يصعب تخيل الطعام والمآكل أحيانا من دون البهارات، فالطعام معها دائما
أغنى وأشهى وأكثر قابلية لما تحمله من روائح طيبة ومذاقات ونكهات لا تعوض.
وقد تمكن البشر خلال تاريخهم الطويل من استغلال الكثير من أنواع النباتات
واكتشاف عدد هائل من الأنواع التي يمكن استخدامها كبهارات تطيب اللحم أو
الخضار وتخرجها من رتابة طعمها التقليدي.. ولذلك لجأوا إلى البذور والثمار
الناضجة كالفلفل والخردل والجذور والأبصال كالزنجبيل والثوم والأوراق
والقشور كما هو الحال مع الزعتر والكزبرة والبقدونس والنعناع وإكليل الغار
الرائع. ولم يقتصر استخدام البهارات على التمتع بالطعام فقط، بل تعداه إلى
استخدامات كثيرة أخرى، والأهم فيها النواحي الطبية والعلاجات والأدوية، كما
استخدمت كحافظ للطعام كما كان حال الملح في الكثير من المناطق الساحلية.
وبالطبع، وفي القرن العشرين، دخلت البهارات عالم التصنيع من أبوابه العريضة
ودخلت في صناعة الكثير من المواد والبضائع مثل أدوات التجميل والشامبو
والكثير من المشروبات.
ويصعب أيضا وضع تاريخ محدد لبدء الناس
باستخدام البهارات، وعلى الأرجح أن الأمر كان يتطور مع الوقت، إلا أن
الاستخدامات الأولى للبهارات تعود بشكل عام إلى الحضارات الأولى والحضارات
القديمة، وخصوصا على صعيد الاستخدام المتعدد والمكثف. ولذلك أيضا أصبحت
أنواع كثيرة من مجموعة البهارات العظيمة من أهم المواد التجارية بين الدول
والشعوب والأمم في قديم الزمان. ويقال إن تجار العبيد الذين اشتروا النبي
يوسف (عليه السلام) من إخوته كانوا في قافلة خاصة بنقل البهارات. وتقول
الموسوعة الحرة في هذا الإطار، إن البشر يستخدمون البهارات منذ 50 ألف سنة،
وإن تجارة البهارات عرفت «في الشرق الأوسط نحو سنة 2000 قبل الميلاد وعلى
الأخص القرفة والفلفل. وتم مؤخرا اكتشاف آثار لفصوص من الثوم في موقع ترقة
الأثري في منطقة دير الزور يعود تاريخها إلى عام 1700 قبل الميلاد». ويذكر
الثوم في الكتب القديمة وعلى رأسها ملحمة رامانا الهندية التي يعود تاريخها
إلى عام 200 قبل الميلاد أيضا. وبالطبع جاء ذكر الكثير من أنواع البهارات
في المخطوطات الرومانية، إذ كانت البهارات طوال الفترة الرومانية جزءا مهما
من عالم الطعام وحياة الأباطرة. وفي القارة الصفراء في آسيا أيضا، وخصوصا
في الجنوب ذكرت الكتابات الهندوسية المخطوطة باللغة السنسكريتية جوز الطيب
التي يعتقد أنها جاءت من جزر الملوك. ويطلق على جزر الملوك هذه اسم جزر
التوابل أيضا. وهي مجموعة من الجزر الإندونيسية القريبة من خط الاستواء.
ويقال إن توابل الجزيرة هي التي جذبت الناس والبشر والتجار إلى الجزر
الإندونيسية وأهمها: ترنيت وتيدور وهاماهيرا وأمبون وجزر الباندا. ويبدو أن
البرتغاليين كانوا أول الأوروبيين الذين جاءوا بالقرنفل إلى جزيرتي تيدور
وترنيت بداية القرن السادس عشر عندما قاموا ببناء أول مستعمراتهم في تلك
المنطقة من العالم. ويقول الكثير من المؤرخين إن الدافع وراء رحلة المكتشف
والبحار البرتغالي فاسكو دي غاما الشهير نهاية القرن الخامس عشر، كان
السيطرة على طرق تجارة البهارات والتحكم بها، إذ كان البرتغاليون والإسبان
في تلك الفترة يشكون من الأسعار التي كانت تفرضها مدينة البندقية
الإيطالية.
وبعد فاسكو دي غاما، نشط القائد السياسي والبحري في
البرتغال أفونسو دي البوكريك في منطقة المحيط الهندي وأخضعها لسلطانه،
وحاول عزل معابر المحيط الهندي عن بقية البحار مثل المحيط الأطلسي والبحر
الأحمر والمحيط الهادي والخليج العربي، ليبقي المحيط الهندي حكرا على
الإمبراطورية البرتغالية ويتحول إلى بحيرة مغلقة. وبعد سيطرته على أرخبيل
سقطرة ومنطقة هرمز وغوا في الهند بداية القرن السادس عشر، تمكن البرتغاليون
من الاتجار بالبهارات مباشرة مع جزر الملوك والصين وسيام. وكانت الفانيليا
والشوكولاته والفلفل الحار وبعض أنواع الفلفل الأسود وما يعرف بـ«بل» من
أكثر الأنواع المطلوبة والمحمولة آنذاك. وكانت جزيرة غراندا أيضا في جزر
الكاريبي تنشط على هذا الصعيد وخصوصا تجارة جوز الطيب وغيره من الأنواع.