جلسَ
سيِّدُ الغابةِ في عرينه حزيناً، وأَخَذَ يفكِّرُ في أمرهِ، فقد شعرَ أن
قوتَهُ لم تعدْ تساعدُه على الخروجِ والبحثِ عن صيدٍ سمينٍ يأكلُهُ، بعد أن
صارَ كبيراً طاعناً في السنِّ.فكَّرَ ملياً في أمره. وخافَ أن تعلم
حيواناتُ الغابةِ بذلك، فيفقد سيطرته عليها، لذلك قرَّرَ استدعاءَ الذئبِ
لمشاورتِهِ وأخْذِ رأيِهِ في الموضوعِ.
قَدِمَ الذئبُ إلى عرينِ الأسدِ، وجلس بين يديه، فلمحَ علاماتِ الأسى والحزنِ ترتسمُ على وجههِ الشاحبِ، فقال:
ـ مالي أرى سيِّدَ الغابةِ واجماً حزيناً؟
ـ قال الأسد:
ـ
اسمعْ أيها الذئبُ. لقد أرسلتُ إليك لأتشاورَ معك في أمر مهمٍّ... لقد
أصبحتْ حالتي لا تساعدني على المضيِّ في حُكْمِ الغابة. إنني أشعرُ بالعجز
يدبُّ في جسمي.. وأُحبُّ أن أستمعَ إلى نصيحتكِ. فماذا تقولُ؟
فكَّرَ الذئبُ قليلاً ثم قال في سرِّه:
ـ "إنها فرصةٌ ذهبيةٌ ونادرةٌ كي أصبحَ سيِّدَ الغابةِ الحقيقيّ، وأتخلّصَ من جميعِ الحيواناتِ التي لا تحبّني...".
ثم نظرَ إلى سيِّد الغابةِ وقالَ:
ـ
لقد كنتَ يا سيّدِي خلالَ مدّةِ حُكمِكَ مثالَ الحاكمِ العادل، ويجبُ أن
تستمرَ في بسطِ سيطرتكِ على الغابةِ كلها، ولكني أخشى أن تعلمَ حيواناتُ
الغابةِ حقيقةَ الأمرِ. فما عليكَ إلاَ كتمانَ الموضوعِ.
ارتعدَ الأسدُ لحظةً ثم تماسكَ وقالَ:
ـ أهذا هو رأيُكَ؟
قالَ الذئبُ:
ـ سأكون ساعدَكَ الأَيمنَِ، وسأتدبّرُ كلَّ شيءٍ بنفسي.
ـ وماذا عن الطعامِ أيها الذئبُ؟
ـ سأدعو كل يومٍ أحدَ الحيواناتِ إليكَ، فيدخلُ عرينَكَ وعندئذٍ تجعلُه وجبةَ غداءٍ لك.
ـ حسناً.
أقامَ سيِّدُ الغابةِ في عرينِهِ، وانتظرَ نصيبَهُ من الطعامِ، بينما انطلقَ الذئبُ إلى الغابةِ يبحثُ عن حيواناتِها...
فشاهدَ ابن آوى. فقال له:
ـ إن سيِّدَ الغابة بحاجةٍ إلى مساعدٍ له وقد اختارَكَ لذلك.. فامضِ إليه في الحال.
ذهبَ ابنُ آوى إلى الأسدِ في عرينهِ، ودخلَ عليهِ... ولكنه لم يخرجْ بعد ذلك أبداً.
في اليوم الثاني ذهبَ الذئبُ إلى الأرنب، وقال لها:
ـ إن سيِّدَ الغابة بحاجةٍ إلى طاهيةٍ ماهرةٍ، وقد وقعَ اختيارُهُ عليكِ كي تقومي بهذا العملِ. فاذهبي إليه مسرعةً!...
ذهبتِ الأرنبُ إلى العرين وقد فرحتْ كثيراً، وعندما دخلتْ، سلَّمتْ عليه، ولكنها لم تكن تعلم أنها لن تخرجُ أبداً.
وهكذا كان الذئبُ يمضي إلى الحيواناتِ واحداً بعد آخرَ...
ذهب إلى الغزال، وحمار الوحش، والسنجاب وغيره... الجميعُ دخلوا العرين ولم يخرجْ منهم أحدٌ أبداً.
ذاتَ يومٍ التقى الذئبُ بالثعلب فحيّاه قائلاً:
ـ طابَ يومُكَ يا أبا الحصين...
ردَّ الثعلبُ التحيَّةَ، فقال الذئبُ:
ـ
إن سيِّدَ الغابةِ بحاجةٍ ماسَّةٍ إليك، وهو يدعوك كي تقفَ إلى جانبِهِ،
وتديرَ معه شؤونَ الغابةِ، وقد طلبَ إليَّ أن أرشدَهُ إلى واحدٍ عاقلٍ، فلم
أجدْ بين حيواناتِ الغابةِ أعقلَ منك، وأذكى... فاذهبْ إليه مسرعاً.
انطلقَ
الثعلبُ باتجاهِ العرينِ، وعندما صار قريباً منه، توقّف لحظةً ونظر بعينيه
نظرةً ثاقبةً فيما حولـه.. ثم عادَ راجعاً، وقبل أن يبتعدَ عن مدخلِ
العرينِ سمعَ صوتَ الأسدِ مزمجراً يقول:
ـ مابك أيها الثعلبُ.. هيَّا.. ادخلْ.
ضحكَ الثعلبُ بمكرٍ وقال:
ـ شكراً لهذهِ الدعوةِ.
قال الأسدُ:
ـ ولماذا لا تدخلُ؟!
ـ لأني عَرَفْتُ أن الذي يدخلُ العرينَ، لا يخرجُ حياً أبداً.
ـ ومن أخبرَكَ بذلك؟!
ـ أخبرتني تلك العظامُ المرميَّةُ قربَ العرينِ.
توقَّفَ الثعلبُ قليلاً وأخذَ يفكّرُ... لقد صمَّمَ على الانتقام من الذئبِ، فقال مخاطباً الأسد:
ـ لماذا لا تخرجُ من عرينكِ وتكسبَ طعامكَ بنفسكِ؟
ردَّ الأسدُ:
ـ لقد أصبحتُ طاعناً في السنِ.
ضحَك الثعلبُ بخبثٍ، ثم قال:
ـ إن الأطباء قد اكتشفوا علاجاً يعيدُ الشبابَ إلى الشيخوخة. سأنصحُكَ به.
ـ ماهو. قلْ. تكلمْ.
ـ عليك أن تشق صدرَ ذئبٍ، وتنزعَ منه القلبَ، وتأكلَه.
ـ حسناً.
وأنا سأتدبّر موضوعَ الذئب.
وبسرعةٍ انطلقَ الثعلبُ إلى الذئبِ وبادره قائلاً:
ـ سيِّدَ الغابةِ يطلبك لأمرٍ هامٍّ. فأسرعْ إليه ولا تتمهلْ.
ذهبَ الذئبُ، ودخلَ العرين.لم يكن يدري أنه لن يخرج حياً أبداً.
في تلك الأثناءِ كان الثعلبُ يقفُ بعيداً ويرى بعينيه مصيرَ الذئبِ...ثم يضحكُ كثيراً.
وقال لنفسه:
"مسكينٌ الذئبُ. كان يظنُّ نفسَه ذكياً. ولكنه نسيَ أن من حفر حفرةً لأخيهِ وقع فيها.....".