الحمد لله الحميد في وصفه وفعله الحكيــم في خلـقه
وأمره الرحيم في عطائه ومنعه المحمود في خفضه
ورفعه وأشهـد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـــه
في كماله وعظمته ومجـده وأشهـد أن محمدا عبـده
ورسـوله أفضل مرسل من عنده اللهـم صل وسلــم
عــلى محـمـد وعـلى آلــه وصحبه وجـنده أما بعـد
أيها الناس اتقوا الله تعالى وتفكروا في حكم المولى
فــي تصريف الأمور وأنه المحمود على ذلك المثني
عليـه المشكور واعلموا أن مـا أصابكم من مصيـبة
فبما كسبـت أيديكم ويعفو عن كثير و أن هذه الشدة
و اللأواء لا بــد أن يفرجها مــن هـو على كل شيء
قدير ولا بد أن يبدل الشدة بضدها والعسر بالتيسير
بذلك وعـد وهو الصادق السميع البصيــر ، فعودوا
على أنفسكم بالاعتراف بمعاصيكم وعيوبكم وتوبوا
إليه توبة نصوحا من جميع ذنوبكــــم وقوموا بمــا
أمركم الله به وهو الصبر عند المصائب ،واحتسبوا
الأجــــر والثــواب ، إذا أنابتكم المكاره والنوائب ،
وكونوا في أوقاتكم كلها خاضعين لربكم متضرعين
وفـي كـل أحوالكم سائلين له كشف ما بكم ولكرمه
مستعرضين ووجهـوا قلوبكم إلــى من بيده خزائن
الرحمة والأرزاق وانتظروا الفــــرج وزوال الشـدة
مــن الرؤوف الرحيــم الخلاق ، فـإن أفضل العبادة
انتظار الفرج مــن الرحيــم الرزاق ، وإياكـــــم أن
يستولي على قلوبكم القنوط واليأس ، أو تتفوهوا
بالكلام الدال علـى التضـجـر والتسخط والإبلاس ،
فــإن المؤمن لا يزال يسأل ربـه ويطمع في فضله
ويرجوه ولا يزال مفتقرا إليـــه في جلب المنافع ،
ودفـع المضار مــن جميــــع الوجـوه ، إن أصابته
السـراء كـــان فــي مقدمــة الشاكرين ، وإن نالته
الضراء فهــو من الصابرين ، يعلم أنــه لا رب له
غير الله يقصده ويدعوه ولا إله له ســـواه يؤملـه
ويـرجــوه ، ليــس لــه عــن بــاب مـولاه تحـــول
ولا انصراف ولا لقلبه تلفت إلـى غيره ، ولا تعلق
ولا انحراف ، لا تخــرجــــه السراء والنعـــم إلــى
الطغـــيان والبطر ، ولا يكـــون هلوعا عنـد مــس
الضراء متسخـطا للقضاء والقـــــدر يتمشى مــــع
الأقدار السارة والمحزنة بطمأنينة وسكون ويهدي
الله لها قلبه لعلمه أنها تقدير من يقول للشيء كن
فيكـون فهــذا عبد موفق قــد ربح عــلى ربـه وقام
بعبوديته في جميع التقلبات ، وقد نــال السعادتين
راحة البال وحسن الحال والمآل واكتسب الخيرات
( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِـن
بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )