غزل فيسبوكي
http://postimg.org/image/egyo7p6tv/
يقال في اللغة : غَزِلَ بِالنِّسَاءِ : حَادَثَهُنَّ بِلُطْفٍ وَرِقَّةٍ وَكَلاَمٍ عَذْبٍ وَتَوَدَّدَ إِلَيْهِنَّ . ويقال: غزِلَ بالمرأة : شغِف بمحادثتها والتودُّد إليها أو وصفها ، وشِعْرُ الغَزَلِ : هو الشِّعْرُ الَّذِي يُقَالُ فِي النِّسَاءِ وَوَصْفِهِنَّ وَالتَّشَبُّبِ بِهِنَّ .
والتغزل بالمرأة الأجنبية حرام مطلقا وقد أجمع عليه فقهاء المسلمين سنة وشيعة ، بل إن حرمة التغزل بالأجنبية المعروفة تعتبر من ضروريات الدين ، والمرأة الأجنبية هي كل من جاز لك الزواج منها ممن لم يكن بينك وبينها حرمة نسبية كأمك أو حرمة سببية كزوجتك أو أمك التي أرضعتك إلى آخر ما هو مذكور في القرآن الكريم .
وقد أطلقت النصوص الشريفة على التغزل بالمرأة الأجنبية مصطلح التشبيب ، وذكرت النصوص أن التشبيب حرام بل إن حرمته ترقى إلى حرمة الكبائر من الذنوب ، وقد بحث الفقهاء هذا الأمر في كتبهم عندما تحدثوا عما يحرم أخذ الأجرة عليه من الأعمال ، ومنهم من تحدث عنه في معرض حديثه عن الكبائر ، قال العلامة الحلي (قده) :
الرابع عشر: الغيبة حرام، وكذا استماعها، وهجاء المؤمنين، والكذب عليهم، والنميمة، وسبّ المؤمنين، والسعي في القبيح، ومدح من يستحقّ الذم وبالعكس، والأمر بشيء من ذلك، وأخذ الأجرة عليه، والتشبيب بنساء المؤمنين. وأضاف : والتشبيب بامرأة معروفة غير محلّلة، يفسق فاعله به، و تردّ شهادته .
وقال الفقهاء رضوان الله عليهم أن تشبيب الرجل بالمرأة حرام لأنه يؤدي تفضيحها ، وهتك حرمتها، وايذائها، واغراء الفساق بها، وادخال النقص عليها وعلى أهلها، ولذا لا ترضى النفوس الأبية ذوات الغيرة والحمية أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم وأخواتهم، بل البعيدات من قراباتهم.
ولكن الفقهاء رضوان الله عليهم حصروا التشبيب بقول الشعر وذلك أن ينشد في امرأة أجنبية شعرا غزليا يتغزل بجمالها وصفاتها ، وألحق بعضهم النثر به ، وكل كلام يقال على سبيل التغزل كأن يقول ما أروعك ، وما أجملك ، وسلمت أناملك ، وسلمت عيناك وغيرها من التعابير التي توحي بالمودة والحب ولو ظهر من الحب أنه حب في الله أو حب بريء فكل ذلك لا ينبغي إتيانه .
وقال الفقهاء : أن التشبيب حرام فيما لو أن كان الكلام أمام الآخرين ، فلو قاله وحيدا لا يسمعه أحد لا يشمله حكم التشبيب .
في الفيس بوك يمكننا أن نشهد هذا النوع من التشبيب والتوصيف والغزل ، وينطبق عليه حكم التحريم لأنه تغزل أولا ، ولأنه تغزل على الملأ فكل من يدخل صفحة المرأة أو صفحته يطلع على ما كتب .
في الفيس بوك نشهد التغزل بوضوح فما كثر التغزل بجمال الصديقات إننا نشهد كثيرا من تلكم التعابير كأن يكتب لها : مساء الورد ، أو يكتب مساء الأنوار والمحبة ، أو يكتب : صباح يملؤه الحب والعطاء ، أو يكتب : صباحك ورود وياسمين ،أو يكتب : صباح القلوب الدافئة ، أو يكتب سبحان الذي أعطاك هذا الجمال ، أو يكتب : أحسنت يشو أنت روعة ، أو يكتب : تغار الأقمار من بهائك وتستحي الشموس من جمالك ، أو يكتب : ما ارق قلبك وما ألطف مشاعرك ، أو يكتب : أي قلب عاشق قلبك أيتها الرائعة ، أو يكتب : ما أرهف روحك وما اصدق مشاعرك ،أو يكتب : جعلنا من الاجزاء الجميلة لحياتكم. صباح الورد والياسمين. أو يكتب أنت حمامة بيضاء أنت الجمال والطهر والبهاء . أو يكتب : ما أعذب كلامك كله رقة وعذوبة وحنان . أو يكتب لها شاكرا قبولها له صديقا فيقول : أختي العزيزة اتمنى من الله ان اكون نعم الاخ ونعم الصديق المخلص صداقه مبنيه على الاحترام المتبادل وشكرا لكى على قبول صداقتى ؟!!
وهل يصح بناء هكذا نوع من الصداقة ؟!
أو يكتب آخر لواحدة قبلت صداقته حديثا : صباحك هلا ، وشوووق وغلا ، صباحك نووور وفرح وسرور ، وعطر وبخور وجميلات وحور ، صباحك ذوق وقدرك في قلبي فوق ، صباح الورود تستحي من الخدود .
أو تكتب واحدة تعليقا على كلمات نشرها صديقها فتقول : الحمد لله نعمة ربنا انعم علينا فيها اطيب وأحن صديق .
أو تكتب واحدة على حائطها : نحن لا نحتاج الحب ، نحتاج للقلوب التي تمنحنا إياه بصدق ..! فيجيبها واحد : لك قلبي بصدق وعقلي بصدق ولك بسمتي وهمستي
فتجيبه : شكررررررررررا . قلبك كبير وهمسك حلو يا صديقي الغالي .
أو يكتب واحد معبرا عن مدى فهمه لمتطلبات الحياة فيقول : تستطيع أن تسعد نفسك بنفسك عليك بالأكل ، بالعناق ، بالنوم ، بالحب ، بالهاتف ، ما في فخامة أكتر من هيك .
فتجيبه والهة من أصدقائه : الأجمل من هذا أن لا تكون وحدك ، أن يكون معك شخص همسه خفيف وملمسه ناعم !!!!
أو تكتب واحدة : أعشق منك كلك ...وأحب فيك كل ما فيك ... فيعلق واحد : عيني يا عييين عالحب وعلى كلووو ، ويعلق ثانٍ : نيالوووووووو .
هذا غيض من فيض التعابير الماجنة وغيرها من التعابير التي هي اقرب إلى السهام منها إلى الكلام لأنها بلا شك تترك أثرا في نفس المرأة التي تأنس بها عندما يقولها رجل غريب وربما يأخذ بتلابيبها ويستولي على فكرها والدليل على ذلك أنها تسارع للضغط على زر اللايك (like) كتعبير عن ترحيبها بما كتب لها ، ،والدليل على ذلك أنها لو لم ترتح المرأة لكلام هذا المتكلم لأهملته من التعليق على الأقل أو لحذفته أو لحذفت القائل من قائمة الأصدقاء . فإذا لم تفعل دل ذلك على ارتياحها له وارتباطها النفسي به وهنا تكمن الحرمة .
والسؤال المطروح هنا : هل يجوز هذا ، هل يجوز اللعب بمشاعر المرأة بهذا الشكل والنفوذ إلى زاوية من زوايا قلبها من غير أن تشعر المرأة أنها تتورط بعلاقة لا تستطيع الإنفكاك منها .
هذا من ناحية الرجل تجاه المرأة فأما من جهة المرأة فكيف لها أن تكتب جملا في صفحتها تحمل معاني غير مباحة ، أو معاني يمكن حملها على عدة وجوه ؟!!
كيف للمرأة المسلمة المؤمنة أن تصادق رجالا لا تعرفهم ولا يعرفونها من شرق العالم وغربه ؟!
وكيف لها أن تكتب على صفحتها ما تمر به من أزمات نفسية أو عائلية ، وما يجيش في صدرها من آلام ومرارات ؟!
كيف لها أن تطلق لنفسها العنان كي تعبر عن مشاعرها العاطفية أمام الملأ وعلى رؤوس الأشهاد ؟!
ومن هم هؤلاء الذين تشكين لهم ؟! من هم هؤلاء الذين تصبحيهم وتمسيهم ؟!
أفهم أن تدخل الفيسبوك ، أفهم أن تنشر ما فيه فائدة ، لكن ما فائدة بناء العلاقات مع الأباعد من الناس ومن دول أخرى ومجتمعات أخرى ولو كانت بريئة وغالبا ما تبدأ العلاقات العاطفية بريئة .
أفهم أن تنشري أفكارا تعتبريها نافعة للآخرين ، وأن تكوِّني صداقات ولكن كونيها مع نساء مثلك لا مع رجال أجانب ، تقضين الليل والنهار تتصفحين ما يكتبون لك وما يعلقون وتبتسمين لما يردك منهم من كلمات معسولة الأحرى بهم أن يقولوها لزوجاتهم البائسات مثلك ، المتروكات المهملات المعنفات .
إن كل هذا حرام ، وكل تعابير يمكن أن تلج القلوب فهي حرام عليك والدليل قوله تعالى : فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا .
والخضوع في القول هو التكلم بكلام فيه غنج ودلع أو التكلم بكلام يحمل إيحاءات غزلية عند المتلقي ولو كانت نية الكاتبة أو المتكلمة غير ذلك .
فيا أيتها المقتديات بالزهراء سلام الله عليها ، ويامن تسمين أنفسكن على صفحات الفيس بوك : روح فاطمة وعاشقة وروح فاطمية وفداء لفاطمة و. و و . ( لا اقصد أسماء بعينها ) إعلمن أن فاطمة الناطقة بلسان الوحي تقول : خير للمرأة أن لا ترى رجلا وأن لا يراها رجل .
وربما يكون من جميل الختام أن أختم هذه المقالة بقوله تعالى : يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا.
إننا نشهد حفلات من الغزل الفيسبوكي ، والملفت أن الأزواج يهملون هذا الفعل دون أن تتحرك فيهم الغيرة والحمية والرجولة والأخطر أن يكونوا مرتاحين لذلك .
ومساؤكم .....
وصباحكم ...
السيد بلال وهبي