أبو فراس الحمداني شاعر وأمير وفارس من العصر العباسي، اسمه
كاملاً الحارث بن سعيد بن حمدان التغلبي الريعي، ويلقب أبو فراس،بأن له صلة قرابة بسيف الدولة الحمداني فهو ابن عمه، وكان لأبو فراس منزلة عظيمة عنده فكان يقدره ويحبه كثيراً ويقدمه على سائر قومه، ولأبو فراس الكثير من المواقف الشجاعة فخاض الكثير من الوقائع التي قاتل فيها بين يدي سيف الدولة، وصحبه في الكثير من غزواته، وقام سيف الدولة بتقليده منبج وحران وأعمالها.
ولد أبو فراس في الموصل عام 320هـ - 932م، وتوفى والده وهو في الثالثة من عمره ونشأ في ظل رعاية والدته، تلقى العلم على يد اللغوي الكبير ابن خالويه وغيره من العلماء.
استقر أبو فراس في الدولة الحمدانية في حلب حيث تعلم الأدب والفروسية، واشتهر بنظمه للشعر، وقع أسيراً للروم مرتين وفي المرة الأولي تمكن من الهرب، أما في المرة الثانية فكانت في إحدى معاركه مع الروم حيث جرح وتم أسره وظل في القسطنطينية إلى أن قام سيف الدولة بفديته بأموال عظيمة، وذلك بعد أن مكث في الأسر لوقت طويل قام فيها بمكاتبة سيف الدولة واستعطافه من أجل أن يفتديه ويطلق أسره، واثر في نفسه كثيراً ما وجده في سيف الدولة من تباطوء وتهاون.
وفي الأسر قام أبو فراس بكتابة أشهر أشعاره وهي "الروميات" والتي تميزت ببساطتها وتجلت فيها العواطف الإنسانية بما حملته من مشاعر الغربة والأسر والحنين إلي الوطن والأم.
ومما قاله فيها
أَقـولُ وَقَد ناحَت بِقُربي iiحَمامَةٌ
أَيـا جـارَتا هَل تَشعُرينَ iiبِحالي
مَعاذَ الهَوى ماذُقتِ طارِقَةَ النَوى
وَلا خَـطَـرَت مِنكِ الهُمومُ iiبِبالِ
أَتَـحـمِلُ مَحزونَ الفُؤادِ iiقَوادِمٌ
عَـلى غُصُنٍ نائي المَسافَةِ عالِ
أَيـا جارَتا ما أَنصَفَ الدَهرُ iiبَينَنا
تَـعـالَي أُقاسِمكِ الهُمومَ iiتَعالَي
تَـعالَي تَرَي روحاً لَدَيَّ iiضَعيفَةً
تَـرَدَّدُ فـي جِـسـمٍ يُعَذِّبُ iiبالِ
أَيَـضحَكُ مَأسورٌ وَتَبكي iiطَليقَةٌ
وَيَـسـكُتُ مَحزونٌ وَيَندِبُ iiسالِ
لَقَد كُنتُ أَولى مِنكِ بِالدَمعِ iiمُقلَةً
وَلَـكِنَّ دَمعي في الحَوادِثِ iiغالِ
نهاية فارس الشعر
بعد أن قام سيف الدولة بدفع فدية أبو فراس وفك أسره من بين أيدي الروم توفى سيف الدولة وجاء أبو المعالي أبنه خلفاً له وكان حينها صغير السن مما جعل أبو فراس يطمع في الاستيلاء على حمص فبعث أبو المعالي له من يردعه وبالفعل قُتل أبو فراس وهو في أواخر الثلاثينات من عمره وذلك عام 968م.
أشعاره
تميزت أشعار أبو فراس بجمال المعاني وصدق المشاعر والتي قام برسمها في لوحاته الشعرية بمهارة فتكونت أجمل الصور الشعرية التي عبرت عن حالاته المختلفة والتي تنوعت ما بين فخر وحب ورثاء وشكوى، فكان تألقه في ميدان الشعر وخاصة انه كان لا يقول الشعر بغرض التكسب من ورائه بل من أجل التعبير بالكلمات والألفاظ عن حالات عاطفية ومزاجية مختلفة مرت به وأراد التعبير عنها بصدق.
ونورد هنا عدد من أشعار أبو فراس المتميزة له وهو في الأسر مشتاقاً لأمه
لَـولا الـعَجوزُ iiبِمَنبِجٍ
مـا خِفتُ أَسبابَ المَنِيَّه
وَلَـكانَ لي عَمّا iiسَأَلتُ
مِـنَ الـفِدا نَفسٌ iiأَبِيَّه
لَـكِـن أَرَدتُ iiمُـرادَها
وَلَوِ اِنجَذَبتُ إِلى iiالدَنِيَّه
وَأَرى مُـحاماتي iiعَلَي
ها أَن تُضامَ مِنَ الحَمِيَّه
أَمـسَـت بِـمَنبِجَ iiحُرَّةٌ
بِالحُزنِ مِن بَعدي iiحَرِيَّه
لَـو كـانَ يُدفَعُ حادِثٌ
أَو طـارِقٌ بِـجَميلِ نِيَّه
لَم تَطَّرِق نُوَبُ iiالحَوادِثِ
أَرضَ هـاتـيكَ iiالتَقِيَّه
لَـكِـن قَضاءُ اللَهِ iiوَال
أَحـكامِ تَنفُذُ في iiالبَرِيَّه
وقال في الأسر أيضاً
إِنَّ في الأَسرِ iiلَصَبّاً
دَمعُهُ في الخَدِّ صَبُّ
هُوَ في الرومِ iiمُقيمٌ
وَلَهُ في الشامِ iiقَلبُ
مُستَجِدّاً لَم iiيُصادِف
عِوَضاً مِمَّن iiيُحِبُّ
ومن أشهر قصائده "أراك عصي الدمع" والتى تغنت بها أم كلثوم
أَراكَ عَـصِيَّ الدَمعِ شيمَتُكَ iiالصَبرُ
أَمـا لِـلهَوى نَهيٌ عَلَيكَ وَلا أَمرُ
بَـلـى أَنا مُشتاقٌ وَعِندِيَ iiلَوعَةٌ
وَلَـكِـنَّ مِـثـلي لايُذاعُ لَهُ iiسِرُّ
إِذا اللَيلُ أَضواني بَسَطتُ يَدَ iiالهَوى
وَأَذلَـلـتُ دَمعاً مِن خَلائِقِهِ iiالكِبرُ
تَـكـادُ تُضيءُ النارُ بَينَ iiجَوانِحي
إِذا هِـيَ أَذكَـتها الصَبابَةُ iiوَالفِكرُ
مُـعَـلِّلَتي بِالوَصلِ وَالمَوتُ iiدونَهُ
إِذا مِـتَّ ظَـمـآناً فَلا نَزَلَ iiالقَطرُ
حَـفِـظـتُ وَضَيَّعتِ المَوَدَّةَ iiبَينَنا
وَأَحسَنَ مِن بَعضِ الوَفاءِ لَكِ العُذرُ
وَمـا هَـذِهِ الأَيّـامُ إِلّا iiصَـحائِفٌ
لِأَحـرُفِـهـا مِن كَفِّ كاتِبِها iiبَشرُ
بِنَفسي مِنَ الغادينَ في الحَيِّ غادَةً
هَـوايَ لَـهـا ذَنبٌ وَبَهجَتُها عُذرُ