ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله أول تكليف في الإسلام الدعوة، قال
تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1، 2].
فالانتساب
إلى الإسلام يتطلب من كل فرد بذل الجهد؛ من أجل أن تكون كلمة الله هي
العليا.
فأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يحمل همَّ الدين
من أول يوم أسلم، فيسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة.
وكان
الصحابة -رضي الله عنهم- من أول يوم إسلامهم وهم ينشرون الدين بالحكمة
والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن؛ ففي حديث الأعرابي الذي قطع
المسافات ليسأل النبي: "يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله
أرسلك"[1].
أمم أسلمت عندما دخل أحد المؤثرين في القبيلة
وأخذ يدعوهم مثل الطفيل بن عمرو الدوسي الذي كان سيدًا مطاعًا ومن أشراف
العرب، فلما دخل على النبي في المسجد واستمع إليه ذهب إلى بيته وأقنعه
الرسول، ثم ذهب إلى قومه وما زال بهم حتى أسلم معه جمٌّ غفير.
كان
الرسول وحيدًا يدعو إلى الله على بعيره، وهو نبي الرحمة، وحمل همَّ الدين
حتى كادت نفسه أن تخرج بسبب إعراض بعض مَن يدعوهم إلى الإسلام، قال تعالى:
{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا
بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6].
وموسى -عليه
السلام- يبكي كما جاء في حديث الإسراء، فيقول: "أبكي لأن غلامًا بُعث بعدي،
يدخل الجنةَ من أمته أكثرُ ممن يدخلها من أمتي"[2].
فالصحابة
يحزنون لتخلفهم عن الخير بسبب عجزهم وعيونهم تفيض من الدمع حزنًا؛ لأنهم
لا يجدون ما ينفقون، ويبذل الصحابة كل ما يملكون حتى لا ينقص أتباع هذا
الدين، فقال الصديق عندما أراد التوجه إلى المرتدين: "أينقص الدين وأنا
حي؟!".
لقد كانت همة الصحابة عالية جدًّا في نشر الدين
والحسبة والدعوة، فها هو ذا أبو أيوب الأنصاري وهو ابن الثمانين يموت على
أسوار القسطنطينية.
وكانوا
يقول، قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41]، ولا
أجدني إلا خفيفًا وثقيلًا. وعمر الفاروق -رضي الله عنه- وهو على فراش الموت
يقول: "لا حظَّ في الإسلام لمن ضيع الصلاة".
وخالد بن
الوليد -رضي الله عنه- بعد أن جاهد وأبلى بلاء حسنًا في الإسلام، يقول وقد
كبرت به السن وهو مريض على الفراش يعاتب نفسه كيف يموت هذه الميتة، ولم يمت
داعيًا أو غازيًا في سبيل الله.
أيها المسلم، إن
أعمارنا قصيرة، فكم كان منها لله ولنشر الدعوة داخل البيت وفي العمل وفي
الحي وفي المسجد، وفي داخل الكويت وخارجها عن طريق شبكات الإنترنت والإعلام
وغيره، بل العمالة داخل البيوت.. كلٌّ ينشر الدين حسب استطاعته؛ فأحب
الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ.
ولا يضع المسلم
المعاذير والعقبات ويسوِّغ لنفسه هذا التقاعس، بل يرفع همته ويكون رقمًا
مهمًّا في الإسلام وأن يكون له مواقف طيبة؛ ليكون قدوة لمن بعده ويسطِّر
الإنجازات لتكون في رصيده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب
سليم.
فانظروا كم نبذل من جهدٍ من أجل المال أو مكاسب
دنيوية، ويقل هذا الحماس والجهد من أجل الدين.
نسأل الله
أن يجعلنا جميعًا مفاتيح للخير، مغاليق للشر.
[1] رواه
مسلم.
[2] متفق عليه.
الكاتب:
د. بسام خضر الشطي
المصدر:
مجلة الفرقان الكويتية