مذكرة في أصول التفسير (1)
الكـاتب : محمد الحمود النجدي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
- مميزات المكي والمدني:
استقرأ العلماء السور المكية والمدنية، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني،
- ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية:
1 - كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية.
2 - كل سورة فيها ذكر المنافقين، فهي مدنية سوى العنكبوت، فإنها مكية.
3 - كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب، فهي مدنية.
- هذا من ناحية الضوابط، أما من ناحية المميزات الموضوعية وخصائص الأسلوب، فيمكن إجمالها فيما يلي:
1 - بيان العبادات، والمعاملات، والحدود، ونظام الأسرة، والمواريث وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل التشريع.
2 - مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ماجاءهم العلم بغياً بينهم.
3 - الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.
4 - طول المقطع والآيات في أسلوب يقر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها.
- المحكم والمتشابه:
قال - تعالى -: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات (آل عمران: 7).
يخبر - تعالى - أنه تفرد بإنزال هذا الكتاب العظيم، الذي منه -آيات محكمات- واضحات المعاني، لا تحتمل إلا وجهاً واحداً في التفسير، فلا تشتبه بغيرها.
-هن أم الكتاب- أي: أصله الذي يرجع إليه، ويعول عليه، ويرد إليه ما تشابه من آياته وأشكل من معانيه.
-وأخر متشابهات- أي: محتملات لأكثر من معنى، ولا يتعين أحد الاحتمالين بمجردها، حتى تضم المحكم.
فأما أهل العلم الراسخين المتمكنين منه، فيعلمون أن القرآن كله من عند الله، وأنه حق كله محكمه ومتشابه، لا يتناقض ولا يختلف، ولذا فهم يردون المتشابه إلى المحكم، فيصير كله محكماً، ويقولون: -آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب- أي: إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح، أولوا العقول السليمة، الفهوم المستقيمة.
- الناسخ والمنسوخ:
النسخ في اللغة: الإزالة والإبطال، يقال: نسخت الشمس الظل، أي: أزالته، والنسخ أيضاً: النقل، يقال: نسخت الكتاب، أي: نقلته، ومنه قوله - تعالى -: إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون (الجاثية: 29).
- أما النسخ في الاصطلاح: فهو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر، أي: أن يرفع الشارع حكماً من أحكامه بخطاب متأخر عنه.
- حكم النسخ:
1 - إظهار الربوبية لله - تعالى -، والتصرف في الأشياء، فيحكم فيها بما يريد، ويفعل ما يشاء.
2 - إظهار العبودية له - سبحانه -: والانقياد له بالطاعة، بكمال الخضوع كيفما يشاء، فيتميز المطيع المنقاد من غيره.
3 - التيسير ورفع المشقة عن العباد، وذلك بنسخ الأمر الشديد إلى اليسير، قال - تعالى -: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج (المائدة: 6) ، وقال: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (البقرة: 185).
4 - التدرج بالشريعة ليسهل قبولها والعمل بها فما يشرع حالة الضعف لا يصلح لحالة القوة، وهكذا حتى استقرت الشريعة.
- وقوع النسخ في القرآن:
دليل وقوعه قوله - تعالى -: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (البقرة: 106) .
وورد في قوله - تعالى -: وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (النحل: 101 – 102).
وفي قوله - سبحانه -: سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله (الأعلى: 6 – 7).