تاريخ التسجيل : 25/07/2011عدد المساهمات : 514نقاط : 49630الجنس :
موضوع: خديجة بنت خويلد 15/10/11, 07:08 pm
خديجة بنت خويلد
عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة . فيحسن الثناء عليها . فذكرها يوما " من الأيام فأدركتني الغيرة . فقلت : هل كانت إلا عجوزا " ، فقد أبدلك الله خيرا " منها ، فغضب ، ثم قال : لا والله ما أبدلني الله خيرا " منها ، آمنت بي إذ كفر الناس . وصدقتني إذ كذبني الناس ، وواستني في مالها إذ حرمني الناس. ورزقني الله منها أولادا " إذ حرمني أولاد النساء ، قالت عائشة : فقلت في نفسي لا أذكرها بسيئة أبدا " .( رواه أحمد واسناده حسن " الزوائد 224 / 9 " وابن عبد البر " الإستيعاب 287 / 4 " وابن كثير " البداية والنهاية 92 / 8 ") كانت مكة تعيش أيامها كما تعودت أن تعيش .. أيام رتيبة مملة .. وليال أكثررتابة .. يتحدثون خلالها عما يجري في مجتمع مكة .. أو يرددون أشعار هذا أو ذاك منالشعراء .. وهو يمدح أو يذم كبيرا من كبرائهم .. فإذا زاد ضجرهم خرجوا يطوفون حولالكعبة يعظمون ما بها من أصنام في هذا المناخ نشأ محمد بن عبد الله صلى اللهعليه وسلم .. عرفته مكة .. جميل المحيا .. راجح العقل .. بليغ الكلمات .. قوي الحجة .. أمينا .. صادقا .. متكامل الصفات .. بعيدا تماما عن لهو شباب مكة وعبثهم .. لميسجد لصنم قط.. والذين اقتربوا منه عرفوا عنه عزوفه التام عما كان يبهر غيره منالشباب، أما حرفته فهو رعي الغنم.. وسمته التفكر الطويل .. والتأمل في كل ما حولهمن مظاهر الكون .. السماء وما فيها من نجوم .. والأرض ما فيها من جبال و وديانو سهول وذات يوم علم عمه أبو طالب أن خديجة بنت خويلد .. سيدة مكة الثرية الفاضلة والتي رفضت الزواج ممن تقدم إليها من كبار رجالات مكة لأنها خشيت أن يكونالزواج منها طمعاً في أموالها، وكانت قد تزوجت مرتين من قبل. علم أبو طالب بأنهاتريد من يخرج ليتاجر لها في مالها في الشام وكانت تعطي له "زوجا" من الإبل نظير هذهالمهمة .. فعرض عليها أن يقوم بهذه المهمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .. فوافقت السيدة الفاضلة وهي لا تكاد تصدق ما تسمع .. فقد سمعت عن محمد وعفته وطهارتهوذكائه وأمانته الكثير .. وقررت أن تعطيه أربعة من الإبل عن رحلته تلك.. و وافقمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أن يتاجر في مال السيدة خديجة، وأن يسافر إليالشام في هذه المهمة .. فهو يحب السفر لأن السفر يتيح له أن يخلو إلي نفسه .. وأنيفرغ لتأملاته .. أنه سوف يسير في نفس الطريق الذي سلكه وهو يتجه نحو الشام مع عمهأبي طالب عندما كان صبيا .. حيث أنه سوف يمر على أديرة الرهبان .. وعلى بلاد طالماسمع عنها وأرسلت خديجة معه خادمها ميسرة .. واشترى لها محمد وباع .. وربحتتجارته .. بينما عاد ميسرة مبهورا بشخصية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .. الشاب الرزين .. صاحب الفكر العميق .. والكلمات التي تسيل رقة وعذوبة والذي أوتىجوامع الكلم..! وعاد محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلته خديجةباحترام يليق بشخصية بالغة الإبهار .. واستمعت إلي ما يقوله عنه ميسرة بشغف وحبشديدين .. وربما لاحظت صديقتها (نفيسة بنت منية) مدى تعلقها بمحمد بن عبد الله صلىالله عليه وسلم، فأخبرت خديجة بأنه الشاب المناسب الجدير بالزواج منها.. وفهمتنفيسة أن رأيها لقي قبولاً عند صديقتها واستأذنتها أن تفاتح محمدا في هذه الرغبة،على أن تكفيه خديجة المال .. وعرض محمد الأمر على عمه أبي طالب الذي سره ما أقدمعليه ابن أخيه وأمهره عشرين ناقة من ماله .. ويوم الخطبة وقف أبو طالب يلقي خطبةالزواج .. وقال مما قاله : ـ "الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، ونسلإسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوباً وحرما آمنا وبعد: فإن محمدا ـ ابن أخي ـ شاب لا يوزنبه فتى من قريش إلا زاد عليه شرفاً وخلقاً وعقلاً، وأن كان قليل المال فالمال ظل زائل،وله في "خديجة بنت خويلد" رغبة ولها في مثل ذلك، وقد ساق محمد إليها عشرين ناقةمهرا وفي رواية أخرى أنه أمهرها اثنتي عشرة أوقبة ذهبا.. ورد على خطبة)أبو طالب) ابن عم خديجة ورقة بن نوفل فقال : ـ "الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت،وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها، وأنتم أهل ذلك كله .. لا تنكر العشيرةفضلكم، ولا يرد أحد من الناس فخركم ولا شرفكم، وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم،فاشهدوا يا معشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله صلى اللهعليه وسلم." وتقول الروايات أن عمرها عند تزويجها الرسول كان أربعين عاما وكانعمره خمسة وعشرين سنة.. وهكذا بدأ محمد حياته الجديدة .. فقد توافر له المال الذييتيح له أن يبتعد عن الانغماس وراء الجري خلفه .. وأصبحت تأملاته وتفكره في ظواهرالحياة يشغل معظم أوقاته .. انه يريد أن يستشف ما وراء هذا الكون .. وعندما شرعتمكة في إعادة بناء الكعبة وكان ذلك قبل البعثة بخمس سنوات .. اختلفوا فيمن يكون لهشرف وضع الحجر الأسود مكانه .. حسم محمد هذا الصراع عندما احتكمت مكة لمن يكون أولمن يدخل بيت الله الحرام .. وكان هذا الشخص الذي ساقته العدالة الإلهية حتى يوقفنزيفاً من الدم ما كان ليتوقف لو اندلعت الحروب بين القبائل .. وكان رأيه أن يوضعالحجر الأسود في ثوب، وتشترك كل القبائل في حمل جزء من هذا الثوب .. وقام بوضعالحجر الأسود في مكانه .. وهكذا انتهت هذا الفتنة. ويقول الرواة أن محمدا فيحياته الجديدة، قد سعد بالاستقرار العائلي .. فخديجة سيدة موفورة العقل .. وعلىجانب كبير من الثراء .. وكان حبها لمحمد دافعاً له أن توفر له ما يمكن أن يسعد الرجل .. ثم رفرفت السعادة على الدار عندما أنجبت "القاسم" .. وبعد عام وضعت "زينب"" .. غير أن القاسم مات بعد سنة ونصف من عمره..! وصبرت خديجة .. وصبر محمد لفقدالقاسم .. غير أن خديجة أرادت أن تسري عن الرسول فوهبته أحد مواليها (زيد بن حارثة) وكان زيد قد سرقه البعض، وباعه في سوق عكاظ، واشتراه لخديجة ابن أخيها (حكيم بنحزام) .. وقد شعر هذا الغلام بحب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم .. فآثره علىالجميع حتى أن أهله عندما استدلوا عليه رفض العودة إليهم ليعيش عيشة الأحرار، مؤثراالبقاء بجانب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. وعندما رأى محمد هذاالإخلاص من زيد أشهد الناس أن زيدا بمثابة ابنه وقال لهم: ـ "يا من حضر من قريشوسائر العرب أشهدكم أن زيدا ابني يرثني و أرثه، وأنه حر أمره بيده"! ومن هذهالقصة نرى مدى الرحمة والعطف والتكامل في شخصية أعظم من سارت له على الأرض خطى. وكان محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يتردد على غار حراء .. يطيل التأملوالتفكير .. فما أكثر ما سأل نفسه عن السماء .. وعن الأرض .. وما رواء كل هذا الكونالمنسق البديع .. وما كنة هذه القوة العظمة التي تدبر أمور الكون..! وشفت روحهحتى أن ما كان يراه في منامه يتحقق في الواقع .. ثم أخذ يرى أشياء غريبة عندما يخلوإلي نفسه .. فهو يرى نورا أو يسمع صوتا .. ولا يدري لذلك سبباً .. حتى خشي على نفسهأن يكون قد ألم به شيء! أو يكون ذلك وسوسة من الجن، وعندما كان يعرض ما يراه .. ومايسمعه على زوجته العظيمة تقول له وهي تهدئ من روعه: ـ "معاذ الله ، ما كان اللهليفعل ذلك بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث فلا تقترب منكالشياطين"! وتمضي الأيام.. وبينما هو في غار حراء .. إذ هبط عليه جبريل ليخبره أنه مبعوث الله إلي خلقه .. وأنه خاتم الأنبياء، ثم أخذ يقرئه أول ما نزل من القرآن الكريم: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ* ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ* عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (سورة العلق الآيه 5:1) . ورأى جبريل وهو يرتفع بعدها إلي السماء.. وعاد محمد صلى الله عليهوسلم إلي منزله خائفاً يرتجف .. وعندما قص على خديجة ما سمعه وما رآه قالت له: -أبشر يا ابن العم واثبت، فوالله أني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. وذهبت خديجةإلي ابن عمها ورقة بن نوفل لتقص عليه ما قاله لها محمد .. وما كان من ورقة إلا أنصمت قليلاً ثم أخذ يقول: قدوس .. قدوس. والتفت إلي خديجة وقال لها: ـ لئنكنت صدقتني يا خديجة لقد جاءه الملك الأكبر الذي كان يأتي موسى فقولي له فليثبت ولايخشى شيئا". وعادت خديجة .. لترى زوجها وقد تصبب العرق على وجهه بعد أن أفاق مننومه .. فقد جاءه الوحي .. وكانت كلمات الوحي: ـ {يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* و َٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ* وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ* وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ} (سورة المدثر الآية 7:1) ولم يعدالأمر تخيلات .. انه واقع جديد .. وانه نبي هذه الأمة حقيقة لا شك فيها .. وأنهمبلغ رسالة خالدة خلود الحياة .. وبأن هذه الرسالة ستغير المسار الإنساني في الكونكله .. وليس في مكة وحدها .. ولم يعد هناك سوى تبليغ هذه الرسالة .. مهما كانتالمصاعب التي سوف يصادفها .. وأن محمدا ليعرف معرفة اليقين أن الأمر ليس سهلاً ولاهينا .. فالناس عاشوا على تقديس ما كان يعبد الآباء والأجداد من الصعب عليهم أنيصدقوا من جاء يقول لهم اعبدوا الله وحده لا شريك له .. وذروا عبادة الأصنام التيلا تنفع ولا تضر.. ومحمد يعرف تمام المعرفة أن هناك من سيحارب الدعوة لالوضوحها ولا لصدق مبلغها ولكن حقد وكراهية أن يرتفع إنسان بالنبوة إلي مكانة تسموعلى مكانة علية القوم في مكة..! وهو يعلم تماماً أن عقولاً درجت على تقديس قيموعادات بالية لا يمكن لهم بسهولة أن يستبدلوا بها فكراً جديداً .. وعقيدة جديدة .. محمد صلى الله عليه وسلم بذكائه الحاد يعرف كل ذلك ويعرف أن الطريق صعب للغاية .. فيقول لزوجته العظيمة: ـ "قد انتهى يا خديجة عهد النوم والراحة، فقد أمرني ربيأن أنذر الناس، وأن أدعوهم إلي عبادة إله واحد .. فمن ذا أدعو ومن ذا يجيب؟!!.. وكانت خديجة أول من آمنت به من النساء .. وعندما سمع ورقة بن نوفل من الرسولصلى الله عليه وسلم ما رأى من أمور الوحي قال له: ـ والله الذي نفسي بيده أنكلنبي هذه الأمة". ثم قال له: ـ ليتني أعيش لأنصرك حين يعاديك قومك ويخرجونكمن بلدك!! ويدهش خاتم النبيين وهو يقول له: ـ أيخرجونني من مكة؟! قال لهورقة: ما جاء نبي برسالة من عند ربه مثل ما جئت به إلا عاداه قومه وأخرجوه من بلده .. ولئن أدركت هذا اليوم لأنصرنك نصراً مبينا! وتمضي الأيام..
Queen Rona
تاريخ التسجيل : 25/07/2011عدد المساهمات : 514نقاط : 49630الجنس :
موضوع: رد: خديجة بنت خويلد 15/10/11, 07:10 pm
تعلم قريشبالدعوة .. ولكنها لم تأبه بها في أول الأمر، فقد ظنوا أن الأمر لا يعدو أن تكوندعوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم مثل الدعوات التي سبقته من أناس نبذواعبادة الأصنام .. وعبدوا الله على دين النصارى .. أو تحدثوا في الحكمة من أمثال قيسبن ساعدة وأمية بن الصلت وورقة بن نوفل .. ولكن ما كادت تمضي السنوات الثلاثالأولى من نزول الوحي حتى جاء الأمر الإلهي بأن يجاهر بالدعوة .. وأن يبدأ بعشيرتهالأقربين. { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ * وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } (سورة الشعراء الآيه 217:214) ودعا محمد عشيرته إلي طعام في منزله .. وبعدهاقال لهم: ـ ما أعلم إنساناً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به .. فقد جئتكمبخيري الدنيا والآخرة .. وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يؤاذرني على هذاالأمر؟ ولكن أهله انصرفوا مستهزئين بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم .. وبعدذلك بأيام صعد النبي عليه الصلاة والسلام وجمع أهل مكة يعرض عليهم الإسلام .. فلماالتف حوله الناس وسمعوا من الرسول ما سمعوا صاح به عمه أبو لهب: ـ تباً لك سائرهذا اليوم ألهذا جمعتنا؟! ونزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ* سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} )سورة المسد الآيه 3:1 ) و بدأ الصراع بين قوى الشرك وبيندعوة الرسول الخاتم .. وخديجة رضي الله عنها تؤازر النبي بكل ما تملك من طاقة ومال .. وصدق الرسول العظيم عندما قال لأم المؤمنين خديجة .. وقد تهيأ لنشر نور الله: ـ "انقضي يا خديجة عهد النوم والراحة، فقد أمرني جبريل أن أنذر الناس وأنأدعوهم إلي الله وعبادته، فمن ذا أدعوه؟ ومن ذا يستجيب لي؟ فما كان من خديجةالعظيمة إلا أن ثبتت فؤاده .. و وقفت بجانبه .. لم تتخاذل .. ولم تجد مبرراً يبعدهاعن مجابهة طغيان مكة وعبثها مع زوجها العظيم .. أنها تعلم علم اليقين أن محمداالصادق الأمين .. الذي لم يعرف عنه أحد من الناس خيانة لعهد، أو عبادة لصنم، أوحنثا في يمين .. لا يمكن لمثل هذا الإنسان الكامل في شمائله .. الذي لم يكذب علىالناس، أن يكذب على الله.. من هنا فقد كرست حياتها للدفاع، عما يدعو إليه خاتمرسل الله .. وأخذت الدعوة تشق طريقها عندما أسلم أبو بكر من الرجال وعلى ابن أبيطالب من الأطفال، وبإسلام أبي بكر دخل الإسلام بعض أصدقائه ممن لهم مكانة في مكة منأمثال عثمان بن عفان .. وعبد الرحمن بن عوف .. وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بنالعوام، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح.. وإذا بمكة تثور ثائرتها.. وإذا بها تعلن حرباً لا هوادة فيها على هذه الدعوة، وتعذب المستضعفين منالمسلمين .. وإذا بشهداء يتساقطون (كياسر) وزوجته سمية .. وبينما يزداد طغيان أهلالكفر وعنادهم دخل في الإسلام شخصيات جديدة .. وأصبحت الدعوة نوراً يبدد ظلمات الجهلوالجاهلية .. زاد الطغيان .. كلما زاد النبي وصحابته تمسكاً بالإيمان.. وجن جنونمكة .. وظهر الحسد واضحاً في تصرفات سادتها فبعد أن عرفوا أن ما يدعو إليه محمد يرفعمن القيم الإنسانية .. ويهدي إلي التي هي أقوم .. ولم يعد هناك خلاف حول ما يدعوإليه .. فهو يدعو إلي الطهر والاستقامة والبعد عن الفحشاء والمنكر .. وهذا مايتطلبه الإيمان بالله الواحد الأحد الذي خلق كل هذا الوجود .. لم يعد في استطاعتهمإنكار ما جاء به من بيان واضح ورؤية واضحة .. فعمى الحقد والحسد قلوبهم .. حتى أن( الوليد بن المغيرة ) قال: ـ أينزل القرآن على محمد وأترك أنا كبير قريش وسيدها،ويترك أبو مسعود عمروا بن عمير الثقفي سيد ثقيف ونحن عظيما القريتين: وينزل قوله تعالى: { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } (سورة الزخرف الآيه 32:31) وقال أبو جهل هو يعبر عما يمتلئ به قلبه من حسد: ـ تنازعنا نحن وبنو عبد منافالشرف .. أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا .. وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا الركبوكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لانؤمن به أبداً ولا نصدقه؟! ومن هذا الكلام يتضح مدى عداوتهم للدعوة الجديدةبدافع من الغيرة والحسد، أن يأتي من بني هاشم نبي، فيزدادوا شرفاً بهذه النبوة،وتسمو مكانتهم على مكانتهم!! شقت الدعوة طريقها رغم الحصار .. والتعذيب .. والسخرية من الداعي والدعوة .. ويشت مكة تماماً من أن تثني محمد عن عزمه .. وكانتأم المؤمنين خديجة بجانبه .. ترعى أولاده، وتسهر على راحته .. وكانت قد رزقت منهقبل المبعث بالقاسم الذين مات صغيرا .. وزينب ورقية وأم كلثوم، وفاطمة، وجاء "عبدالله" بعد المبعث ومات بعد فترة قصيرة.. وقد تزوجت "زينب" بنت الرسول أبا العاصبن الربيع .. وهو ابن أخت خديجة .. كما أن "عتبة وعتيبة" ابني أبي لهب كانا قد خطباابنتي الرسول الكريم (رقية وأم كلثوم) وهناك روايات تقول أنهما تزوجا من كريمتيالرسول وأرغمتها أمهما أم جميل على تطليقهما عندما نادى الرسول بالإسلام .. وهناكمن يقول أنهما خطبا لابني أبي لهب .. وعندما أعلن النبي الدعوة أرغمها أبو لهب علىأن يطلقا ابنتي الرسول .. فتزوجت رقية وكانت شبيهة بأمها من عثمان بن عفان رضي اللهعنه وقد عاشت رقية مع زوجها، وهاجرت معه إلي الحبشة في هجرته إليها، كما هاجرت معهعندما هاجر إلي المدينة وقد انتقلت رقية إلي جوار ربها عند عودة المسلمين وانتصارهمفي غزوة بدر.. أما فاطمة صغرى بنات الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فقد ولدتقبل البعثة بخمس سنوات .. فقد كان والدها العظيم في الخامسة والثلاثين من عمره .. وكانت شبيهة بوالدها العظيم .. في طريقة كلامها ومشيتها .. وكان والدها يحبها حباًجما..! ويروي الرواة .. كيف أن أبا جهل كان قد أمر بعض سفهاء مكة (عقبة بن أبيمعيط) بأن يرمي بعض القاذورات على الرسول وهو يصلي بالكعبة فرمى (بكرشة شاة) علىالرسول وهو ساجد .. وهم يتضاحكون ويتغامزون وجاءت فاطمة لتزيل هذه الأقذار عنوالدها العظيم .. وهي تبكي.. وقد دعا الرسول ربه: ـ "اللهم عليك بأبي جهلبن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشبيبة ابن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف وعقبةبن أبي معيط .. ويقول ابن مسعود: "والذي بعث محمدا بالحق، لقد رأيت الذين سماهمالنبي عليه الصلاة والسلام .. صرعى يوم بدر". وكانت حياة النبي مع أسرتة حياةسعيدة .. فهو سعيد بزوجته .. سعيد بأولاده. راضياً بقضاء الله عندما فقد (عبد الله) .. كما فقد من قبله القاسم .. وكم ضحت هذه السيدة العظيمة .. أنها وهي السيدة التيتملك المال والجاه .. تعيش الحصار الظالم الذي فرضته مكة على بني هاشم لمدة سنواتثلاث.. وعندما شعرت مكة (بعقدة الذنب) إزاء ما فعلته بالنبي وعشيرته ..وتحللتمن "وثيقتها الظالمة" التي بمقتضاها حاصرت مكة بني هاشم في شعب أبي طالب لا تبيعلهم، ولا تشتري منهم .. بعد كل هذا الكفاح الطويل شعرت أم المؤمنين خديجة رضي اللهعنها بالتعب .. وسرعان ما انتقلت إلي أكرم جوار.. وقد حزن النبي حزناً شديدالفراقها .. وقد سمى هذا العام الذي فقد فيه خديجة، وعمه أبا طالب عام الحزن .. وظلتحياة خديجة عزيزة إلي نفسه، وظلت ذكراها عالقة في ذاكرته طوال حياته .. يهشلأصدقائها عندما يلقاهن، ويقابلهن بترحاب شديدة، لأنهن كن يذكرنه بخديجة العظيمة.. وكان حب النبي العظيم لها عظيماً لدرجة أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانتتغار منها حتى بعد أن انتقلت خديجة إلي جوار ربها.. قالت للرسول يوما عندما جاءذكر خديجة: ـ "هل كانت إلا عجوزا بدلك الله خيرا منها؟" فقال لها الرسولمغضباً: ـ "لا والله .. ما أبدلني الله خيرا منها .. آمنت بي إذ كفر الناس .وصدقتني إذ كذبني الناس. و واستني بمالها إذ حرمني الناس. ورزقني الله منه الولددون غيرها من النساء"... هذه هي لمحة من حياة هذه السيدة العظيمة التي تركت كلهذا الأثر في قلب أعظم من عرفته الحياة .. محمد عليه الصلاة والسلام