الحمد لله
يكره
إفراد يوم السبت بالصيام ؛ لما روى الترمذي (744) وأبو داود (2421) وابن
ماجه (1726) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ أُخْتِهِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لا تَصُومُوا يَوْمَ
السَّبْتِ إِلا فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ
أَحَدُكُمْ إِلا لِحَاءَ عِنَبَةٍ ، أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ )
صححه الألباني في "الإرواء" (960) وقَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي : هَذَا
حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِي هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ
يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ "
انتهى .
و ( لحاء عنبة ) هي القشرة تكون على الحبة من العنب .
( فليمضغه ) وهذا تأكيد بالإفطار .
وقال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/52) : " قال أصحابنا : يكره
إفراد يوم السبت بالصوم ... والمكروه إفراده , فإن صام معه غيره ; لم يكره ;
لحديث أبي هريرة وجويرية . وإن وافق صوما لإنسان , لم يكره " انتهى .
ومراده بحديث أبي هريرة : ما رواه البخاري (1985) ومسلم (1144) عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ إِلا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَه ).
وحديث جويرية : هو
ما رواه البخاري (1986) عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ ، فَقَالَ : (
أَصُمْتِ أَمْسِ ؟ قَالَتْ : لا . قَالَ : تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا ؟
قَالَتْ : لا . قَالَ : فَأَفْطِرِي ) .
فهذا الحديث والذي قبله يدلان دلالة صريحة على جواز صوم يوم السبت في غير رمضان ، لمن صام الجمعة قبله .
وثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ كان َيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا )
وهذا
لا بد أن يوافق السبت منفرداً في بعض صومه ، فيؤخذ منه أنه إذا وافق صوم
السبت عادةً له كيوم عرفة أو عاشوراء ، فلا بأس بصومه ، ولو كان منفرداً .
وقد
ذكر الحافظ في الفتح أنه يستثنى من النهي عن صوم يوم الجمعة من له عادة
بصوم يوم معين ، كعرفة ، فوافق الجمعة . فمثله يوم السبت ، وقد سبق كلام
ابن قدامة في هذا .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وليعلم أن صيام يوم السبت له أحوال :
الحال الأولى :
أن يكون في فرضٍ كرمضان أداء ، أو قضاءٍ ، وكصيام الكفارة ، وبدل هدي
التمتع ، ونحو ذلك ، فهذا لا بأس به ما لم يخصه بذلك معتقدا أن له مزية .
الحال الثانية :
أن يصوم قبله يوم الجمعة فلا بأس به ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لإحدى أمهات المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة : ( أصمت أمس ؟ ) قالت : لا ،
قال : ( أتصومين غدا ؟ ) قالت : لا ، قال : ( فأفطري ) . فقوله : ( أتصومين
غدا ؟ ) يدل على جواز صومه مع الجمعة .
الحال الثالثة :
أن يصادف صيام أيام مشروعة كأيام البيض ويوم عرفة ، ويوم عاشوراء ، وستة
أيام من شوال لمن صام رمضان ، وتسع ذي الحجة فلا بأس ، لأنه لم يصمه لأنه
يوم السبت ، بل لأنه من الأيام التي يشرع صومها .
الحال الرابعة :
أن يصادف عادة كعادة من يصوم يوما ويفطر يوما فيصادف يوم صومه يوم السبت
فلا بأس به ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن تقدم رمضان بصوم
يوم أو يومين : ( إلا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه ) ، وهذا مثله .
الحال الخامسة :
أن يخصه بصوم تطوع فيفرده بالصوم ، فهذا محل النهي إن صح الحديث في النهي
عنه " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (20/57).
والله أعلم