ستتيقن أنه ما كان للعبد أن يحقق تمام العبودية لله لولا وجود الشيطان والشر والفتن ..
وقد يكون للسؤال محلاً للاعتراض إذا تركك الله للشيطان يعبث بك كيفما يشاء ولكن الله تجلت حكمته بإرسال الرسل وتبيان الهدى للناس .. ومن ثم فعليك الاختيار بين الطريقين .. ولا يكون هناك اختيار إلا بوجود الأضداد (الخير والشر ..) وإلا لما كان هناك معنى للتكليف.
وخلق الله الشيطان (والشر والفتن) لكي تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته في خلقه .. فيغفر للمذنبين المخطئين التائبين .. وينتقم من الجبارين الظالمين! فالله تعالى غفور رحيم .. وهذا من مقتضاه وجود العبد الذي يذنب فيستغفر، ويسأل الله تعالى الرحمة والغفران ..! والله تعالى عزيز، جبار، قهار، منتقم، شديد العقاب .. وهذا من مقتضاه وجود الجبابرة المستكبرين في الأرض .. فيذلهم الله، ويقهرهم على ما يريد ويشاء، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر .. وهذا كله ما كان ليظهر للعباد لولا أنّ الله تعالى قد خلق إبليس!
خلق الله الشيطان لكي تعبد الله تعالى من جهة التضحية والجهاد .. جهاد النفس .. وجهاد الباطل .. وجهاد شياطين الإنس والجن!
لكي تتضرع إلى الله أن يغفر لك الذنب والزلات .. وتسأله التوبة وحسن الختام .. فالله تعالى يحب منك ذلك .. وهذا ما كان ليكون لولا أن الله تعلى قد خلق إبليس!
خلق الله الشيطان لكي تظهر حقيقة عبوديتك ـ بمعناها العام ـ لله .. وذلك لا يتحقق إلا بخلق إبليس مادة كل شر وباطل، وفساد ..!
لكي يظهر علم الخالق في خلقه .. من ينصره ورسله .. ومن يخذله ويخونه .. من يدخل في عبادة الله تعالى وتوحيده .. ومن يدخل في عبادة الطاغوت .. من يجاهد في سبيل الله تعالى .. ومن يجاهد في سبيل الطاغوت!
لكي تشعر بلذة وفضل ونعمة العافية والإيمان .. وهذا لا يدرك ـ على وجه الحقيقة والتمام ـ إلا إذا عُرف ضده من الكفر والجحود وما يرتد على صاحبه من شقاء، وضنك، وانحطاط .. فالشيء يُعرف دائماً بضده!
لكي تمتلئ نار جهنم بالكافرين الظالمين .. كما تمتلئ الجنة بالمؤمنين الموحدين .. كما قطع بذلك على نفسه.
فكل هذه الحكَم والغايات وغيرها .. مرتبطة بخلق إبليس وإيجاده .. ولأجلها خلق الله تعالى إبليس !!