بسم الله الرحمن الرحيم
الكفر .. وضوابط تكفير الأعيان الشيخ أسامة حافظ(المصريون) : بتاريخ 10 - 8 - 2009
أثارت كتابات سيد القمني ومنحه جائزة الدولة التقديرية .. وما أثير حول كتاباته من لغط وحوار قضية عقدية هامة وهي قضية القول بتكفير المسلم ومشروعية ذلك والفارق بين إطلاق لفظ الكفر على الفعل الكفري أو القول
وبين إطلاقه علي الأشخاص الذين فعلوه.والحق في هذه المسألة ضائع وملتبس بين طرفين
أحدهما بالغ في الحكم بتكفير الناس حتى كفر المجتمع بكل طوائفه لمعاص ارتكبوها أو لتقصير شاع فيهم دون البحث في شروط إطلاق هذا الحكم علي المكلفين أو التحقق من انتفاء الموانع التي تمنع إطلاق الحكم عليهم ..
أما
الآخر فبالغ في الفرار من التكفير حتى استنكر أن يقال بكفر الشيوعيين والبهائيين واليهود والنصارى ممن أنكروا نبوة محمد صلي الله عليه وسلم وجحدوا الله سبحانه أو عبدوا من هو دونه وممن جزم القرآن بكفرهم حذراً من أن يوصموا بأنهم تكفيريون يكفرون الناس ..
ورحم الله ابن القيم إذ يعرض لذلك في مدارجه فيقول:
" ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان
إما إلى تفريط وإضاعة
وإما إلي إفراط وغلو
ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه".ولا يخفى أن سمت الدعاة إلى الله من أهل السنة
عدم التفتيش في الضمائر للبحث عن أسباب للتكفير
أو حتى الاستكثار من الحديث في هذه الأمور ..
إذ أن ذلك لن يفيد دعوتهم في شيء ..
وذلك أن طلب الهداية لمن ضل السبيل لله لن يكون بتكفيره والتشهير به
وإنما برحمته وتبشيره ودعوته وبيان طريق الهداية له
بالحكمة والموعظة الحسنة والتماس المعاذير له
إذ ما هي الفائدة التي تعود علي الدعوة من تكفير الناس ..
فهذا ليس سمتنا وإنما هو سمت أهل البدع والأهواءوقد تعرض علماء العقائد لهذه المسائل ووضعوا لها قواعد وأصولاً
نحاول أن نوجز أهم ما فيها في هذه العجالة. أولا : "لا إله إلا الله" من قالها فهو مسلم سواء كان مسلماً من قبل أو دخل بها الإسلام ولم يكن فيه ..
ولا يخرج من الإسلام إلا أن يأتي بعمل كفري ظاهر متفق عليه مقطوع به قاصداً عالماً مختاراً.
ثانيا : لا يحكم بكفر أحد من أهل القبلة حتى تتوفر الشروط الآتية:
1. أن يأتي بعمل كفري ظاهر مقطوع به متفق عليه ..
فالأعمال الباطنة التي لا تنعكس علي الظاهر لا يحكم فيها بالكفر إذ لم نؤمر بشق الصدور والبحث عما هو مختبيء فيها
وقد أنكر صلي الله عليه وسلم على حبه أسامة بن زيد أن قتل الرجل بعد أن قال لا إله إلا الله واعتذر بأنه إنما قالها تعوذاً من السيف
فقال له صلي الله عليه وسلم "هلا شققت عن قلبه."وكذا فالمسائل المظنونة التي اختلف عليها العلماء لا يجوز الحكم فيها بالتكفير
إذ ما يدريك أن الحق فيها معك وقد اختلف العلماء حولها. 2. أن يكون الفاعل خالياً من عوارض الأهلية السماوية كالجنون والعته وغيرها إذ أن من غاب عقله فهو معفو عنه لانتفاء القصد.
3. أن يأتي بالعمل الكفري قاصداً عالماً مختاراً ..
إذ أن المخطيء والناسي والمكره معفو عن فعلهم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "
والجاهل معفو عنه أيضا " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" لأدلة كثيرة تناثرت في كتب العقائد. 4. أن تقام على الفاعل الحجة الرسالية التي يكفر جاحدها
كما يقول ابن تيمية " إن من أعظم الناس نهياً أن ينسب معيناً إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخري وعاصياً أخري وذلك لسماع حجته ودفع شبهته والتحقق من توافر شروط الحكم فيه وانتفاء الموانع. 5. إن إقامة هذه الحجة ليست متروكة لعامة الناس وجهالهم خاصة لو كان الفعل الكفري من دقائق الأمور وخفاياها وإنما لا يقوم بها إلا من هو أهل لها من عالم مجتهد أو إمام مطاع كما يقول ابن تيمية ..
نعم قد يكون ذلك مقبولاً في الأمور الظاهرة المتفق عليها كمن يعلن مثلاً ترك ملة الإسلام إلي ملة أخري أو من يتعمد إهانة المصحف أو ما شابه ولكن الأصل أن إقامة الحجة لا تكون إلا ممن هو أهلها. 6. أن يفتح له باب التوبة والرجوع فلا يتوب ويرجع.
ثالثاً : إنه لمن المهم أن نقول أن القول أو الفعل قد يكون كفراً في ذاته فنطلق القول أن هذا كفر وأن من فعل كذا أو قال كذا فهو كافر
أما الحكم على الشخص الذي يفعل أو يقول فانه لا يجوز إيقاع التكفير عليه قبل إقامة الحجة بالصورة التي أسلفناها للتحقق من توافر الشروط وانتفاء الموانع
وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام في فتاواه.
" إن القول قد يكون كفراً فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر ولكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها ". رابعاً : أن تخطيء في الحكم بإسلام من يشك في كفره خير من الخطأ بالحكم بكفر من يشك في إسلامه ..
إذ أن القول بكفر من يتضح بعد ذلك إسلامه يوقع الإنسان تحت وعيد نبوي شديد في مثل هذه الأحاديث الصحاح في البخاري وغيره
" من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"
" من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله "
" من دعا رجلاً بكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا جار عليه "وهي كما هو ظاهر أحاديث صحيحة تحذر من الوقوع في تكفير مسلم بغير حق
وتنذر برجوع الحكم على قائله إن وضع قولته في غير موضعها. خامساً : لا ينبغي أن يشهد لمعين أنه من أهل النار لجواز ألا يلحق الوعيد به لفوات شرط أو ثبوت مانع فقد لا يكون التحريم بلغه وقد يتوب من فعل هذا المحرم وقد يكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة هذا المحرم وقد يبتلي بمصائب تكفر عنه وقد يشفع فيه شفيع مطاع كما يقول شيخ الإسلام في فتاواه.
وبعد
إن القول بأن هذا القول أو هذا الفعل قد يوقع صاحبه من كفر لا يعني بالضرورة الحكم على قائله بالكفر ..
إذ أن الحكم بكفر الأشخاص المعينين مسألة شائكة شديدة الخطورة يترتب عليها عواقب كثيرة وشديدة
لذا فهي بصفة عامة لها ضوابط صارمة وتحتاج لنظر واجتهاد للتحقق من توافر شروط إيقاع الحكم وانتفاء موانعه
مما يستعصي على عامة الناس إدراكه
وإنما هي لأهل العلم والاجتهاد
أو أهل القدرة والسلطان من العلماء القضاة .. وأن خوض هذه المسائل ممن لا أهلية له
قد يوقعه في مزاجر شرعية مما أشرنا إليها
دون أن يحقق له فائدة أو ثواباً
لذا ينبغي الحذر أشد الحذر من ذلك.