بين رمضانين
محمد سليمان الأحيدب
هي
صور تتكرر في كل صلاة، ولكن كون رمضان حافلاً بالكثير من الصلوات، والمزيد
من الروحانية والخشوع، دعونا نستشهد برمضان وبصلاة التراويح والتهجد
تحديداً.
عشرات
الصفوف من المصلين الخاشعين على اختلاف ظروفهم وأحوالهم ومشاربهم وشكواهم،
منهم الغني والفقير، التاجر والمستهلك، الرئيس والمرؤوس، الوزير والموظف
الصغير، المدير والعامل الأجير.
أكف
ترتفع جميعاً إلى السماء، في وقت واحد، تؤمن خلف الإمام (آمين)..، أكف
ناعمة وأخرى متشققة من كدح العمل، أصبع تزينها الخواتم والدبل، وأصبع يلفها
لاصق الجروح.
أكتاف
متلاصقة، كتف يعلوه (بشت) ناعم مطرز بإطار من ذهب، وكتف يعلوه قميص قد من
حمل الخشب، وبقايا بودرة الاسمنت كلهم سواء، وكلهم في حالة خشوع، وربما
بكاء يرجون ما عند ربهم تضرعاً وخشية من يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
السؤال الذي يطرح نفسه كل عام، هو ماذا بعد رمضان؟!
هل
يعطف الغني على الفقير فيتصدق طوال العام؟ هل يرفق التاجر بالمستهلك فلا
يغشه، ولا يخدعه، ولا يستغل ضعفه، ويوفي له الكيل والميزان، ولا يبالغ في
رفع الأسعار، ولا يحجز البضائع؛ لترتفع أسعارها، ولا يبيعه الرديء بسعر
الجيد، والتالف بسعر الصالح؟!، وهل يصدق المستهلك مع التاجر فيوفي بالدين،
ولا يستبدل بضاعة أتلفها أو يتلف صالحاً ليستبدله؟!.
هل
ينصف الرئيس المرؤوس، ويعدل بين المرؤوسين، فلا يفضل صهراً أو قريباً، ولا
يظلم موظفاً أو موظفة مستغلا نفوذه وعلاقاته وضعف مرؤوسيه؟
وهل يخلص المرؤوس العمل ويعطيه حقه ولا يدعي على رئيسه كذباً وبهتاناً، أو يطلب ما ليس له بحق؟!.
هل
يخلص الوزير عمله لله، ويستجيب لأمر ولي الأمر بسرعة إنجاز مصالح الناس،
وحل مشاكل وزارته، واستغلال وقته وقدراته لمنفعة الناس والإخلاص لوطنه بدلا
من السعي لذاته، وهل يتبع القول بالعمل، بل ويسبق عمله قوله كما أوصاه
قادته؟
هل
يتعظ المدير ويتذكر أن فوق كل ذي علم عليم، وأن إهماله لشؤون المراجعين
والمرضى والموظفين والضعفاء والمأجورين قد تمنع استجابة دعائه، بل قد تعجل
باستجابة دعاء الناس عليه، وهل يخلص الأجير في أداء عمله فلا يغش في بناء
ولا تكلفة ولا أداء عمل صغر أم كبر؟
هل
يؤثر فينا رمضان حتى يأتي رمضان بعده وقد أخلصنا العمل لوجه الله بين
رمضانين حتى ندعوه فيستجيب لنا، أو نلقاه وقد رضي عنا، هذا ما نرجوه من كل
مسلم.
اللهم لا تجعل حظنا من صيامنا الجوع والعطش، ولا من قيامنا السهر والتعب