الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين .
أما بعد:
نص القصة:
هذه
قصة حدثت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أفضل الخلق بعد الأنبياء،
وهما أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- وهذه القصة يرويها أبو الدرداء - رضي
الله عنه- فيقول: (كانت بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- محاورة فأغضب
أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم
يفعل، حتى أغلق بابه في وجهه. فأقبل أبو بكر إلى رسول الله - صلى الله
عليه وسلم- فقال أبو الدرداء: ونحن عنده, وفي رواية: أقبل أبو بكر آخذاً
بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (أما
صاحبكم فقد غامر). فسلم وقال: يا رسول الله! إني كان بيني وبين بن الخطاب
شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي فأقبلت إليك
فقال:"يغفر الله لك يا أبا بكر" (ثلاثاُ) ثم إن عمر ندم على ما كان منه
فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبا بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النبي - صلى
الله عليه وسلم- فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم- يتمعر؛ حتى أشفق أبو
بكر فجثا على ركبتيه، وقال: يا رسول الله! والله أنا كنت أظلم (مرتين)
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال
أبو بكر: صدقت وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي" (مرتين) فما
أوذي بعدها) ([1]).
التعليق على القصة:
هذا الحديث فيه وقوع شيء من
الخلاف كما يقع بين البشر بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- فأخطأ أبو
بكر في حق عمر ثم ندم أبو بكر، فأراد أن يستسمح من عمر (فتأبدى عليه) فذهب
أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- حاسراً ثوبه عن ركبته فما رآه
النبي - صلى الله عليه وسلم- على هذه الحالة قال: (أما صاحبكم فقد غامر)
يعني دخل في غمرة الخصومة وقيل سبق بالخير، فسلم أبو بكر على النبي - صلى
الله عليه وسلم- وجلس إليه وقص عليه القصة، وقال: كان بيني وبين بن الخطاب
شيء من المحاورة والمراجعة والمقاولة والمعاتبة فأسأت إليه، أي فأغضبته، أي
أن أبا بكر أغضب عمر، فانصرف عنه مغضباً فاتبعه أبو بكر قال أبو بكر: ثم
ندمت على ما كان فسألته أن يغفر لي، أي أن يستغفر لي فلم يفعل حتى أغلق
بابه في وجهي فأبى، وفي رواية: (فتبعته إلى البقيع حتى خرج من داره وتحرّز
مني بداره) فاعتذر أبو بكر إلى عمر فلم يقبل منه فقال النبي - صلى الله
عليه وسلم-
يغفر الله لك يا أبا بكر)" ثلاثاً" ثم إن عمر ندم فذهب إلى بيت أبي بكر
الصديق – رضي الله عنه- لكي يصافيه ويعتذر منه، فسأل عنه فقالوا: خرج من
المنزل، فذهب عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فوجده عنده، فلما سلم
عمر وجلس عنده جعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم- يتمعر يعني تذهب نظارته
من الغضب، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم -أبيضاً جميلاً كأنّ القمر يجري
في وجهه - صلى الله عليه وسلم- فجعل وجهه يحمر من الغضب .وفي رواية:" فجلس
عمر فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم تحول فجلس إلى الجانب الآخر
فأعرض عنه، ثم قام فجلس بين يديه فأعرض عنه، فقال عمر: يا رسول الله ما
أرى إعراضك إلا لشيء بلغك عني، فما خير الحياة وأنت معرض عني"؟ أي خير لي
في هذه الحياة إذا كنت معرضاً عني، فقال: (أنت الذي اعتذر إليك أبو بكر فلم
تقبل منه؟! وفي رواية: (يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل) فقال: والذي
بعثك بالحق ما من مرة يسألني إلا وأنا أستغفر له، وما خلق الله من أحدٍ أحب
إلي منه بعدك" فقال أبو بكر: "وأنا والذي بعثك بالحق كذلك".
ولما تمعر
النبي - صلى الله عليه وسلم- أشفق أبو بكر أن يكون من رسول الله - صلى الله
عليه وسلم- لعمر ما يكره، فجثا أبو بكر أي برك على ركبتيه وهو يقول للنبي -
صلى الله عليه وسلم- : والله أنا كنت أظلم، قال ذلك؛ لأنه كان هو البادئ،
فجعل أبو بكر يعتذر حتى لا يجد النبي - صلى الله عليه وسلم- في نفسه على
عمر.
يقول أبو بكر: أنا كنت أظلم ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم- بين
فضل الصديق – رضي الله عنه- فأخبرهم بأن الله بعثه فقلتم: (كذبت، وقال أبو
بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله). وآساني من المواساة، وصاحب المال يجعل
يده ويد صاحبه في ماله سواء، ولهذه سميت مواساة. يقول النبي - صلى الله
عليه وسلم- "فهل أنتم تاركو لي صاحبي" وفي رواية : " تاركوه " وجزم بعضهم
بأن خطأ ووجه بعضهم ببعض الوجوه في اللغة لما قال لي النبي - صلى الله عليه
وسلم- فهل أنتم تاركو لي صاحبي فهل أنت تاركو لي صاحبي فما أ بعدها.
فوائد القصة:
هذه الحادثة يؤخذ منها فوائد متعددة فمن هذه الفوائد:
1.
فضل الصديق - رضي الله تعالى عنه- ومكانته في الإسلام: فهو السابق إلى
الإسلام، وأكثر من نفع الدعوة على الإطلاق، واسى النبي - صلى الله عليه
وسلم- بأهله، وماله، ونفسه، ولما جعل الكافر بخنق النبي - صلى الله عليه
وسلم - وأبو بكر يذب عنه، ويقول: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله}([2])،
وهو الذي دفع ماله كله في سبيل الله، وهو الذي حمى النبي - صلى الله عليه
وسلم- في الهجرة وكان يدعوا إلى الله وأسلم على يده عدد من كبار الصحابة -
رضي الله عنهم - وهو الوزير الأول للنبي - صلى الله عليه وسلم- وصاحب الرأي
الأعظم بعد النبي - صلى لله عليه وسلم - وهو أفضل الأمة بعد النبي - عليه
الصلاة والسلام - وهو خليفته من بعده، وهو الذي تصدى للمرتدين لمّا غمّي
الأمر على عدد من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- فقام بالأمر بعده
وقف ذلك الموقف المشهود.
وكان أفقه الصحابة لما مات - عليه الصلاة
والسلام- واضطرب الأمر عندما تلى عليهم قول الله: {إنك ميت وإنهم
ميتون}([3]) وقوله: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو
قتل انقلبتم على أعقابكم}([4]) فكأن الناس سمعوها لأول مرة، فعلم الناس أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - مات. وهو الذي قال في قتال المرتدين في ذلك
الموقف العظيم: (والله لو منعوني عقالاُ كانوا يؤدونه للنبي - صلى الله
عليه وسلم- لقاتلتهم عليه)[5]. وهو الذي أنقذ المسلمين في سقيفة بني ساعدة
من التفرق والتمزق - رضي الله عنه- وهو الذي استتب بسببه الأمر لما كفر
العرب أجمعون إلا أهل المدينة، ومكة، طائفة قليلة من العرب، وبدأ في عهده
التجهيز لغزو فارس والروم. وهو أحب الرجال إلى النبي - عليه الصلاة
والسلام- وبنته أحب النساء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحصل أنه حدث
بينه وبين عمر هذه الخصومة([6]).
2. والفائدة الثانية: أن الفاضل لا
ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه: وينبغي أن يحفظ له حقه، وأن الشخص
الفاضل ينبغي أن يكون له مكانه في المجتمع، ولا يرد عليه، ولا يمنع طلبه،
وإنما يعطى حقه ويلبي حاجته وطلبه، لفضله ومكانته.
3. جواز مدح المرء في
وجهه إذا أمنت الفتنة :فإن الأصل عدم جواز مدح المرء في وجهه، ولكن إذا
أمنت الفتنة جاز ذلك، كما مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر في
محضر من الصحابة لما علم الله أن أبا بكر من الأتقياء الذين لا يغترون
بالمدح والثناء. والنبي - صلى الله عليه وسلم- صاحب الوحي هو الذي مدح
الصديق في حضرة الصحابة، فإذا أمن الافتتان والاغترار على الشخص جاز مدحه
للمصلحة؛ كبيان فضله حتى يعطى حقه، ولا يعتدى عليه، ويتجرأ عليه الناس.
4.
أن الغضب يحمل الإنسان على ارتكاب خلاف الأولى، وترك الأفضل أو ترك ما
ينبغي فعله في ذلك الموقف، فيصرف الإنسان عن الرؤية الصحيحة، فلا يتخذ
الموقف الصحيح.
5. أن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الحق :فإن الناس
يخطئون، والصحابة بشر يخطئون، ولكن ما هو الفرق بيننا وبين الصحابة؟ الفرق
أن الصحابة أخطائهم معدودة، ولكن إذا أخطئوا سرعان ما يرجعون إلى الصواب -
رضي الله تعالى عنهم- فالمشكلة حصلت بين أبي بكر وعمر، فبسرعة رجع أبو بكر
وبسرعة رجع عمر، فندم أبو بكر ليس بعدها بساعات طويلة وأيام أو شهور؛ وإنما
ندم مباشرة فرجع إلى بيت عمر، ولما أخطأ عمر ولم يقبل اعتذار أبي بكر ندم
عمر بسرعة، وذهب إلى بيت الصديق. وهذه الميزة وهي سرعة الرجوع إلى الحق هي
التي ميزت أولئك القوم حتى صاروا أفضل الأمة، واختارهم الله لصحبة نبيه،
ونصرة دينه، والجهاد مع نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- ومعايشة نزول
الوحي، فهم أنصاره ووزراءه - رضي الله عنهم- وهم أفقه الأمة وأعلمها
بالحلال والحرام، وأبرها قلوباً - رضي الله تعالى عنهم- ولا يبغضهم إلا
منافق ولا يسبهم إلا ملعون.
وفي أبي بكر وعمر ينطبق قول الله –تعالى-:
{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}([7])
.فهؤلاء المتقون إذا مسهم طائف من الشيطان من غضب أو خصومة أو سوء تفاهم
فسرعان ما يتذكرون، فيرجعون إلى الصواب والحق، فإذا هم مبصرون.
فالصحابة
بشر يخطئون وهل هناك أعظم وأفضل من أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما-
بعد النبي - صلى الله عليه وسلم-؟! ومع ذلك حصل منهم ما يحصل من البشر من
سوء التفاهم. فهم بشر يقع منهم الخطأ وليسوا ملائكة، ولكنهم راجعين إلى
الحق.
6. استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم: فإن الإنسان إذا
ظلم أخاه, أو تعدى عليه, أو أساء إليه, أو أخطأ في حقه، فإن المندوب له أن
يأتيه، ويطلب منه أن يستغفر له، وأن يتحلل من هذا المظلوم. ويقول له:
"سامحني حللني استغفر لي تجاوز عني "ونحو ذلك، فمن كانت له عند أخيه مظلمة
فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، ولكن بالحسنات والسيئات.
7.
أن الإنسان إذا غضب على صاحبه فربما نسي اسمه وربما نسبه إلى أبيه أو جده:
كما قال أبو بكر - رضي الله عنه- كان بيني وبين بن الخطاب شيء.
8. أن الركبة ليس بعورة؛ لأن أبا بكر جاء وقد حسر عن ركبتيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليه.
9.
أن الإنسان لا ينبغي له أن يرد اعتذار من اعتذر إليه وأن يغلق الباب في
وجهه، أو يرفض قبول الاعتذار، وهذه يعملها عدد من الناس، فمن فجورهم في
الخصومة تراهم لا يقبلون الاعتذار، ولا يرجعون عن خطئهم، وربما يبقون
سنوات، ولا يقبلون الاعتذار، وكلما حاول الشخص أن يعتذر إليهم لم يقبلوا
منه، ربما إلى الممات لا يقبلون المعذرة ولا يسامحون، فهذه ليست من شيم
المؤمنين، ولا من أخلاق المتقين، وإنما هذه من صفات المعاندين الذين ركب
الشيطان على رؤوسهم فنفخهم, فجعلوا يرفضون الاعتذار والعودة والقبول للحق،
وإنما شيم الرجال المؤمنون أن يكونوا لينين يقبلون عذر من اعتذر إليهم.
10.
أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يعرف بالتوسم حال أصحابه: فلمجرد ما
رأى أبا بكر قال: ( أما صاحبكم فقد غامر) فعرف ما به من هيئته، وشكله،
ومنظره، وطريقة تشميره عن ثيابه.
11. أن الإنسان إذا أراد أن يستسمح من
آخر فليأته في بيته: فهذا أبو بكر لما أخطأ في حق عمر لحقه إلى بتيه،وكذلك
عمر لما ندم جاء إلى أبي بكر في بيته؛ لأن الإتيان إلى البيت فيه مزيد من
تطييب الخاطر، وإظهار الكرامة للمخطأ عليه؛ لأنه يأتيه في بيته، وفيه مزيد
من الاعتناء بالاعتذار؛ لأنه ليس في الشارع أو بالهاتف أو يرسل له رسالة،
أو يوكل شخصاً ويقول اعتذر لي من فلان، وإنما يأتيه في بيته. وهذا ما ينبغي
أن يفعل عند حدوث الخطأ.
12. أن الإنسان إذا حدثت بينه وبين أخيه مشكلة
لم يستطع أن يحلها فإن عليه أن يلجأ إلى الله ثم إلى أهل العلم، وأن يقص
القصة دون زيادة ولا نقصان: فإن أبا بكر لما أيس من مسامحة عمر له جاء إلى
النبي - صلى الله عليه وسلم- وقص عليه الخبر حتى يقوم النبي - صلى الله
عليه وسلم- بالتدخل والمصالحة أو بيان الحق في مسألة أو حكم أو ونحو ذلك.
13.
تواضع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-: وذلك لما جعل يقول: " والله يا
رسول الله لأنا كنت أظلم" ولم يشأ أن يسكت حتى النبي - صلى الله عليه وسلم-
يشتد على عمر أكثر؟ لم يكن يسر أبا بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم-
يشتد على عمر، وإنما كان أبو بكر يريد سرعة المسامحة والاعتذار، والتوبة
مما بدر منه، وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يشتد على عمر، ولا
يعنفه بمزيد من التعنيف؛ ولذلك تدخل أبو بكر ولم يدع النبي - صلى الله عليه
وسلم - يكمل الاشتداد على عمر وجعل يعترف، ويقول: أنا كنت أظلم، رأفة
ورحمة بأخيه عمر وإنقاذاً له من الموقف الحرج؛ لأن النبي - عليه الصلاة
والسلام - يتكلم وليس كلامه ككلام غيره، وبحضرة الصحابة الآخرين، فهو موقف
صعب على عمر، فلم يقل أبو بكر :أدعه يلقنه درساً لا ينساه حتى يتعلم مرة
ثانية ألا يسئ إلي مرة ثانية؛!! كما يقع من بعضنا في مثل هذا الموقف
فالصديق أرفع درجة من ذلك.
14. أن الفاضل ينبغي أن لا يؤذى، وإنما يحفظ
حقه وينشر فضله؛ كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "هل أنتم تاركو
لي صاحبي" فينبغي أن يشهر وتنشر فضائله بين الناس؛ إذا كان له سابقة وفضل،
وأن ينوه بسابقته وفضله حتى يترك الناس إيذاءه ويعرفوا مقداره وقيمته وحقه،
فيكفوا شرهم عنه. فقال - عليه الصلاة والسلام-:"إني رسول الله إليكم
جميعاً فقلتم: كذبت وقال أبو بكر صدقت، وواساني بنفسه وماله فهل أنت تاركوا
لي صاحبي"، فنوه بفضله، وقيمته، ومنزلته حتى لا يعتدي عليه.
15. أن
الإنسان المخطئ عليه أن يخشى على نفسه من العقوبة: ولذلك عمر - رضي الله
عنه- لما جاء جلس عن يمين النبي - عليه الصلاة والسلام - ثم عن شماله ثم
بين يديه، ثم قال: يا رسول الله فما خير الحياة وأنت معرض عني. يقول إذا
أنت غضبت علي فلا خير في العيش لي، إذا غضبت علي فلا يمكن أن يطيب لي عيش،
وأنت علي غضبان.
16. ينبغي استرضاء العالم والقدوة والكبير إذا غضب، ويسارع إلى التخفيف من غضبه، ويبادر إلى الاعتذار منه، وطلب عفوه ومغفرته.
17.
فضيلة الإعلان بالرجوع عن الخطأ؛ لأن بعض الناس لا يقوى على الإعلان
بالرجوع عن الخطأ، وإنما يريد أن يعتذر سراً وليس أمام الناس ولكن أبا بكر
يقول و يعتذر أمام الناس "أنا كنت أظلم" أمام الجميع، وعمر جاء يعتذر أمام
الجميع فلم يكن ليمنعهم عن إظهار الاعتذار أن يكون بعض الناس حاضرين
ويقولون كما هو لسان حال بعض الناس اليوم يقولون نحفظ ماء وجوهنا؛ وإنما
الصحابة ليس عندهم مانع أن يعتذر الإنسان ويعترف بخطئه أمام الآخرين.
18.
أن أفضل رجلين في الإسلام بعد النبي - عليه الصلاة والسلام- ما نقص من
قدرهما، ولا من قيمتها أنهما أخطئا، فرجعا عن خطئهما: فهذه القصة نشرت
وذكرها المؤلفون في كتبهم، فلا يجد الإنسان في نفسه حرجاً من أ نه إذا أخطأ
أن يتوب ويعتذر ويطلب العفو والمسامحة، فخطأ أبو بكر وعمر- رضي الله
عنهما- يعلمنا كيف نتعامل مع من أخطاء، وكيف نعتذر، وهذه من بركتهما أنهما
أخطأ من أجل بيان ما ينبغي عليه الإنسان إذا أخطأ على صاحبه ورفيقه.
19.
ومن الفوائد أهمية تقديم المال والدعم للدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى-:
وأن الإنسان إذا قدم المال والنفس للدعوة إلى الله، فإن ذلك مما يرفع قدره
ومنزلته، ويستوجب صيانة حرمته، والكف عن إيذائه؛ لأن التقديم في سبيل
الدعوة عبادة عظيمة ومنفعته نفعه متعديه للآخرين، من نشر العلم وإيصال
والهداية إلى الآخرين، والتسبب في إنقاذ ناس من النار ولذلك الصديق من
أسباب علو منزلته قال: وواساني بنفسه وماله فتصديق أبو بكر للداعية الأول،
النبي - صلى الله عليه وسلم- مواساة بالنفس، فقد عرض نفسه للخطر في عدد من
المواضع من أجل النبي - صلى الله عليه وسلم- وواساه كذلك بماله، فتقديم
الجهد، وتقديم التضحية لا شك أن لها فضل عظيم؛ لأن الدعوة مجال لهداية
للناس ونشر النور إلى الآخرين.
20. إن الإنسان كلما كانت سابقته أقدم في
الدعوة وتقديمه أكثر من غيره كلما كان أفضل: ولذلك الله - عز وجل- قال:
{لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين
أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى}([8]) فالذي أنفق في وقت غربة
الدين، وفي وقت ضعف المسلمين في المرحلة المكية، وفي زمن الاضطهاد وفي وقت
الحاجة الماسة؛ لا شك أن بذله أكثر أجراً من غيره ممن بذل في وقت الرخاء
والسعة.، ولذلك فإن المبادرة لتقديم والعطاء والبذل في الدعوة وفي سبيل
الله يكون أجره أكبر وأعظم ممن تأخر ولم يسارع ؛مع أن لكلهم أجر، وكلاً وعد
الله الحسنى.
[1] - البخاري مع الفتح رقم (3661) ورقم (4640).
[2] - غافر 28.
[3] - الزمر 30.
[4] - آل عمران 144.
[5] - جزء من حديث أخرجه البخاري رقم(6855) .ومسلم 1/51 رقم 20. النسائي 3432. وغيرهم
[6]
- انظر فضائله في صحيح البخاري مع الشرح، 7/20 وما بعدها. كتاب الفضائل.
ط/ دار الريان بالتراث. القاهرة وصحيح مسلم شرح النووي 5/149. كتاب فضائل
الصحابة. ط/ دار الريان للتراث وغيرها من كتب الفضائل.
[7] - الأعراف 201.
[8] - الحديد 10.