بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
تأملات بلاغية في سورة الكوثر
ما الكوثر؟
{
الكوثر } : اسم في اللغة للخير الكثير صيغ على زِنة فوْعل من الكثرة ، وهو
المفرط الكثرة ، وهي من صيغ الأسماء الجامدة غالباً نحو الكوكب ، والجورب ،
والحوشب والدوسر ، ولا تدل في الجوامد على غير مسماها ، ولما وقع هنا فيها
مادة الكَثْر كانت صيغته مفيدة شدة ما اشتقت منه بناء على أن زيادة المبنى
تؤذن بزيادة المعنى ، ولذلك فسره الزمخشري بالمفرط في الكثرة ، وهو أحسن
ما فُسر به وأضبطُه ، ونظيره : جَوْهر ، بمعنى الشجاع كأنه يجاهر عدوّه ،
والصومعة لاشتقاقها من وصف أصمع وهو دقيق الأعضاء لأن الصومعة دقيقة لأن
طولها أفرط من غلظها .
وذكر في معنى الكوثر آراء كثيرة ، فروي عن ابن
عباس ، قال سعيد بن جبير فقلت لابن عباس : إن ناساً يقولون هو نهر في الجنة
، فقال : هو من الخير الكثير . وعن عكرمة : الكوثر هنا : النبوءة والكتاب ،
وعن الحسن : هو القرآن ، وعن المغيرة : أنه الإِسلام ، وعن أبي بكر بن
عَيَّاش : هو كثرة الأمة ، وحكى الماوردي : أنه رفعة الذكر ، وأنه نور
القلب ، وأنه الشفاعة ، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم المروي في حديث أنس
لا يقتضي حصر معاني اللفظ فيما ذكره .
والصحيح في معنى الكوثر هو ما
فسره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « هو نهر في الجنة ، حافتاه
من ذهب ، ومجراه على الدر والياقوت ، تربته أطيب من المسك ، وماؤه أحلى من
العسل وأبيض من الثلج » قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وفي صحيح مسلم ،
واقتطعنا منه ، قال : « أتدرون ما الكوثر؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال :
نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته
عدد النجوم » انتهى .
قال ذلك عليه الصلاة والسلام عندما نزلت هذه السورة وقرأها .
التحليل البلاغي للسورة
•
جَمَع ضميرَ المُتَكَلِّم فقال (إِنَّا) ، وهو يُشْعِرُ بعظم الربُوبِيَّة
، فالعطاءُ يتناسَبُ مع مقام الربوبية المُشَار إليه بضمير التعظيم.
•
صدَّر الجملة بحرف التوكيد مجرى القسم للاهتمام بالخبر، والكلام مسوق مساق
البشارة وإنشاء العطاء لا مساق الإخبار بعطاء سابق، وأريد من هذا الخبر
بشارة النبي صلى الله عليه وسلم وإزالةُ ما عسى أن يكون في خاطره من قول من
قال فيه : هو أبتر ، فقوبل معنى الأبتر بمعنى الكوثر ، إبطالاً لقولهم .
• بَنَى الفِعْلَ على المبتدأ فدلَّ على خُصُوصِيَّة وتَحْقِيقٍ.
•
أوردَ الفعل الماضي (أعطى) دلالة على أنَّ الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة
دون عطاء الآجلة، ودلالة على أن التوقع من سيب (عطاء ) الكريم في حكم
الواقع.
• جاء بالكوثر محذوف الموصوف، لأن المثبت ليس فيه ما في المحذوف
من فرط الإيهام والشياع، والتناول على طريق الاتساع، لذا وردت الأقوال
الكثيرة عن العلماء في تفسير الكوثر، فمن قائل نهر ومن قائل الأتباع ومن
قائل الذكر.. والكوثر يشمل كل ذلك ويزيد، فهو الخير الكثير الموهوب من الرب
العظيم.
• اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة (على وزن فوعل).
• أتى بهذه الصفة (الكوثر) مصدّرة باللام المعروفة بالاستغراق ؛ لتكون ما يوصف بها شاملة، وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة.
• وفاء التعقيب في الآية الثانية مستفادة من معنى التسبب لمعنيين:
ـ جعل الإنعام الكثير سبباً للقيام بشكر المنعم وعبادته.
ـ جعله لترك المبالاة بقولة العدو.
فإن
سبب نزول هذه السورة: ما روي أن العاص بن وائل قال إن محمد صنبورـ
والصنبور الذي لا عقب له ـ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأنزلت هذه السورة.
• قصده بالأمر التعريض بذكر العاص وأشباهه ممن كانت عبادته ونَحْره لغير الله.
•
أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات : الأعمال البدنية والصلاة
قوامها، والمالية ونحر البدن ذروة سنامها، للتنبيه على ما للرسول صلى الله
عليه وسلم من الاختصاص في الصلاة التي جعلت فيها قرة عينه، ونحر الإبل التي
كان لا يجارى فيه، فقد روي أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل في أنفه برة من
ذهب.
• حذف اللام الأخرى لدلالة الأولى عليها. فلم يقل (وانحر له) أو (لربك).
• مراعاة حقِّ السَّجْع الذي هو من جملة صفة البديع إذا ساقه قائله مساقًا مطبوعًا بعيدًا عن التكلّف.
•
قوله (لربك) فيه لطيفتان: وروده على طريق الألتفات التي هي (أم) في علم
البلاغة. وصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر وفيه إظهار لكبرياء
شأنه وإثباته لعز سلطانه.
• علم بهذا أن من حقوق الله التي تعبّد العباد بها أنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه.
•
وفي الآية الثالثة علل الأمر بالإقبال على شأنه وترك الاحتفال بشانئيه على
سبيل الاستئناف الذي هو حسنُ الموقع، وقد كثرت في التنزيل مواقعه.
•
ويتجه أن نجعلها جملة الاعتراض مرسلة إرسال الحكمة الخاتمة والاعتراض كقوله
تعالى: (إن خير من استئجرت القوي الأمين) [القصص: 26]. وعني بالشانئ العاص
بن وائل.
• إنما لم يسمه باسمه ليتناول كل من كان في مثل حاله.
•
صدّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم وعبّر عنه بالاسم الذي فيه
دلالة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق، ولم يقصد بلسانه الإفصاح عن الحق
بل نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي والحسد، وعين البغضاء، ولذلك وسمه بما
يُنْبِئُ عن الحقد.
• جعل الخبر معرفة وهو (الأبتر) والشانئ كذلك، ليعلم أنه المعروف لدى الناس يقال له (الصنبور).
•
اشتملت سورة الكوثر على نوعي الجملة الخبري والإنشائي ، فالخبري هو :
قوله: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. وقوله: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ
الْأَبْتَرُ. والإنشائي هما، قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ. وقوله: وَانْحَرْ،
وهما جملتان إنشائيتان طلبيتان.
• اشتملت سورة الكوثر على الوصل والفصل،
فجملة "انحر" معطوفة بالواو على جارتها " فَصَلِّ لِرَبِّكَ." وهذا الوصل.
وهي منقطعة عن الجملة اللاحقة إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ. وهذا
الفصل.
• الضمائر في سورة الكوثر:
استوعبت سورة الكوثر كل أنواع
الضمير في اللغة العربية دون أن تغفل الأحوال الإعرابية المختلفة وهذا من
العجب العجاب لأننا نضع نصب أعيننا دائما أن عدد مفرداتها لا تتجاوز عدد
أصابع الإنسان، وتفصيله:
فمن بارز الضمائر في السورة ما ظهر في فعل "أعطيناك".
ومن مستترة ما كمن في فعل "صل "أو" انحر".
ولك في جملة "أعطيناك" مثال على المتصل من الضمائر.
ولك في جملة هو الأبتر مثال آخر على الضمير المنفصل.
ولا تحتاج إلى غير سورة الكوثر للتمثيل:
-فضمير المتكلم حاضر في" أعطينا".
-وضمير المخاطب في" أعطيناك" و"ربك" و"شانئك" صريحا، و في"صل" و"انحر"مقدرا.
-وضمير الغائب في "هو" صريحا وفي شانئ مقدرا، فتأمل هذه التناسبات اللطيفة.
جاء في السورة ضمير المفرد وضمير الجماعة. وقد اجتمعا في كلمة "أعطيناك".
جاءت الضمائر في السورة متنوعة بحسب المحل الإعرابي:
- ضمير في محل رفع: (أعطيناك) الضمير الأول فيها فاعل مرفوع.
- ضمير في محل نصب: (أعطيناك) الضمير الثاني فيها مفعول به منصوب.
- ضمير في محل جر: (ربك) الكاف فيها مضاف إليه مجرور.
ومن لطائف السورة في هذا السياق أن الكلمات الدالة على الرب عز وجل ثلاث هي:
- اسم إن.
- فاعل أعطى.
- الرب.
وجاءت على التوالي:
- منصوب
- مرفوع
- مجرور.
وعلى نفس الترتيب الإعرابي جاءت الكلمات التي تدل على الرسول صلى الله عليه وسلم.
- "كاف" أعطيناك منصوبة
- "صل"الضمير المستتر مرفوع.
- "كاف" ربك مجرور.
• الأفعال في السورة:
لم يأت في السورة من الأفعال إلا ثلاثة: "أعطى"-"صلى"-"نحر".
لكنها على قِلَّتها مثلت من المقولات الصرفية والتركيبية عددا كبيرا:
تأملات أخرى مفيدة في السورة
قال الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) ويسمى : التفسير الكبير:
اعلم أن سورة الكوثر على اختصارها فيها لطائف ، ومنها:
أن هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة ، وذلك لأن في السورة المتقدمة وصف الله تعالى المُنَافِقَ بأمور أربعة :
أولها : البخل وهو المراد من قوله : { يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين } [ الماعون : 2 ، 3 ]
الثاني : ترك الصلاة وهو المراد من قوله : { الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ } [ الماعون : 5 ]
والثالث : المراءاة في الصلاة هو المراد من قوله : { الذين هُمْ يُرَاءونَ } [ الماعون : 6 ]
والرابع : المنع من الزكاة وهو المراد من قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } [ الماعون : 7 ]
فذكر
في هذه السورة (أي : الكوثر) في مقابلة تلك الصفات الأربع صفات أربعة ،
فذكر في مقابلة البخل قوله : { إِنَّا أعطيناك الكوثر } أي إنا أعطيناك
الكثير ، فأعط أنت الكثير ولا تبخل ، وذكر في مقابلة :
{ الذين هُمْ عَن
صلاتهم سَاهُونَ } قوله : { فَصَلِّ } أي دم على الصلاة ، وذكر في مقابلة :
{ الذين هُمْ يُرَاءونَ } قوله : { لِرَبّكِ } أي ائت بالصلاة لرضا ربك ،
لا لمراءاة الناس ، وذكر في مقابلة : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } قوله : {
وانحر } وأراد به التصدق بلحم الأضاحي ، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة ، ثم
ختم السورة بقوله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر }
أي المنافق الذي
يأتي بتلك الأفعال القبيحة المذكورة في تلك السورة سيموت ولا يبقى من دناه
أثر ولا خبر ، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل ، وفي الآخرة
الثواب الجزيل . 1- الضمائر بارزة ومستترة: 2-الضمائر متصلة ومنفصلة:
3-الضمائر في إحالتها على عناصر الخطاب تنقسم إلى ضمائر المتكلم والمخاطب
والغائب. 4-باعتبار مقولة العدد: 5-الضمائر باعتبار محلها من الإعراب: 1-
الفعل الصحيح: نحر. 2- الفعل المعتل: أعطى. 3- الفعل المضعف: صلى. 4- الفعل
المجرد: نحر. 5- الفعل المزيد: أعطى. 6- الفعل اللازم: صلى. 7- الفعل
المتعدي إلى مفعول واحد: نحر. 8- الفعل المتعدي إلى أكثر من مفعول: أعطى.