أطلق الناقد لويس لوروا اسم ( الانطباعيين ) على مجموعة من
الرسامين الذين عاشوا في فرنسا في القرن التاسع عشر و حتى مطلع القرن
العشرين ، حيث قاموا بتغيير جذري في مبادئ الفن ، و سبب تسميتهم
بالانطباعيين يعود إلى اتخاذهم الطبيعة لوحة لهم في الوقت الذي فرض عليهم
كبار الفنانين في تلك الفترة التقيد بقواعد التركيب و التقيد بالنماذج
الإغريقية و اليونانية ( المنهج السائد في ذلك الوقت و كان أشبه بما نسميه
رسم الطبيعة الصامتة ) مبتعدين عن حرية الرسم في الطبيعة ، لذلك
اعتبرت لوحاتهم في تلك الحقبة الزمنية بأنها لوحات خارجة عن المألوف و أن
أصحابها أساؤوا إلى الفن ، أما نحن في عصرنا الحالي ننظر في تلك الروائع و
نشاهد آراء الفنانين الانطباعيين و خيالهم و نتقبلها بمثابة طبيعة لرؤية الأشياء و تصوير محيطنا.
كان كلود مونيه ( معلم الانطباعية ) هو من أوجد هذا الأسلوب إلى جانب
موضوعات أخرى من الأعمال الفنية المتميزة خلال ستين عاما من الإنتاج الفني .
ولد مونيه في 14 نوفمبر من عام 1840م في باريس لتاجر معدات البواخر ، وفي
العام 1845م انتقلت عائلته إلى مدينة لوهافر و هناك ترك وادي نهر السين
انطباعا محببا للطبيعة لديه ، و هذا ما نراه في لوحاته .
بدأ
مونيه حياته الفنية كرسام كاريكاتوري ، و كانت رسوماته تعلق في المحل
بجوار لوحات الفنان بودان الذي تعرف إليه في العام 1875م ، و قد تعلم مونيه
من بودان مبادئ رسم المناظر الطبيعية.
و في العام 1816م و حتى العام 1862م التحق بالجيش و الخدمة العسكرية في
الجزائر حيث حصل هناك على انطباعات الضوء و اللون التي احتوت بذور أبحاثه
المستقبلية.
تعرف في العام 1862م بالرسام الهولندي
جوهان جونكيند المتخصص في رسم المناظر الطبيعية ولطالما اعتبره مونيه
أستاذه الحقيقي . أما في العام 1863م تعرف على تلامذة الفن رينوار و بازيل و
سيزلي الذين ارتبط معهم بصداقة عميقة فيما بعد ، و قد كانوا و إلى جانب
الفنان بيسارو نواة المدرسة الانطباعية.
مع مرور السنين اكتسب مونيه الخبرة من الطبيعة و دقة تصويره لها ، وهذا ما نلاحظه من لوحاته .
و عندما نصف لوحات مونيه لا يسعنا سوى القول أنها ضربات جريئة من فرشاته
التي ميزت لوحاته بهدأة ألوانها الزيتية المتماوجة و المتناسقة الأطياف و
المتداخلة الشفافية ، و لم يكن يستخدم في المعتاد غير الألوان
الأساسية التي كان يعمل على تدريجها ليحصل منها على اللون الذي يريد ، و من
يشاهد تلك اللوحات يعيش فيها كما لو كان يستنشق عذوبة الهواء و فوح الورود
و يلامس النسيم بشرته.
أحب مونيه الماء بتموجاته
و انعكاسات الضوء عليه فكان هذا الدافع وراء شقه بركة ماء في حديقة منزله
في جيفرني ، و يمر من فوق تلك البركة جسر جميل تتدلى منه الداليات الخضراء ،
و قد قام مونيه بملأ البركة بزنابق الماء بألوانها المتعددة الخلابة ، و
من الأدلة على مدى حبه لبركته و افتتانه بالمنظر أنه ظل يرسم فيها أمدا
طويلا رغم بصره الذي تلاشى تدريجيا حتى الاختفاء التقريبي ، و كان
قد أصيب بالماء الأبيض و التي بدون أدنى شك أثرت في نسبة ترشيح الألوان
لديه عند رؤية الأشياء ، إذ بدا ذلك واضحا في لوحاته التي رسمها في مرحلته
الأخيرة.
و كان مونيه قد شرح هدفه الفني في
سنة وفاته حيث قال : ( لقد كنت أكره دائما النظريات و فضيلتي الوحيدة كانت
الرسم بصورة مباشرة أمام الطبيعة محاولا في نفس الوقت رسم الانطباعات التي
تتركها الطبيعة علي ).
و أخيرا اشتهرت لوحاته في العام 1920م أي قبيل وفاته بست سنوات فقط .
بعد اكتشاف لوحات مونيه الذي طال أمد اكتشافها أخذ بعضهم يصف لوحاته بأن
فيها تتفاعل نغمات الأعاصير و النسائم في مباراة رائعة من الألحان هي معركة
بين الإيقاع و الشكل و العقلانية من جهة ضد قوى الابتكار و فانتازيا
التحرر من القيود و الوجود من جهة أخرى .
لم تنعم
ريشته بالراحة حتى وفاته في السادس من ديسمبر من عام 1926م تاركا روائعه و
علمه في أشهر و أجمل المتاحف في مختلف بلاد العالم .