((وَمَا أَدْرَاكَ
مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ))
.راشد عبدالرحمن العسيري
.
بسم الله الرحمن الرحيم[/size]
.
ليلة عظيمة القدر ، رفيعة الشأن ، من حاز شرفها فاز وغَنِم ، ومن خسرها خاب
وحُرِم ، العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر .
ليلة مباركة يكفي بها قدراً أن الله جل شأنه أنزل فيها خير كتبه ، وأفضل
شرائع دينه ، يقول الله تعالى فيها : (( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ
الْفَجْرِ)) .
ليلة القدر ليلة ليست كبقية الليالي ، أجرها عظيم ، وفضلها جليل ، المحروم
من حُرم أجرها ولم ينل من خيرها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ )) .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم زمانها فقال عليه الصلاة والسلام : ((
الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ )) ، وقرب للناس
وقتها ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي
الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ )) ، فهي في الأوتار
منها بالذات ، أي ليالي : إحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وخمس وعشرين ، وسبع
وعشرين ، وتسع وعشرين .
ورجّح بعض العلماء أنها تتنقل في هذه الليالي الوتر ، وليست في ليلة معينة
كل عام ، قال النووي رحمه الله : " وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث
الصحيحة في ذلك ، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها " .
وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم على أفضل ما نقول إذا وافقنا هذه
الليلة ، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول
الله : أرأيت أن وافقت ليلة القدر ما أقول ؟ قال : قولي : (( اللَّهُمَّ
إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي )) .
ولليلة القدر علامات تُعرف بها ، ثبتت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن
هذه العلامات :
العلامة الأولى : أنها ليلة مضيئة ، فعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةٌ بَلَجَةٌ ،
لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ ، وَلا يُرْمَى فِيهَا بِنَجْمٍ )) .
العلامة الثانية : أن ليلتها معتدلة ، لا حارة ولا باردة ، فعن ابن عباس
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ ،
لا حَارَّةٌ وَلا بَارِدَةٌ ، تُصْبِحُ الشَّمْسُ يَوْمَهَا حَمْرَاءَ
ضَعِيفَةً )) .
العلامة الثالثة : أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها ، فعن أبيّ بن كعب
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من علاماتها أن الشمس
تطلع صبيحتها لا شُعاع لها .
فالاجتهاد الاجتهاد في ما بقي من أيام وليالي هذه العشر، علنا نوافق ليلة
القدر ، وننال ما فيها من عظيم الثواب والأجر، اقتداء بالحبيب المصطفى صلى
الله عليه وسلم، وأن نكثر فيها من الدعاء والتضرع إلى المولى عز وجل لنا
ولإخواننا المسلمين .
لا حرمنا الله من خيرها ، وجعلنا الله ممن يوافقونها ، وينالون أجرها .