تاريخ التسجيل : 08/09/2011عدد المساهمات : 4نقاط : 48246الجنس :
موضوع: عائد فارس الأحلام 08/09/11, 05:32 pm
ح1 : عودة الى الجذور
في إحدى غرف المستشفيات كانت هناك فتاة في ريعان شبابها تحيط بها الإجهزة من كل مكان فجأة دخل الى الغرفة رجل كان طويل القامة وسيم فتح ستائر النافذة ثم جلس الى جانب الشابة النائمة فأمسك بيدها يداعب أصابعها الصغيرة ثم نزع خاتم الزواج من يده وأخذ ينظر اليه بإمعانٍ شديد ... حتى نطقت شفتيه بصوتٍ حزين يخفي رغبة بطلنا عائد في البكاء وأخذ يتحدث اليها بصوتٍ مليءٍ بالحب والحنين ....
عائد ليتك تعلمين كم اتوق اليكِ ، متى ستعيدين الي ابتساماتي المسروقة ؟ اعلم انكِ تفتقدينني ايضاً .... لذلك قررت ان اعيدكِ الى لحظاتنا السعيدة تلك ، أتذكرين ؟؟ عندما كنت هناك في ماضيك حيث قرر القدر ان يجمعنا معاً ، كانت المرة الوحيدة التي لم يحاول فيها التفريق بيننا .
حينها جلسنا ننتظر رحلة عودتنا الى لبنان ، كانت طائرتنا متأخرة بعض الشيء وكنت قد انهيت للتو مهمتي في باريس، متأهباً لمهمة مشوقة جديدة !! فهذه طبيعة عملي يا عزيزتي .
كنت جالساً في غرفة الإنتظار اتناول البسكويت ، وفجأة امتدت يدك تشاركني !! كان بريق عينيكِ مخبئاً خلف نظاراتك السوداء، اما شعرك الأسود الداكن الطويل فقررتِ ان ترفعيه في سجنه ، تحت قبعتك الحمراء، لطالما احببتي هذا اللون ! وكان في يدك الأخرى رواية "بريدا" ، فأدركتُ حبك ِ لقصص السحر والخيال .
بالتأكيد تذكرين كيف بادلتيني بنظراتٍ غاضبة ، ثم بدأتِ تأكلين بشراهة ، قطعة تلو الأخرى ، كنت مستغرباً لما تفعلينه فظننتك مجرد فتاة معتوهة ، ولكنك كنت ظريفة يا عزيزتي!
لم ادرك انه لم يبقى سوى قطعة واحدة ، فأشرت بيدي اليكِ لأخذها معلناً استسلامي . لكنكِ صدمتني لدى وقوفك ... فلقد جعلتي النور يغمر المكان عندما نزعتي نظاراتك،ليضئ المكان بلون عينيكِ الخضروتان ... لكن كان بداخلهما بريق ازرق !! لا يهم ما هو لونهما فقد سحرت بهما ، فلم ارى اجمل منهما في حياتي .
صعقتُ عندما بادلتِ عيني بنظرات الحقد ... وعندما تجرأتُ لمحادثتكِ قاطعني احد ضباط الأمن ليطلب مني خدمة ،
" سيد عائد هنالك أمر ضروري يجب ان تطلع عليه ! " ،
فأخبرته بأنني سألحق به بعد دقائق فلعلي البي نداء القدر ... وعندما استدرت .... لم اجدك .... لم اجد غريبة الاطوار تلك....
لم أجد الفتاة التي اسعدتني وقاحتها .... حينها يا عزيزتي لم ادرك ان القدر يدبر لنا موعداً آخر .... مكيدة ...
تحت وابلٍ من الرصاص !
في عالم آخر خال من البشر وقفت راما تستمع لحديث زوجها عائد ... لم تفهم ماذا يجرى ... أخذت تبحث عن مخرج يخلصها من تلك الطرقات الخالية ... فجأة وجدت نفسها في المطار ... لكن لم يكن فيه أحد ... لم يكن فيه سوى الصمت أخذت تبحث عن عائد في جميع الأرجاء فلعله ينقذها من سجنها الوهمي ... وبعد محاولات فاشلة جلست على احدى مقاعد الإنتظار وأخذت تذرف دموعها وهي تتحدث الى زوجها في العالم الآخر...
راما
ها انا هنا وحدي ، ابحثُ عنكَ في صفحات الماضي! لكنكَ لم تكن هنا ، لم يكن هنا سوى الصمت! ... صمتٌ سيقتلني . اتذكر عندما كنا جالسين هنا ... اتذكر قطعة البسكويت تلك . كيف انسى ما جرى عندما صعدت الى الطائرة ... كنتُ غاضبة جداً لوقاحتك ! نعم، فلقد كنت اسأل نفسي عن قلة تهذيبك التي سمحت لك بأن تمد يدك لتأكل من علبة البسكويت خاصتي دون ان تطلب الإذن لذلك ، لقد اتضح لي مدى غضبي عندما بدأ الركاب يحدقون بي فلن يتسنى لهم رؤية فتاة مجنونة تتحدث لنفسها فلقد اخذت اردد " يا لوقاحته !" حتى اخفت العجوز التي كانت بجانبي فأخذت نفساً عميقاً وابتسمت لها ثم فتحت حقيبتي لاتابع قراءة روايتي ، حينها صعقت لوجود علبة البسكويت خاصتي في حقيبتي وكم غضبت حينها لوقاحتي... كانت فرصة الاعتذار قد فاتت ، دقائق معدودة تفصلنا عن موعد الإقلاع ولم اكن افكر الا عن سبب عدم معاتبتك لي عن تصرفي السيء .
بعد ان حلقت الطائرة في السماء واخذ الجميع اماكنهم ، كان يجلس خلفنا رجل ومعه ابنه الصغير، ما اثار حيرتي هو اصرار الطفل عن السؤال عن والدته . لكن العجوز الهتني عما يجري في الخلف عندما اخرجت من جيب قميصها صورة قديمة و اخذت تنظر اليها ، كان في الصورة زوجين والى جانبهما ثلاثة اطفال . اردت ان أسالها عن هويتهم لكنني تراجعت عندما رأيت الدموع في عينيها ربما شعرت بفضولي وقررت ان تفتتح الحديث فقالت : " هذه الصورة كانت لوالداي وهذان الصغيران هما اخوي كليهما قتلا في الحرب اما هذه الطفلة فقد كانت انا ... انظري الي كم تغيرت " اجبتها " جميعنا نتغير فهذه هي الحياة ، انا مثلا من كان يتخيل اني سأرى باريس ، اه يا سيدتي ليتك تعلمين كم سررت عندما وافقوا على اعطائي حق زيارة جدتي هناك شعرت بأن العالم بأكمله يبتسم لي "
" اه لا تكوني واثقة ، ما زلتِ صغيرة لا تعرفين ما يخبأ لك القدر ، لقد عشت هنا ما يزيد عن اربعين سنة وثقي بي لم اشعر يوما انني في منزلي ، حتى الآن اينما ذهبت اشعر اني غريبة في مكان غريب . وها انا اعود الآن الى جذوري بعد فراق طويل فقط لانه لم يبقى لي أحد في تلك البلاد فلقد خسرتهم جميعا زوجي ، وابنائي الذين لا يسألون عني حتى انني لا اعرف اشكال احفادي ، قد سرقت مني الحياة حبهم وابعدتني عنهم قسوة قلوبهم التي انبتتها ظروف المعيشة " .صمتت العجوز بعد ان اخرجت كل ذلك الحزن من قلبها لفتاة غريبة لا تعرفها ... نعم يا عزيزي لطالما كنت تقول لي اننا احيانا نفشي الآمنا للغرباء لكي لا نُحمل من نحبهم معرفة ذنوبهم .
وأخيرا ً وصلنا الى جذورنا الى أرض لبنان البلاد التي نشأت فيها ، نعم لقد كنت في غاية السعادة اخذت حقائبي ثم انتبهت ان زميلتي في الطائرة كانت تقف امامي بضعت خطوات فقط اردت تهنئتها للعودة لكني انتبهت انها كانت تتلفت يميناً وشمالاَ لعلها حزينة لانها لم تجد من ينتظرها ، اقتربت منها لأدعوها للتعرف الى عائلتي وسرعان ما وضعت ذراعي على كتفها حتى انطلق صوت الرصاص وعم الرعب في المكان، وفجأة سقطت العجوز المسكينة بين ذراعي ، كانت ميتة، أخذت اصرخ طالبة النجدة دون جدوى ثم نظرت الى الامام كانت هناك امرأة ، تلك هي المجرمة التي حررت هذه العجوز من قسوة الحياة ثم جاء رجل من خلفها . ذلك الرجل كان انت ، كنت هنا يا عزيزي حيث اقف الآن لكنك غير موجود ، اختفت صديقتي العجوز ، وانت ايضا اختفيت ولم يبقَ من عالمي سوى الفراغ.
منقولة عن
F.H MAGAZINE
دلوعة بنات
تاريخ التسجيل : 24/04/2011عدد المساهمات : 726نقاط : 50755