قرآني... ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي...
كتبتها
أم عبد الرحمن بنت خليل
تأملت هذا الحديث مليّاً سنواتٍ عديدة، فما استشعرت عظمته، ربّما لأنّ البلاء الذي ابتليت به يومها أعمى بصيرتي، فما عدت أميّز بين النور والظلام ، ولا بين الفرح والحزن، كنت أرى الحياة لوناً واحدا، وأستغرب لم تبتسم الناس وتضحك؟؟
إلى أن قالت لي إحدى الطيّبات حفظها الله، بعد أن رأت تلك الغيمة السوداء تلف بيتي وتنذر بهبوب عاصفة هوجاء من الألم والخوف والشقاء..عليك بدعاءِ النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يوصي به عند الكرب والمحن: "اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك . أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي" ( رواه أحمد وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 199 ).
وكالغريق يتعلق بالقشة لينجو...صار هذا الحديث ديدني، ووردي في خلوتي، وفي جَمْعَتي ... غير مدركةٍ ما المقصود من هذا الدعاء؟ ولا أعرف كيف يكون القرآن ربيع القلب، ونور الصدر وجلاء الحزن وكيف يذهب الهمّ؟؟ لكن طالما هو حديث صح عن رسول الله صلوات الله عليه...اذاً ستفرج...وفرجـــــــــــــت!
أما اليوم فتأملته بشكل آخر، قرأت قوله تعالى:{إنّما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكلون } ( الأنفال، 2 ).
ماذا في القرآن؟؟
{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ( الرعد، 28 ).
لمــــــــــــــــــــــــــاذا؟؟
نظرت حولي فرأيت الهموم لا تخلو من هذه الحالات:
إنْ عانيت من أبيك وقسوته عليك، لتمسكك بدينك، فارجع الى قرآنك وتأمل قصة إبراهيم مع أبيه آزر الذي بيديه جمع الحطب ليلقي فلذة كبده في النار...فهل عذّبك أبوك كما عذب آزر ابنه؟!
إنْ عانيت من غربة قاسية تعيشها بين أهلك وقومك فارجع الى قرآنك وتأمل محمدًا صلى الله عليه وسلم كم عانى من كفار قريش، وتأمّل هوداً وصالحاً وشعيباً عليهم السلام كم عانوا من قومهم وكيف هددوهم بالطرد والرجم، فهل طردك قومك كما طردوهم؟
إنْ عانيت من زوجك قسوةً وتجبراً وعصياناً ونشوزاً، فارجع الى قرآنك وتأمل لوطاً ونوحاً عليهما السلام، ماذا قال الله في نسائهما؟ فهل وصلت زوجك لما وصلت إليهما فأتى ذمّهما في آيات تتلى إلى يوم القيامة؟
إنْ عانيت مرارة حياتك دون ولد يملأ عليك بيتك بالفر والسرور فارجع الى قرآنك وامسح دمعة حزنك واجعلها في دعوة عند سجودك في المحراب كما فعل زكريا عليه السلام فجاءته البشرى على الفور! فهل بلغت من العمر عتيًّا كما بلغ؟
إنْ عانيت وحدة السجن وظلم الطاغوت ومرارة القهر فارجع الى قرآنك وتأمل ظلمات عاشها يونس عليه السلام ودعاءه في جوف الحوت. اذكر غيابت الجب حين أُلْقِيَ هناك يوسف عليه السلام. اذكر سنوات سجنه وحبسه...هل قضيت ما قضى؟
إنْ راودتك الفتنة ليلاً وأنتَ في فراشك وحيدًا فزيّن لك الشيطان ما زيّن فقمتَ ملبياً لترتكب ما يغضب ربّك! بادر الى كتابك وتأمل فتنة يوسف عليه السلام، منعته كلمة "معاذ الله" وقد جاءته الفتنة برجليها متزينة متلهفة راغبة. فهل عانيت ما عانى وأيّهما أشد فتنة؟
ان ابتلاك الله بمرض ولازمك وأوجعك وآلمك فارجع الى قرآنك وتأمل صبر أيوب على مرضه، فشفاه الله وأصلح له جسده وأهله، فهل مرضك أشد فتكاً من مرضه؟
إنْ عانيت من ولدك ورأيته يكبر أمامك محطماً أحلامك وانت تمدّ إليه يدك قائلاً أي بني تعال اركب معنا فيبعد يده عنك قائلاً سآوي الى جبل يعصمني. فارجع الى قرآنك وتأمل قول الله تعالى إلى نوح الخائف على ولده من الغرق:{ قال يا نوح إنّه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألنِ ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين } ( هود، 46 )، فهل ستحب ولدك وتشفق عليه أكثر من محبة وشفقة نوح عليه السلام؟
هؤلاء رسلنا...هؤلاء قدوتنا...هؤلاء حملة دين ربنا { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} ( يوسف، 111 ).
يا ترى ألن يذهب الهم وينجلي الحزن وينور الصدر عندما تجد أحبة الله تبتلى ؟؟،
{ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان أكثر شيئاً جدلاً } ( الكهف، 54 ) |