حوار مع الدكتور راغب السرجاني حول الشرطة
الشرطة المصرية كانت قبل ثورة مصر 25 يناير تمثل بعبعًا للمصريين، وكانت
الشرطة يد النظام وأداته التي يبطش بها المعارضين له وخاصة الإسلاميين
والتنكيل بهم.. وفي هذا الحوار مع فضيلة الأستاذ الدكتور راغب السرجاني عضو
اتحاد علماء المسلمين والمشرف العام على موقع قصة الإسلام، نتعرف على
انطباعاته التي لاحظها على جهاز الشرطة، وذلك بعد إلقائه محاضرة -لأول مرة-
في معهد صف ضباط الشرطة التابع لوزارة الداخلية المصرية.. فإلى نص الحوار:
** ما هو شعور فضيلتكم أثناء ذهابكم لإلقاء محاضرة في معهد صف ضباط والتابع لوزارة الداخلية؟
- هذه بالنسبة لي أول مرة ألقي محاضرة في وزارة الداخلية داخل مصر، ولكن
سبق وأن ألقيت محاضرة في وزارة الداخلية بالسودان والجيش في السودان، وكنت
منبهرًا جدًّا وقتها وفي قمة سعادتي؛ لكوني أجد أن الشرطة أو الجيش في دولة
إسلامية تسمع تذكيرًا بكلام الله عز وجل.
ولم يكن يخطر ببالي صدقًا وأنا ألقي تلك المحاضرة في السودان أن ألقي مثلها
في شرطة مصر، ولكن شاء الله أن نرى ما لم نكن نحلم به أصلاً.
كما إنني كنت أشعر بالعزة أن الله عز وجل أعزنا بالإسلام، فما كنا نُطارد
من أجله قديمًا حيث تُغلق المساجد والمحافل والمؤتمرات والجامعات بواسطة
الشرطة، هم أنفسهم من يدعونك لإلقاء محاضرة داخل ثكناتهم لشبابهم وموظفيهم
ولقوَّادهم..!! شيء أشعرني حقيقة أنه لم يدخلني هذا المكان إلا عزة
الإسلام، وأن الله عز وجل -فعلاً- عزيز.
زد على هذا أني استُقبلت بحفاوة بالغة جدًّا بفضل الله وحده، حيث استقبلني
كل طاقم المعهد الموجود في معهد ضباط الشرطة من نقباء ورواد إلى عميد
المعهد.. الجميع استقبلني استقبالاً جيدًا منذ لحظة نزولي إلى السيارة إلى
أن غادرت بالسيارة المكان، حتى إن النقيب الذي قدَّم للكلمة قام بتقبيل
رأسي على الرغم من أنهم قطاعٌ من الأمن المركزي! ومع أنهم -أيضًا- كانوا في
السابق أكثر الناس احتكاكًا بالإسلاميين، وكان النظام البائد -وعلى رأسه
جهاز أمن الدولة المنحل- يستخدمهم في قمع المتظاهرين والطلبة في الجامعات
وأمام النقابات، وهذه وظيفتهم، فكوْن أن يحدث هذا الانقلاب التربوي في عدة
شهور، هذا معناه أن الله عز وجل أراد، فله وحده الفضل والمنة.
كما أن هناك بعدًا آخر أودُّ الكلام فيه وهو المتمثل في قضية التعميم،
ولعلِّي شخصيًّا كنت واحدًا ممن يعاني منه، حيث إنه نتيجة لممارسات سيئة
نراها من بعض أفراد الشرطة، جعلتنا نعمِّم أن قطاع الشرطة بكامله فاسد،
وغير محبٍّ للدين، وإلا فلماذا يفعل كذا وكذا..!
ولكن عندما دخلت على الضباط وعدد من أمناء الشرطة والجنود وجلست بينهم
وتحدثت معهم، اكتشفت أن الوضع غير ما نتصور، ولعلِّي لستُ من السطحية أن
يضحك عليَّ أحدهم، ولكنه يظهر من كلامهم حقيقة ما في صدورهم.. أعني أن فيهم
محبين للدين، ولكن لما كان عيشهم في ظروف معينة مضادة تمامًا لفطرتهم
ومضادة تمامًا لطبيعتهم ورغباتهم، رأينا ما رأيناه. وأنا لا أعذرهم لفعلهم
ما يغضب الله عز وجل، ولكن -حقيقةً- وجدتُ كثيرين منهم يرفعون قيمة الخَلْق
من منطلق الدين.
وقد قابلتُ أكثر من شخصية من هذا النوع في المعهد، ودار بيني وبين بعض
الضباط حوار حول انتخابات الرئاسة ومَن أرشِّح لرئاسة الجمهورية، ومَن مِن
الإسلاميين أرشح، فقلت: إننا في هذه المرحلة لا بد أن نُغلق هذا الملف ولا
نفتحه الآن أصلاً، وذكرت أن كل الموجودين من المرشحين الإسلاميين شخصيات
عظيمة نقدِّرها ونحترمها، وقد يترشح إلى جوار هؤلاء أشخاص آخرون.
ولقد فُوجئت عندما سمعت من الموجودين من الضباط الكبار والصغار أنهم ليس
عندهم أي احتمالية في ترشيح أي مرشح غير إسلامي، وأنهم مع مَن يحمل الصبغة
الإسلامية بالرغم من كونهم لا يحق لهم الانتخاب (كشرطة)، حتى إن بعضهم
سمَّى بعض المرشحين مثل: الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، والدكتور عبد المنعم
أبو الفتوح، والدكتور محمد سليم العوا. وبالطبع هذه التصريحات لم أكن
أتوقعها من ضباط شرطة.
** هل معنى هذا أن فضيلتكم يرى أن هذا انطباع عندهم وليس
مجرد محاضرة دينية ضمن برنامج أسبوعي، وأنهم من داخلهم محبون للدين وكانوا
محرومين منه داخل الشرطة؟
- بالفعل هذا صحيح، ولقد لفت نظري أيضًا أن أثناء المحاضرة كان هناك حالة
من التركيز والانتباه على مدار المحاضرة، على الرغم من أن أغلبية الحضور من
الجنود متوسطي التعليم.
** هل تعتقد أن يكون هذا اتجاهًا داخل وزارة الداخلية أم أنها مجرد ندوة؟
- حقيقة لا أعلم إن كان هذا اتجاهًا داخل وزارة الداخلية أم أنها مجرد
بداية لإعادة التأهيل، وخصوصًا أنه معهد إعداد الشرطة، فإن كانت هذه بداية
فإنها -بلا شك- بداية جيدة للغاية.
** هل يمكننا القول أن تغييرًا جذريًّا حدث في جهاز الشرطة عمَّا كان عليه في فترة ما قبل ثورة 25 يناير؟
- لا نستطيع أن نكون متفائلين بهذه الصورة أو عاطفيين أو مندفعين أو أن
نصفَ التغيير بالجذري، ولكننا نقول: لعله بداية التغيير. ولكن الأهم كيف
سيُكمل الطريق، هذا في علم الله عز وجل؛ لأنه كما يوجد هذا الاتجاه، فلا بد
من المؤكد وجود اتجاه مضاد له.
** ما الموضوع الذي اخترته لتتحدث فيه مع صف ضباط وجنود الشرطة؟
- صراحة اخترتُ موضوع الأخلاق وأثر الأخلاق في بناء الأمم، وتكلمت عن أن
دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لخصها في جملة واحدة وهي قوله: "إنما بعثت
لأتمم مكارم الأخلاق". فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأخلاق هدفًا
ساميًا لكل داعية ولكل أمة إسلامية ناضجة، وعندما تضيع الأخلاق تسقط البلد
ويتقدمها غيرها، وإذا كنا نريد نهضة هذا البلد واستقراره وأمنه، فنحن نحتاج
إلى أن نرتقي بمستوى أخلاقنا وأخلاق الناس.. وضربتُ أمثلة عديدة من
الأخلاق الحسنة للرسول صلى الله عليه وسلم في كيفية إدارة الأمة، وكيف تكون
أخلاق الحاكم، وكيف أن أخلاق الحاكم لو فسدت ستؤدي إلى كراهية بينه وبين
الشعب.. هو يكره الشعب والشعب يكرهه، وبالتالي تسقط مثل هذه الحكومات وتسقط
الأمة كلها، وهذا ما رأيناه في الأنظمة السابقة في مصر وبعض دول العالم
العربي، ونتجت عنها الثورات التي رأيناها، فنحن نريد في هذه الفترة أن يكون
هناك تصالح بين الحاكم والمحكوم.
ثم انتقلت إلى نقطة أخرى وهي أن الأخلاق هذه من الممكن أن تكون موجودة في
أمة من الأمم ومتابعة بالقانون، ولكن إذا اكتفينا بمتابعة الأخلاق بالقانون
فهذا إنذار بضياع الأخلاق في يوم من الأيام؛ لأنه حين يبعد الإنسان عن
دائرة القانون يخالف، وعندما يحس بأنه ليس عليه رقابة من الشرطة أو من
الحكام أو من الأب في البيت أو من المدرِّس يخالف أيضًا. ومن ثَمَّ فلا بد
أن تكون الرقابة من الله عز وجل، ومن هنا فما نحتاج إليه في هذا الوقت ليس
إبراز الدعوة الأخلاقية فقط، ولكن نبرز الدعوة الأخلاقية في ظل العقيدة
الإسلامية، وبالتالي أستشعر رقابة الله عليَّ في كل مكان، وأُرجع كل شيء
للدين.
ولكن لو اعتمدت على ترسيخ الأخلاق بالقانون فقط، فمن الممكن أن أصحاب القانون أنفسهم يفسدون؛ لعدم وجود الرقابة عليهم.
ولذا فمن الممكن أن تفسد السلطة أو الحاكم إذا ذهبت منهم الأخلاق، ولقد
رأينا الكثير من الأمم نمت فيها الأخلاق فسادت، ثم وصلت إلى القوة ففُتنت
بهذه القوة، فبدأت تنظر للأخلاق على أنها ليس لها معنى. ولعل أشهر هذه
الأمثلة أمريكا، فهي طبَّقت الأخلاق داخل دولتها بشكل جيد جدًّا، وبشكل فيه
عدل فسادت، فلما سادت طغت فبدأت تظلم، ولعل الظلم ليس مسموح به داخل
أمريكا، ولكنها تطبقه على مَن في العراق وأفغانستان وفلسطين.
فهذه فتنة كبيرة جدًّا، وما يعصمك من هذه الفتنة أن يكون كل هذا في إطار
الدين، فأنت تفعله لله عز وجل، وبالتالي يكون الحاكم وإن كانت في يده سلطة،
والشرطة وإن كانت في يدها سلطة - متبعًا للنظام الأخلاقي.
هذا ما رأيتُ أن جهاز الشرطة يريد أن يسمعه؛ لأنه في فتنة كبيرة، حيث إنك
تعطيه سلاحًا وسلطة ووضعًا معينًا في البلد، فهذه فتنة كبيرة في غياب
الأخلاق والدين.
** ما هي أبرز الأسئلة من المستمعين؟
- الحقيقة أن كل الأسئلة كانت في العمق، علقت على هذا بأنه أسعدني عمق هذه
الأسئلة، كان هناك سؤال عن الفتنة الطائفية أسبابها وطرق معالجتها وكيفية
الخروج من هذه الأزمة؛ لأنه يريد حلاًّ للمشكلة من جذورها، فهو لا يريد
الخروج يوميًّا لتفريق المتظاهرين. وكان هناك أسئلة حول الترشيحات للرئاسة،
ومَن تراه أنسب لهذا الموضوع. وأيضًا كان هناك أسئلة حول ما حدث في صفقة
شاليط وهل هذا نصر أم لا؟ وهل دم المسلمين حتى يكون دم ألف مسلم مقابل
يهودي واحد؟!
وأخبرتهم أن هذا نصر كبير من الله للمسلمين، وأن اليهود لا يريدون أن
يتركوا واحدًا من جنودهم فقط، حتى وإن دفعوا فيه ألف أسير؛ لأن عدد اليهود
قليل جدًّا وكلهم مسلحون وتحت التجنيد الإجباري، فإذا أحس هؤلاء الجنود أن
قادتهم غير مهتمين بالجندي الأسير، لن يدخلوا الجيش، وسيهربون من التجنيد
الإجباري، ولا أحد يحارب من أجل دولتهم، ولكنهم كيهود أو أعداء يحاولون
اجتذاب أكبر عدد من الجنود.
الأغرب في الأمر أن حماس تتمسك بهذا العدد المرعب وتصر عليه وتصابر عليه
وتكسر أنف اليهود، مع العلم أن اليهود خامس دولة في تصدير السلاح، وحماس
وغزة قطاع صغير جدًّا، فهذا نصر من عند الله سبحانه وتعالى.
** ما انطباعك حول تعامل الشرطة مع الشعب وخاصة الإسلاميين في الفترة المقبلة؟
- أحسست في هذه الزيارة أنهم ليس لديهم الحساسية التي نتخيلها عنهم في
التعامل مع الإسلاميين، وشعرت أنهم غير متحفزين عن رغبة في حرب الإسلاميين
أو عن قناعة من حربهم.. أحسست أنهم كانوا جزءًا من النظام والنظام كان عنده
حرب الإسلاميين، فكانوا يستخدمون هذا الجهاز في قمع الإسلاميين. ولو
تغيَّر الحال وأصبح للإسلاميين الغلبة في الفترة القادمة، فإنهم لن يكون
لديهم أي نوع من الحساسية أو الحرج في التحدث عن الإسلاميين بصورة إيجابية.