حين أقرأ قصة زوجة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما اشتهت الحلوى، لا أدري أأعجب
بعظمة عمر الزوج أم أعجب بعظمة الزوجة؟
تروي كتب السيرة أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعطي زوجته مصروفها اليومي من
بيت مال المسلمين، بحكم أنها زوجة أمير المؤمنين .
وذات يوم اشتهت زوجة عمر الحلوى، ولكنها لم تكن تملك المال لتشتريها، لأن مصروفها لا يزيد على ما يؤمن
وجبتها اليومية، فقالت في نفسها: أطلب من عمر وهو أمير المؤمنين أن يشتريها لي وأنا زوجته أستحق ذلك .
فطلبت من عمر ثمن الحلوى، فقال عمر: لا أملك مالاً حتى أشتري لك، إلا ما أعطيك يومياً مصروف يومك .
فسكتت زوجة عمر، لكنها قالت في نفسها: سوف أوفر شيئاً من مصروفي اليومي وأشتري به الحلوى، ففعلت ذلك
فعلاً واشترت الحلوى .
وقبل أن تذوقها تذكرت زوجها، فقالت: لا آكل منها إلا بعد أن أقدمها له أولاً، فقدمت الزوجة المسكينة طبق الحلوى
إلى زوجها عمر، فإذا به ينظر إليها نظرة استغراب وإنكار ويقول لها: أحلوى في بيت عمر؟
نعم . . يستغرب لأنها لا تملك ما تشتري به الحلوى، وهو لم يعطها شيئاً عندما طلبت منه ثمن الحلوى، فمن أين
جاءت الحلوى إلى بيت عمر إذن؟ - قالت زوجته المسكينة: معذرة فقد وفرت شيئاً من مصروفي اليومي، واشتريت
به الحلوى التي اشتهيتها، فقال عمر رضي الله عنه: رديها إلى بيت المال قبل أن تتذوقي منها، لأنك اشتريتها بمال
المسلمين لا بمال عمر .
قالت: إنني اشتريتها بما وفرته من مصروفي الذي تصرفه لي يومياً، قال عمر: ولكني لم أكن أعرف أنه يزيد وكنت
أعطيك أكثر من حاجتك، رديها إلى بيت المال، فإن المسلمين أولى بهذه الزيادة .
وما أجمل تعبير شاعر النيل حافظ إبراهيم عندما سرد هذه القصة شعراً فقال:
جوع الخليفة والدنيا بقبضته
في الزهد منزلة سبحان موليها
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها:
من أين لي ثمن الحلوى فأشريها؟
لا تمتطي شهوات النفس جامحة
فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها
وهل يفي بيت مال المسلمين بما
توحي إليك إذا طاوعت موحيها؟
قالت: لك الله إني لست أرزؤه
مالا لحاجة نفس كنت أبغيها
لكن أجنب شيئاً من وظيفتنا
في كل يوم على حال أسويها
قال: اذهبي واعلمي إن كنت جاهلة
أن القناعة تغني نفس كاسيها
وأقبلت بعد خمس وهي حاملة
دريهمات لتقضي من تشهيها
فقال: نبهت مني غافلاً فدعي
هذي الدراهم إذ لا حق لي فيها
ويلي على عمر يرضى بموفية
على الكفاف وينهى مستزيديها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به
أولى فقومي لبيت المال رديها
أقول: ما أعظم هذه الزوجة التي صبرت على الكفاف والعفاف؟ .
ثم ما أعظم هذا الزوج الذي لا يريد أن يصرف من مال الحكومة إلا الضروري من مصروف زوجته!