الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فهذه جملة من الأسئلة الخاصة بشهر رمضان قد أجاب عليها فضيلة الشيخ عبدالله جبرين حفظه الله تعالى.
سؤال: ما أفضلية شهر رمضان على بقية الشهور؟
الجواب: فضل شهر رمضان ورد فيه أحاديث كثيرة منها قول النبي
:
{
إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلّقت أبواب النار، وصفّدت الشياطين،
وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار
وذلك كل ليلة } وهناك أحاديث كثيرة مذكورة في وظائف رمضان،
ولا شك أن هذا الشهر له ميزة على الأشهر الأخرى، منها أن الله تعالى أنزل
فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان، وأن الله فرض صيامه على
المسلمين، فمن صامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.
سؤال: ما الأعمال التي يستحب للمسلم فعلها والإكثار منها خلال الشهر؟
الجواب: يستحب في رمضان المحافظة على قيام رمضان مع الجماعة
مع الخشوع وحضور القلب، ويستحب التزود من نوافل الصلاة ليلاً ونهاراً،
ويستحب الإكثار من قراءة القرآن وتدبره، ومن الدعاء والذكر بأنواعه،
والاشتغال بالقربات، والإكثار من الصدقات والتبرعات وتفطير الصوّام، ومن
الأعمال المتعدية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ الأوقات عن اللهو
واللعب. والله أعلم.
سؤال: يحرص كثير من الناس على إخراج زكاة أموالهم خلال هذا الشهر، فهل في هذا أفضلية؟ وبماذا تنصحون من يؤخرون الزكاة أو لا يخرجونها؟
الجواب: الواجب إخراج الزكاة بعد تمام الحول، لكن إن اعتاد
أن حولها دائماً في رمضان جاز ذلك حيث يتواجد الضعفاء والمساكين، واغتناماً
لفضل الزمان ومضاعفة الأعمال، لكن متى وجب الزكاة قبله فإنه يثبتها في
ذمته، ويعرف مقدارها ولو أخرها أشهراً أو قدّمها قبل تمام الحول بأشهر؛
اغتناماً للفضل ولوجود المستحقين.
سؤال: اعتاد بعض الناس على إمضاء أكثر الليل في رمضان في السهر واللعب واللهو ومشاهدة القنوات الفضائية، فما رأيكم في ذلك؟
الجواب: هذا من الخسران المبين، وذلك أن أوقات هذا الشهر
ثمينة غالية لها قيمة، فيجب استغلالها في العبادات وأنواع القربات، ولا
يجوز إضاعتها في اللهو والباطل والقيل والقال، والغيبة والنميمة، والنظر
إلى الأفلام والصور الفاتنة ومشاهدة ما يذاع من المناظر القبيحة بواسطة
القنوات الفضائية، التي تدفع إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات، ولقد كان
الأوائل يبقون بعد التراويح ساعتين أو نحوهما في قراءة القرآن وتدراسه
وتكراره، ثم ينامون ويقومون للسحر، ثم يقرءون بعد صلاة الصبح فرادى،
فيشغلون ليلهم ونهارهم في القرآن والذكر ونحوه.
سؤال: يؤخر كثير من الناس عمرتهم إلى العشر الأواخر من رمضان
في كل عام، وربما كان منهم العاجز، ويعرضون أنفسهم للزحام الشديد بينما
بإمكانهم أداؤها في العشرين الأول، فهل هذا العمل صحيح؟ وهل يوجد فرق بين
أدائها في الوقتين؟
الجواب: تجوز العمرة في جميع الشهر ولها فضل كبير؛ لقول النبي
:
{ عمرة في رمضان تعدل حجة } ولم يخص آخره ولا أوله، إلا أن آخر الشهر أفضل؛ لأنه وقت اعتكاف النبي
وترجى فيه ليلة القدر، وقد يؤخرون العمرة إلى آخر الشهر نظراً لإجازة
الموظفين المعتادة في آخره، فمن كان عنده قدرة وتمكّن فالعمرة في جميع
الشهر أولى حتى لا يتعرض للضيق والشدة ولا يزاحم الناس، ومن لم يكن عنده
إجازة أو قدرة فهو معذور إن اخرها إلى العشر الأواخر.
سؤال: حصلت في هذا الشهر انتصارات عديدة للمسلمين في عهد الرسول
منها غزوة بدر وفتح مكة، فكيف يمكن للمسلمين أن يجعلوا من تلك الانتصارات
انطلاقاً نحو العزة والمجد والاجتماع تحت كلمة لا إله إلا الله محمد رسول
الله؟
الجواب: صحيح أن هذا الشهر هو شهر النصر والتمكين والظهور لدين الإسلام، ففيه وقعت غزوة بدر الكبرى التي قال الله فيها:
إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان [الأنفال:41] الآيات، وهذه الآيات تقص خبر ما وقع بين المسلمين وبين عدوهم
الذين أذلوهم واضطهدوهم وأخرجوهم من ديارهم، فأنزل الله نصره وملائكته
وحصل من النصر والتمكين من الأعداء ما هو آية ومعجزة وكرامة لنبيه
وعباده المؤمنين.
وفيه وقعت غزوة الفتح الأعظم، فقد خرج النبي
من مكة في السنة الأولى من الهجرة ثاني اثنين مع الخوف من المشركين، فخرج
منها خائفا يترقب، ولكنه واثق بنصر ربه وتأييده، وبعد ثمان سنين دخلها في
عشرة آلاف من المسلمين وهو مع ذلك متواضع خاضع لربه، معترف بفضله وامتنانه
عليه، وبهذه العزة انتشر الاسلام وجخل الناس بعدها في دين الله أفواجا.
فنأخذ من هذه الغزوات فضل هذا الشهر، وأن على المسلمين أن يظهروا
فيه كغيره الاعتزاز والافتخار، وأن يتمسكوا بالتوحيد وإخلاص العمل لربهم
تعالى، والاتباع لسنة نبيهم
،
وأن يحرصوا على جمع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم، وتذكيرهم بأن الدين
الإسلامي هو أكبر وسيلة الى النصر وعلى الأعداء وظهور المسلمين وخذلان من
ناوأهم أو خالفهم كما هو الواقع في كل زمان ومكان يوجد فيه الاخلاص والصدق
مع الله ويطهر المسلمون أنفسهم من الشرك ودعوة غير الله، ومن البدع العقدية
كالتعطيل والرفض والإرجاء والاعتزال، ومن المعاصي كبيرها وصغيرها، حين
يشاهد ظهورهم وانتصارهم وبطلان حيل الأعداء ولو أتوا بكل قواهم، ولو تضاعف
عددهم وعدتهم وقاتلوا في البرّ والبحر والجو بكل ما أمكنهم، فإن الله
يخذلهم، وما النصر إلا من عند الله، إن تنصروا الله ينصركم، وأنتم الأعلون
والله معكم.
سؤال: ما هي المخالفت التي يقع فيها بعض الصائمين والتي كثيرا ما تسألون عنها في هذا الشهر الكريم؟
الجواب: يقع من كثير من الصائمين القائمين مخالفت في هذا
الشهر كثيرا ما نبهوا إليها، وقليل من ينتبه لهذه المخالفات، وقد نبّه
إليها بعض المشايخ في مؤلفات أو نشرات مطبوعة، وأنا أذكر قليلا منها رجاء
الانتباه لها:
فمنها في الصيام: الأكل بعد الأذان وتبين الصبح؛ وذلك لأن الله حدد
وقت الأكل بطهور الصبح، فإذا ظهر الصبح حرم الأكل، وحيث إن الأان علامة
عليه فالواجب التوقف بعده، ولكن إذا كمّل الشراب أو الأكلة الموجودة حال
الأذان جاز ذلك كما ورد به الحديث.
ومنها: التسرّع بالفطر قبل تحقق الغروب حيث إن بعض المؤذنين يعتمدون
على الساعات وقد يكون بها تقديم، فلا يجوز الإفطار إلا بعد تحقيق الغروب.
ومنها: إشغال الوقت بالقيل والقال والغيبة والنميمة وكثرة الكلام، وقد يكون محرما، وذلك ينافي كمال أجر الصائم، ففي الحديث:
{ ربّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، وربّ قائم حظه من قيامه السهر والتعب }.
ومنها: التأخر عن الصلوات وتفويت الجماعة بدون عذر، وهذا من التفريط في حق الله تعالى.
ومنها: هجر القرآن مع أن هذا موسمه، وقد كان السلف رحمهم الله يقبلون فيه على تلاوة القرآن وتدارسه.
ومنها: تخفيف قيام رمضان وتقليل عدد الركعات بحيث يفرغ من التهجد في أقل من ساعة مع أن تهجد النبي
لا يقل عن ثلاث ساعات ونصف وقد يصل الى أربع ساعات أو أكثر.
ومنها: هجران العتكاف الذي هو سنة نبوية حافظ عليها النبي
حتى توفاه الله تعالى.
ومنها: تساهل بعضهم في فعل بعض المكروهات أو بعض المستحبات كالضرب
بالإبر المغذية أو المقوية وإخراج القيء شبه العمد والتبرع بإخراج الدم
وتعاطي الاكتحال والقطرة التي تصل الى الحلق وإن كانت لا تفطر على قول،
وكذا ترك السواك الذي هو من السنن المندوبة ولو كرهه بعض العلماء، فالصحيح
استحبابه.
ومنها السهر الطويل بالليل وقطع الوقت في التسكع والجلوس على الأرصفة أو التردد على الأسواق بدون حاجة، إلى غير ذلك من المخالفات.
سؤال: انتشرت في السنوات الأخيرة مشاريع تفطير الصائمين في المساجد، فما رأيكم فيها؟ وهل تحثون على التبرع لها؟
الجواب: هذه مشاريع خيرية تعاونية يقصد منها الأجر والثواب الوارد في تفطير الصوّام، فقد ورد في الحديث:
{
أن من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء، وكان
مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار، يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما
على مذقة لبن أو شربة ماء أو تمرة، وأن من سقى صائما سقاه الله من حوض
النبي } وحيث إنه الآن كثير من العمال الفقراء، وكذا من المواطنين الذين يعوزهم
الحصول على الأكل وأكثرهم دخله قليل وربما لا يعمل، ولديهم غالبا عوائل
وأسر، فأرى أن تشجيع هذه المشاريع والمساهمة معهم فيه أجر كبير، وكذا يثيب
الله من قام بخدمتهم في الطبخ والاعداد وتقديم المأكولات المناسبة، وكذا من
سعى في جمعهم وإعلامهم وحملهم وإرجاعهم؛ وذلك لأنه من التعاون على الخير،
وهكذا المشاريع الأخرى كجمع التبرعات والزكوات وتفريقها على المستضعفين
وعلى الجمعيات والمبرات الخيرية.
سؤال: هل يلزم الإمام أن يختم القرآن في صلاة التراويح خلال
شهر رمضان؟ وما رأيكم في بعض الصائمين الذين يكون همهم ختم القرآن ولو كان
دون تدبر؟
الجواب: حيث إن شهر رمضان أنزل فيه القرآن، وحيث كان جبريل عليه السلام يدارس النبي
القرآن في رمضان ليلا، فإن لهذا الشهر خصوصية بالقرآن؛ لذلك ندب الإكثار
من تلاوة القرآن في هذا الشهر، وشرعت فيه صلاة التراويح جهرا، وذكر العلماء
أنه يكره الاقتصار في التراويح على أقل من ختمة؛ بل يحرص الامام أن يختم
بالمصلين في هذا الشهر ختمة أو اكثر.
وقد كان الأولون يختمونه عدة ختمات، فقد أدركنا من يختم في القيام
ثلاث ختمات بقراءة متأنية مرتلة مجودة ولو أطال الصلاة، فيقرأ أحدهم في
ليالي العشر كل ليلة خمسة أو ستة اجزاء، وفي العشرين الأولى يختم مرة، ولكن
في هذه الأزمنة ضعفت أكثر الهمم وغلب الكسل، فلذلك رأى بعضهم الإسراع بدون
تدبر حتى يختم مع التخفيف، والأكثرون يقتصرون على نصف ختمة أو أقل،
والمستحب أن يختم ختمة كاملة مع التأني والتدبر ولو زاد في مدة الصلاة ربع
ساعة أو نصف ساعة، ورغّب الجماعة في هذه العبادة، وذكر لهم ثواب الصلاة
وفضل استماع القرآن وتدبره، وحثهم على البقاء مع الإمام حتى ينصرف ليكون
لهم أجر قيام ليلة.
سؤال: ما السنة في قنوت الإمام في صلاة التراويح حيث إن بعض الأئمة يطيل فيه؟ وما حدود ذلك؟
الجواب: القنوت في الوتر مشروع ودليله حديث الحسن بن علي
أن النبي
علمه دعاء يدعو فيه ربه في قنوت الوتر:
{ اللهم اهدني فيمن هديت.. } إلخ. ولم ينقل صريحا أن النبي
كان يقنت في الوتر، ولعله كان يخففه فلم يفطن له، وقد أخذ العلماء من هذا
الحديث استحباب القنوت في الوتر، وجعله بعضهم خاصا بالنصف الأخير من رمضان،
وجعله بعضهم في السنة كلها، وحيث إنه لم يكن النبي
يداوم عليه فأرى أن الأئمة لا يداومون عليه مخافة اعتقاد العامة وجوبه،
وحيث إن الوقت والمكان مما يرجى فيه استجابة الدعاء، فلا أرى بأسا بإطالته،
لكن الإطالة المملة مكروهة، والاقتصار على الأدعية المأثورة أو التي تهم
المسلمين مما يندب إليه. والله أعلم.
سؤال: تقارب المساجد أدى في بعض الأحيان الى تداخل الأصوات
في صلاة التراويح، ففي هذه الحال هل الأفضل الاقتصار على مكبرات الصوت
الموجودة داخل المسجد أم ماذا؟
الجواب: على هؤلاء الأئمة أن يخفضوا أصوات الميكروفونات
وتكون بقدر ما يسمع المصلون الحاضرون أو القريبون، ولا يحصل تشويش على أهل
المساجد الأخرى، ومت تضرر أهل مسجد من آخر فعليهم نصحهم، وإن لم يقبلوا
رفعوا أمرهم الى الوزارة أو الى الهيئة أو الإمارة سعيا لإزالة الضرر.
والله اعلم.
سؤال: بعض الناس في رمضان ينتقلون من مسجد إلى آخر بحثا عن إمام حسن الصوت، مدعين أن ينشطهم، فما حكم عملهم هذا؟
الجواب: لا بأس بذلك، ولا يلزمهم الصلاة في المسجد القريب
منهم، فإن الأئمة يتفاوتون في حفظ القرآن وتجويده وحسن الصوت والترنم
والتغني بالقرآن والخشوع في الصلاة والطمأنينة فيها، ولا شك أن القارئ
المتفوق في هذه الأوصاف تخشع لصوته القلوب، ويحصل لها رقة وحضور قلب وتأمل
وتدبر وتعثل للصلاة وللقراءة أكثر من غيره، وذلك مما يعظم به الأجر،
ويتفاوت به العمل؛ فلا جرم أن رأينا بعض الأئمة تمتلئ المساجد عندهم في
التراويح ولو كانوا يطيلون أو يزيدون في عدد الركعات، محبة لهم وحرصا على
زيادة الأجر في الخطوات والمسير نحوهم، ولما يتجدد في القلب من قوة الإثر
للصلاة وللقرآن، وذلك كله مطلوب من العبد. فإذا لم يجد من الإمام القريب ما
يشجعه على الخشوع والانصات والإقبال على الصلاة جاز له الذهاب الى غيره،
ولو صلى كل ليلة مع واحد للتجربة والحرص على الفائدة المطلوبة من هذه
الصلوات. والله اعلم.
كتبه: عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين