روائع رسائل الخلفاء الراشدين رسالة أبي بكر الصديق إلىأسامةبن زيد لمَّا مَرِضَ رسول الله صلى اللهعليه و سلممرضه الذي تُوُفِّيَ فيه قال: "أَنْفِذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ" فقُبِضَ رسول الله صلى الله عليه و سلموأسامة بالجُرْفِ[1]، فكتب أسامة إلى أبي بكر: "إنَّه قد حدث أعظم الحدث، وماأرى العرب إلاَّ ستكفر، ومعي وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلموحدهم، فإن رأيتَ أن نقيم". فكتب إليه أبو بكر فقال: "ما كنتُ لأستفتح بشيء أوَّل منردٍّ أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولأنْ تَخْطِفَنيالطيرُ أحبُّ إليَّ من ذلك، ولكن إنْ رأيتَ أنْ تأذن لعمر فأذن له". ومضى أسامةلوجهه. ....................... [1]الجُرْف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام.. رسالة أبي بكر الصديق إلىخالدبن الوليد لما فرغ خالد من أمر اليمامة،كتب إليه أبو بكر الصديق t، وخالد مقيم باليمامة أنْ: "سِرْ إلى العراق حتَّى تدخلها، وابدأ بفرج الهند، وهيالأُبُلَّة[1]، وتألَّف أهل فارس، ومَن كان في ملكهم منالأمم"...........................
[1]الأبلة: بلدة على شاطئ دجلة البصرة، في جنوبها الشرقي. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان 1/77. رسالة أبي بكر الصديق إلى أهلاليمن أرسلأبو بكر الصديقرضي الله عنهإلى أهل اليمن يحثَّهم علىجهاد الروم، فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم، منخليفة رسول الله صلى الله عليه و سلمإلى مَن قُرِئَ عليهكتابي هذا من المؤمنين والمسلمين من أهل اليمن، سلام عليكم، فإنِّي أحمد إليكم اللهالذي لا إله إلا هو، أمَّا بَعْدُ، فإنَّ الله كتب على المؤمنين الجهاد، وأمرهم أنينفروا خفافًا وثقالاً، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والجهاد فريضةمفروضة، والثواب عند الله عظيم. وقد استنفرنا المسلمين إلى جهادالروم بالشام، وقد سارعوا إلى ذلك، وقد حَسُنَتْ في ذلك نيَّتهم، وعَظُمت حسنتهم،فسارعوا عبادَ الله إلى ما سارعوا إليه، ولتحسن نيتكم فيه، فإنَّكم إلى إحدىالحُسْنَيَيْنِ: إمَّا الشهادة، وإما الفتح والغنيمة، فإنَّ الله لم يرضَ من عبادهبالقول دون العمل، ولا يزال الجهاد لأهل عداوته حتى يدينوا بدين الحقِّ، ويُقِرُّوابحكم الكتاب، حفظ الله لكم دينكم، وهدى قلوبكم، وزكَّى أعمالكم، ورزقكم أجرالمجاهدين الصابرين". رسالة أمير المؤمنينعمر بن الخطابإلى بعضعماله "خذ الصدقة من المسلمين طُهْرةلأعمالهم، وزكاة لأموالهم، وحُكْمًا من أحكام الله، العداءُ فيهاحَيْف[1]وظلم للمسلمين، والتقصير عنها مداهنة[2]في الحقِّ وخيانة للأمانة، فَادْعُ الناس بأموالهمإلى أرفق المجامع وأقربها إلى مصالحهم، ولا تحبس الناس أوَّلهم لآخرهم، فإنَّالرجن[3]للماشية عليها شديد لها مُهْلِك، ولا تَسُقْهَامَسَاقًا يَبْعُدُ بها الكلأ وردها، فإذا أوقف الرجل عليك غنمه فلاتُعْتَمْ[4]من غنمه، ولا تأخذ من أدناها. وخذ الصدقة من أوسطها، ولا تأخذمن رَجُلٍ إنْ لم تجد في إبله السنَّ التي عليه إلاَّ تلك السن منشَرْوَى[5]إبله، أو قيمة عَدْلٍ، وانظر ذواتالدرِّ[6]والمخاض[7]ممَّا تجب منه الصدقة، فتنكَّب[8]عنها عن مصالح المسلمين؛ فإنهاثِمَال[9]حاضرهم، وزاد مغربهم أو معديهم، وذخيرةزمانهم، ثم اقسم للفقراء، وابدأ بضعفة[10]المسكنة، والأيتام، والأرامل، والشيوخ، فمَنِ اجتمعلك من المساكين فكانوا أهل بيت يتعاقبون ويتحاملون فاقسم لهم ما كان من الإبليتعاقبوه حملهم، وإن كان من الغنم امنحهم، ومَن كان فذًّا فلا تنقص كل خمسة منهم منفريضة أو عشر شيئًا إلى خمس عشرة من الغنم"…………………….
[1]الحَيْفُ: الميل في الحكم والجور والظلم. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة حيف 9/60. [2]المُداهَنة والإِدْهانُ: المُصانَعة واللِّين، وقيل: المداهنة إظهار خلاف ما يضمر. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة دهن 13/160. [3]رجن الشاة رجنًا إذا حبسها وأساء علفها، وشاة راجن بمعنىداجن أي الآلفة. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة رجن 13/176. [4]فلا تَعْتَمْه: أَي لا تَخْتَر غنمه ولا تأخذ منه خِيارَها. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة عتم 12/432. [5]شَرْوى الشيء مثلُه. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة شرا 14/427. [6]أي: ذات لبن، دَرَّ اللبنُ كثر اللبن وسال. انظر: ابنمنظور: اللسان، مادة درر 4/279. [7]المخاض: اسم للنُّوق الحوامل، وبنتُ المخاض وابن المخاض مادخل في السنة الثانية. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة مخض 7/228. [8]نَكَبَ عن الشيء ونَكَّبَ وتَنَكَّبَ عَدَلَ. انظر: ابنمنظور: اللسان، مادة نكب 1/770. [9]ثِمال حاضرتهم أَي غِيَاثُهم وعِصْمَتُهم. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة ثمل 11/91. [10]ضَعَفة جمع ضعيف. انظر: ابن منظور: اللسان، مادة ضعف 9/203. رسالة عمر بن الخطاب إلى عامله أبي موسىالأشعري "بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله عمر أمير المؤمنين، إلى عبد الله بن قيس ( أبي موسىالأشعري)، سلام عليك، أمَّا بَعْدُ، فإنَّ القضاء فريضة محكمة وسُنَّةمُتَّبَعة، فافهم إذا أُدْلِيَ إليك، فإنَّه لا ينفع تكلُّم بحقٍّ لا نَفَاذَ له،آسِ بين الناس في مجلسك ووجهك وعدلك؛ حتى لا يطمع شريف في حَيْفِك، ولا يخاف ضعيفجَوْرَك، البيِّنَة على مَنِ ادَّعى، واليمين على من أنكر، الصلح جائز بين المسلمينإلاَّ صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً، لا يمنعك قضاءٌ قضيتَه بالأمس راجعتَفيه نفسك وهُدِيتَ فيه لرشدك أنْ تُرَاجع الحقَّ، فإنَّ الحقَّ قديم، وإنَّ الحقَّلا يبطله شيء، ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل. الفهمَ الفهمَ فيما يختلج فيصدرك مما يبلغك في القرآن والسنة، اعرف الأمثال والأشباه ثُمَّ قِسِ الأمور عندذلك، فاعْمِد إلى أحبِّها إلى الله وأشبهها بالحقِّ فيما ترى، واجعل للمدَّعي أمدًاينتهي إليه، فإنْ أحضر بيِّنَة وإلاَّ وجَّهت عليه القضاء، فإنَّ ذلك أجلى للعمى،وأبلغ في العذر، المسلمون عدول بينهم، بعضهم على بعض، إلاَّ مجلودًا في حدٍّ أومجرَّبًا في شهادة زور، أو ظَنِينًا[1]في ولاء أو قرابة، فإنَّ الله تولَّىمنكم السرائر، ودرأ عنكم بالبيِّنات، ثم إيَّاك والضجر والقلق، والتأذي بالناس،والتنكر للخصوم في مواطن الحقِّ التي يُوجِبُ الله بها الأجر، ويحسن بها الذكر،فإنه مَن يُخْلِص نيَّته فيما بينه وبين الله يُكْفِه الله ما بينه وبين الناس،ومَن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شانه الله"................................
[1]الظَّنِينُ: المُتَّهم الذي تُظَنُّ به التهمة.. رسالة أمير المؤمنينعثمانبن عفانإلى عماله كان أوَّل كتاب كتبه عثمان بنعفانرضي الله عنهإلى عمَّاله: "أمَّا بَعْدُ، فإنَّ الله أمرالأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدَّم إليهم أن يكونوا جُبَاة[1]، وإنَّ صدر هذه الأُمَّة خُلِقُوا رُعَاة، ولم يُخْلَقُوا جُبَاة،ولَيُوشِكَنَّ أئمتكم أنْ يصيروا جُبَاة ولا يكونوا رعاة، فإذا عادوا كذلك انقطعالحياء والأمانة والوفاء، أَلاَ وإنَّ أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمينوفيما عليهم، فتعطوهم مالهم وتأخذوهم بما عليهم، ثم تُثَنُّوا بالذِّمَّة فتعطوهمالذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم، ثم العدوَّ الذي تنتابون فاستفتحوا عليهمبالوفاء".............................
[1]الجُبَاة جمع الجابي، وهو الذي يجمع المال. رسالة أمير المؤمنين عثمان بن عفان لعامةالرعية "أمَّا بَعْدُ، فإنكم إنما بلغتمما بلغتم بالاقتداء والاتِّباع، فلا تلفتنَّكم الدنيا عن أمركم، فإنَّ أمر هذهالأمة صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم منالسبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: "الْكُفْرُ فِي الْعُجْمَةِ". فإذا استعجم عليهم أمرتكلَّفوا وابتدعوا". رسالة علي بن أبي طالب لعامة المسلمين عنداستخلافه أرسل أمير المؤمنين علي بن أبيطالبرضي الله عنهلعامَّةالمسلمين عند استخلافه، قائلاً: "بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله عليٍّ أمير المؤمنين إلى مَن بلغه كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين، سلامعليكم، فإنّي أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. أمَّا بَعْدُ، فإنَّ الله صلىالله عليه و سلمبحُسْنِ صُنْعِه وتقديره وتدبيره اختارالإسلام دينًا لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به الرُّسل عليهم السلام إلى عباده،وخصَّ به مَن انْتَخَب مِن خَلْقِه، فكان ممَّا أكرم الله صلى الله عليه و سلمبه هذه الأُمَّة، وخصَّهم به من الفضيلة أنْ بعث إليهم محمدًا صلىالله عليه و سلم، فعلَّمهم الكتاب والحكمة والفرائضوالسُّنَّة، لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرَّقوا، وزكَّاهم لكيما يتطهُّروا،ورفَّههم لكيما لا يجوروا، فلمَّا قضى من ذلك ما عليه قبضه الله صلى الله عليه وسلمصلوات اللهعليه ورحمته وبركاته. ثم إنَّ المسلمين استخلفوا بهأميرين صالحين، عَمِلا بالكتاب والسُّنَّة، وأَحْسَنَا السيرة، ولم يَعْدُواالسُّنَّة، ثم توفَّاهما الله صلى الله عليه و سلم، ثموُلِّيَ بعدهما والٍ فأحدث أحداثًا، فوجدت الأُمَّة عليه مقالاً فقالوا، ثمنَقِمُوا عليه فغيَّروا، ثم جاءوني فبايعوني، فأستهدي الله صلى الله عليه وسلمبالهدى، وأستعينه على التقوى، ألا وإنَّ لكم علينا العملَبكتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه و سلم، والقيام عليكمبحقِّه والتنفيذ لسُنَّته، والنُّصح لكم بالغيب، والله المستعان، وحسبنا الله ونعمالوكيل، وقد بعثت إليكم قيس بن سعد بن عُبَادة أميرًا، فوازروه[1]وكانفوه[2]، وأعينوه على الحقِّ، وقد أَمَرْتُهبالإحسان إلى محسنكم، والشدَّة على مريبكم[3]، والرِّفق بعوامِّكم وخواصِّكم، وهو ممَّن أرضىهديَه، وأرجو صلاحه ونصيحته. أسأل الله صلى الله عليه و سلملناولكم عملاً زاكيًّا، وثوابًا جزيلاً، ورحمة واسعة، والسلام عليكم ورحمة اللهوبركاته"..........................................
[1]وَازَرَه على الأمر أعانه وقوَّاه، ويحمل عنه ما حُمِّلَهمن الأثقال، ويلتجئ إلى رأيه وتدبيره. [2]كنَفَه يَكنُفه كنْفًا وأَكنَفه حَفِظه وأَعانه وأحاط به. [3]أراب الرجل يُريبُ إذا جاء بِتُهْمَةٍ وارتبت فلانًا أياتَّهَمْتُه، رابني أمره يريبني أي أدخل عليَّ شَرًّا وخَوْفًا.