همس الأكفان ....
كانت سارحة إلى عالم بعيد ...... حينما قامت بفتح الخزانه...
كانت تفكر فيما سوف ترتديه في حفل زفاف صديقتها الحميمه
نعم.. فهي يجب أن تفكر أكثر من مره ......... وتحسن الإختيار
لأنها ستكون بجانب صديقتها في حفل الزفاف مع أخوتها ..
إنها أنيقة ......جدا ..... وجميلة أيضا ..... يجب أن تبهر الحاضرات
..... بفستانها الرائع وفتنتها القاتلة .....
وتكون ....في قمة جاذبيتها أيضا ......
بحثت في خزانتها الأولى لأنها تملك خزانتين وليست واحدة .....
لأن أثوابها كثيرة جدا ....وحليها أكثر وكذلك حقائبها ......
وأحذيتها الملفتة للنظر من كثرة علوها .....
وكذلك .....عطورها الباريسيه وأدوات تبرجها الباهظة الثمن ...
واختارت من خزانتها ما سوف ترتديه ....
وارتدت أجمل ثوب .... بعد إختيار صعب وحيرة دامت ساعة كاملة ...... فهي الأنيقة الفاتنة ....وكانت حفلة رائعة طويلة أمتدت حتى بعد صلاة الفجر..... وعادت ولكن بعد شروق الشمس ...... أسرعت .....
وأخذت تخلع كل ما أرتدته وجرت لتتوضأ بروح سكيرة من إعياء السهر .... وصلت الفجر قضاء .....للأسف
لا تعي ما رتلته من آيات ولا تعي كيف أستطاعت الوقوف بين يدي الله ......لأنها سكيرة من إعياء السهر ...والرقص على إنغام الماجنات طوال الليل ........ ولكن ....... سكرة السهر إختفت فجأة......
حينما فتحت خزانتها وقفت متصلبة من هول المفاجأة
وتساءلت قماش أبيض؟ ........
مكتوب على ورقه ملصقة علية كفن ؟.........
ماالذي أتى بهذا الكفن هنا؟......
وأفاقت بسؤال أصعب ....أين زوجي؟ .......
أنه ليس نائم في فراشه ......
تسارعت نبضات قلبها بعنف وأرتعشت أوصالها وبلعت ريقها في صعوبه بالغة ..... لا تعلم ماذا تفعل ....
حتى سمعت صوت زوجها الذي فاجئها من خلفها
= هل عدت ؟ أخيرا .....
وسئلته وهي مازالت تنظر إلى الكفن ودون ان تلتفت لزوجها
= ماالذي أتى بهذا الكفن في خزانتى ....؟
تنهد في ضيق وقال .....
= لقد توفى جارنا الشيخ إبراهيم رحمه الله
وصلينا عليه ودفناه بعد صلاة الفجر مباشرة
ألتفتت إليه في بطء وعينيها ممتلئة بالخوف وتمتمت بصوت خافت
= رحمه الله .......ولكن ما الذي أتى بهذا الكفن هنا ؟
= أبدا .. لقد قلت في نفسي بما أنه رجل فقير ربما لا يملك كفنا
فأشتريت له هذا الكفن ولكنه رحمه الله كان يملك كفنه فأحتفظت به
أقتربت وهي تنظر في عينيه مرتعبه
خذ هذا الكفن وضعه في خزانتك وليس في خزانتي
رد عليها في برود
= وهل املك خزانة ؟
فقد أخذتي خزانتي هذه ووضعتي بها اثوابك
وكما ترين اثوابي داخل خزانة الأولاد وبالكاد تكفي
ولم اجد مكانا غير هذا المكان
أطمئني سوف أخذهه بعد غدا إلى أقرب مغسلة للأموات واتبرع به لهم
= ماذا ؟...... وهل سأنتظر إلى بعد غدا ؟ ما هذا الشؤم
= شؤم ؟ أذهبي ...... للنوم ياعزيزتى الموت يأتى بلا موعد سوء أكان في خزانتك كفنا أم لا أنه أمر واقع فلا مهرب منه
ومر اليوم وهى مازالت نائمة ومازالت تعاني من سكرة سهر الليل
مسكينه .... ذهبت صلا الظهر والعصر أيضا وصلتهما
ولكن جمعا مع المغرب .......وجاء الليل ..... بهمومه وآلامه وسواده
فقد جاءها خبر وفاة والدتها الحبيبة ......أمها ... وفقدت حنانها
ودفئها وخوفها وحبها وعطائها الغير محدود أخذها الموت ورحل ليقبض الكثير بل الملايين من العباد ..... ليترك ذويهم وأحبابهم باكين ينتظرون دورهم .. لا يعلمون .......متى سيأتي ....
وبقت بمفردها في عزائها ....... وهي جالسة على فراشها تنظر
لخزاناتها وأقتربت في لحظة لم تمر بها قط في حياتها المملوءة
بالملاهي .... والملذات ...... والأهواء ...... والرغبات التي لا تنتهي .....وأيقنت أنها كانت في دوامة كبيرة أخذتها وأغرقتها
فلم ترى في حياتها غير نفسها ومتعة جسدها .....
وقامت وفتحت الخزانة بقلب مكلوم وعينين منتفختين من البكاء المر ........ ولأول مرة ترى الكفن
وضعته على الأرض .... فهي لم تستطع تعليقه لآنه بلا أكمام
وأيضا بلا ألوان ...... ولا مزركشات
ورصت ملابسها كلها ........ كلها .... امامه من الجهة الأخرى
فوجدت بأنها لن ترتدى سواه يوما ...... وبلا إختيار .....
لن يتردد مكفنوها دقيقة واحدة في إلباسها هذا ....
لن تأخذ عقدها هذا معها ولا ذاك أيضا .... وستوضع في قبرها حافية بلا حذاء وبلا حقيبة وبلا حليها الكثيره .....
وبلا عطرها الباريسي ولا حتى خاتمها الصدأ .....
لن تأخذ غير كفنها الذي سوف يبلى أيضا ويبقى........ عملها فقط ..
جحظت عيناها وأخذ تنفسها يضيق .... يضيق وقلبها يخفق بعنف
ومر امامها .......... نعم ..... أنه شريط حياتها
كذبت .... خانت ...... أغتابت ..... شتمت ...... أهملت صلاتها
أضاعت وقتها ..... حقدت ..... مكرت .....
إذن أين أعمالها الطيبة ذهبت ..... هل ستذهب للقبر بسوء العمل ......
هل ستذهب للقبر بحاجبيها المنمصتين ؟ وشعرها المستعار ؟
والوشم الذي على ظهرها ؟ وخلقتها التى قامت بتغيرها وصلاتها التي لا تعلم كيف صلتها وهل قبلت أم لا ؟ نسيت كثيرا تلاوة القرآن ونسيت ان تكون من المحسنات ..... لم يتبقى لها غير البكاء على ماضيها الأسود .... على أيامها التي ضاعت سدى ... كان ليل كئيبا .....
كئيبا ...... وكان لليل نهاية ولكنها نهاية مؤسفة و........ الكفن لم يدم طويلا وهو على الأرض ... لقد أنتهت حياتها البائسة شر نهاية ..... وأندهست ملابسها بالأقدام لكي ينزعوا الكفن من بينها
رحلت ....... بكفنها فقط ...... وأعمالها..... السيئة .