منتديات ستار ديزاين
عزيزي الزائر ..

نتمى منك التسجيل منتدانى المتواضيع

تحيات طاقم الإدارة

اهلا وسهلا بك
منتديات ستار ديزاين
عزيزي الزائر ..

نتمى منك التسجيل منتدانى المتواضيع

تحيات طاقم الإدارة

اهلا وسهلا بك

منتديات ستار ديزاين

تصميم و برمجة المواقع
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

  ملف شامل عن الإعتكاف

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
السااامA

السااامA


تاريخ التسجيل : 13/03/2011
عدد المساهمات : 3866
نقاط : 52941
الجنس : ذكر
الموقع : الطائف _ شهاار

 ملف شامل عن الإعتكاف Empty
مُساهمةموضوع: ملف شامل عن الإعتكاف    ملف شامل عن الإعتكاف Empty15/07/11, 11:24 pm

معنى الإعتكاف


الاعتكاف لزوم الشيء وحبس النفس عليه , خيراً كان أم شراً قال تعالى { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (52) سورة الأنبياء أى مقيمون متعبدون لها و المقصود به هنا لزوم المسجد والإقامة فيه بنية التقرب إلى الله عز وجل .

مشروعية الاعتكاف

أجمع العلماء على أن الاعتكاف مشروع فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً ::: رواة البخاري و أو داود و ابن ماجة ::: ,, و قد اعتكف أصحابة و أزواجه معه و بعده و هو و إن كان قربة إلا انه لم يرد في فضلة حديث صحيح ,, قال أبو داود: قلت لأحمد رحمه الله : تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً ؟ قال : لا إلا شيئاً ضعيفاً .

أقسام الاعتكاف

ينقسم الاعتكاف إلى مسنون و إلى واجب فالمسنون ما تطوع به المسلم تقرباً لله عز و جل و طلباً لثوابه و اقتداء بالرسول صلى الله عليه و سلم و يتأكد ذلك في العشر الأواخر من رمضان لما تقدم و الاعتكاف الواجب ما أوجبة المرء على نفسه إما بالنذر المطلق مثل أن يقول : لله على أن اعتكف كذا أو بالنذر المعلق كقوله : إن شفا الله مريضي لأعتكفن كذا و في صحيح البخاري عن الرسول صلى الله عليه و سلم قال (( من نذر أن يطيع الله فليطعه )) و فيه : أن عمر رضي الله عنه قال : يا رسول الله إني نذرت أن اعتكف ليلة فى المسجد الحرام , فقال (( أوف بنذرك )) .

زمن الاعتكاف

الاعتكاف الواجب يؤدى حسب ما نذره و سماه الناذر فإن نذر الاعتكاف يوماً أو أكثر وجب علية الوفاء بما نذره و الاعتكاف المستحب ليس له وقت محدد فهو يتحقق بالمكث في المسجد مع نية الاعتكاف طال الوقت أم قصر و يثاب ما بقى في المسجد فإذا خرج منه ثم عاد إلية جدد النية إن قصد الاعتكاف فعن يعلى بن أمية قال : إني لأمكث في المسجد ساعة ما أمكث إلا لأعتكف و قال عطاء : هو اعتكاف ما مكث فيه و إن جلس في المسجد احتساب الخير فهو معتكف و إلا فلا و للمعتكف أن يقطع اعتكافه المستحب متى شاء قبل قضاء المدة التي نواها فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفة و انه أراد مره أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه فضرب قالت عائشة : فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضُرب و أمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم ببنائه فضُرب فلما صلى الفجر نظر إلي الأبنية فقال : ما هذه ؟ البر تُردن ؟ قال: فأمر ببنائه فقوض وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول ( يعنى من شوال ) فأمر الرسول صلى الله عليه و سلم نساءه بتقويض أبنيتهن . و ترك الاعتكاف بعد نيته منهن دليل على قطعه بعد الشروع فيه و في الحديث أن للرجل أن يمنع زوجته من الاعتكاف بغير إذنه و إلية ذهب عامة العلماء و اختلفوا فيما لو أذن لها هل منعها بعد ذلك ؟ فعند الشافعي وأحمد وداود : له منعها و إخراجها من اعتكاف التطوع .

شروط الاعتكاف و أركانه

المعتكف يجب أن يكون مسلماً مميزاً طاهراً من الجنابة والحيض و النفاس فلا يصح من كافر ولا صبى غير مميز ولا جُنب و لا حائض ولا نفساء .

أركان الاعتكاف :

حقيقة الاعتكاف المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله عز و جل فلو لم يقع المكث في المسجد أو لم تحدث نية الطاعة لا ينعقد الاعتكاف اما وجوب النية فلقول الله عز و جل { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (5) سورة البينة و لقول الرسول صلى الله عليه و سلم (( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى )) و أما أن المسجد لابد منه فلقول الله عز و جل { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (187) سورة البقرة ووجه الاستدلال انه لو صح الاعتكاف في غير المسجد لم يخص تحريم المباشرة بالاعتكاف في المسجد لأنها منافية للاعتكاف فعلم أن المعنى بيان الاعتكاف إنما يكون في المساجد .

صوم المعتكف

المعتكف و إن صام فحسن و إن لم يصم فلا شيء عليه روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما ان عمر قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال : أوف بنذرك ففي أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم له بالوفاء بالنذر دليل على أن الصوم ليس شرطاً في صحة الاعتكاف إذ انه لا يصح الصيام فى الليل و روى سعيد بن منصور عن أبي سهل قال : كان على امرأة من أهلي اعتكاف فسألت عمر بن عبد العزيز قال : ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها فقال الزهري : لا اعتكاف إلا بصوم فقال له عمر : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا فخرجت من عنده فلقيت عطاءً و طاووساً فسألتهما فقال طاووس : كان فلان لا يرى عليها صياماً إلا أن تجعله على نفسها و قال عطاء : ليس عليها صيام إلا ان تجعله على نفسها قال الخطابي : و قد اختلف الناس في هذا فقال الحسن البصري : إن اعتكف من غير صيام أجزأه و إلية ذهب الشافعي و روى عن على و ابن مسعود أنهما قالا : إن شاء صام و إن شاء أفطر و قال الأوزاعي و مالك : لا اعتكاف إلا بصوم و هو مذهب أهل الرأي و روى ذلك عن ابن عمر و ابن عباس و عائشة و هو قول سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير و الزهري .

ما يُستحب للمعتكف و ما يكره له

يستحب للمعتكف أن يُكثر من نوافل العبادات و يشغل نفسه بالصلاة و تلاوة القرآن و التسبيح و التحميد و التهليل و التكبير و الاستغفار و الصلاة و السلام على النبي صلى الله عليه و سلم و الدعاء و نحو ذلك من الطاعات و العبادات التي تقرب العبد من ربه عز و جل و يمكنه أيضاً القراءة في كتب التفسير أو الحديث و غيرها أو الجلوس في حلق الذكر و العلم و يستحب له أن يأخذ صحن في المسجد اقتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم ,,,, و يُكره له أن يشغل نفسه بشيء غير العبادات و الطاعة مثل الكلام في غير المفيد أو العمل في شيء غير الطاعات و يُكره له الإمساك عن الكلام ظناُ له أن ذلك يقربه من الله عز و جل فقد روى البخاري و ابن ماجة و أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : بينما النبي صلى الله عليه و سلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم و لا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم و يصوم فقال النبي صلى الله عليه و سلم (( مُره فليتكلم و ليستظل و ليقعد و لُيتم صومه )) و روى ابو داود عن على رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال (( لا يُتم بعد احتلام و لا صُمات يوم إلى الليل )) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
السااامA

السااامA


تاريخ التسجيل : 13/03/2011
عدد المساهمات : 3866
نقاط : 52941
الجنس : ذكر
الموقع : الطائف _ شهاار

 ملف شامل عن الإعتكاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف شامل عن الإعتكاف    ملف شامل عن الإعتكاف Empty15/07/11, 11:25 pm

الاعتكاف سنة ثابتة


الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً يثبت بمنه وفضله على القليل كثيراً والصلاة والسلام على من بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :

فإن موسم رمضان موسم عظيم لمن أراد النجاة وسعى إلى فكاك رقبته من النار ففي هذا الشهر تتنوع العبادات وتتضاعف الحسنات وتتنزل الرحمات ، ومن خصائص هذا الشهر العشر الأواخر منه التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها ، فعن عائشة رضي الله عنها : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهدُ في غيره )) . [ رواه مسلم ] . وفي الصحيحين عنها قالت : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشرُ شد مئزره ، وأحيا ليله وأيقظ أهله )) . وفي مسند أحمد عنها قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم ، فإذا كان العشر شمَّر المئزر )) .

ومن الأعمال التي يعملها في العشر الأواخر : الاعتكاف ..

والاعتكاف : لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل وهو من السُنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وعن عائشة رضي الله عنها : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده )) [ متفق عليه ].

والاعتكاف من السُنن المهجورة التي قلَّ العمل بها وغفل عنها كثير من الناس قال الإمام الزهري رحمه الله : (( عجباً للمسلمين ! تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل )) . فبادر أخي المسلم إلى إحياء هذه السنة العظيمة وحث الناس عليها والترغيب فيها . وأبدأ بنفسك فإن الدنيا مراحل قليلة وأيام يسيرة فتخلص من عوائق الدنيا وزخرفها ولا يفوتك هذا الخير العظيم واجعل لك أياماً يسيرة تتفرغ فيها من المشاغل والأعمال وتتجه بقلبك وجوارحك إلى الله عز وجل في ذل وخضوع وانكسار ودموع لتلحق بركب المقبولين الفائزين .

أخي المسلم : الاعتكاف يكون في كل مسجد تقام فيه الجماعة ومن تخلل اعتكافه جمعة استحب له أن يعتكف في مسجد جُمعةٍ فإن اعتكف في مسجد جماعة خرج إلى الجمعة ثم رجع إلى معتكفه . واحرص أخي المعتكف على أن يكون اعتكافك في مسجدٍ بعيدٍ عن كثرة الناس والإزعاج واختر أحد المساجد التي لا تعرف فيها أحداً و لا يعرفك فيها أحد فإن هدا أخرى للإخلاص وَأَفْزَغُ لقلبك وذهنك من محادثة الناس وكثرة مجالستهم ومخالطتهم وإن كنت ممن يعتكف في الحرمين الشريفين فتجنب التضييق على إخوانك المصلين وافسح لهم المجال لأداء الصلوات ولا تكن ممن يرغب أن يُظهر للمصلين اعتكافه حتى يسلموا عليه أو يفسحوا له ! . وبعض المعتكفين لا يصلي أحياناً التراويح أو القيام مع المصلين ويشوش عليهم برفع الصوت في أحاديث لا طائل من ورائها .

والاعتكاف مسنون في أي وقت فللمسلم أن يبتدئ الاعتكاف متى شاء وينهيه متى شاء إلا أن الأفضل أن يعتكف في رمضان خاصة العشر الأواخر منه فإذا صلى فجر يوم الحادي والعشرين من رمضان داخل المعتكف ويمكث في المسجد حتى خروجه إلى صلاة العيد وهذا وقت انتهائه المستحب .

وهي فرصة عظيمة وساعات قليلة ليستفيد المسلم من هذا الانقطاع والبعد عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلباً لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر .. من قبل أن تطوي الصحف وتوضع الموازين ..

أخي المعتكف : احرص على الذكر والقراءة والصلاة والعبادة وتجنب ما لا يعينك من حديث الدنيا ولا بأس أن تتحدث بحديث مباح مع أهلك أو غيرهم لمصلحة لحديث صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيتُه أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت لأنقلب ( أي لأنصرف إلى بيتي ) فقام النبي صلى الله عليه وسلم معي ... )) [ متفق عليه ] .

ويباح لك أن تخرج من المسجد لحاجاتك الضرورية كقضاء الحاجة من بولٍ أو غائط أو للإتيان بطعام وشراب إن لم يكن هناك من يحضره لك ومثله التداوي إن إصابك المرض وأنت معتكف وكذلك إسعاف مريض من أهلك تجب عليك رعايته ولا تجد من يتولى أمره غيرك .

ومن محظورات الاعتكاف : الخروج لأمرٍ ينافي الاعتكاف كالخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك .

أخي المعتكف : إن كان معك رفقه فاختر الرفقة التي تعينك على الطاعة وتشد أزرك وتحرص على الخير واستغلال الأوقات وعمارتها بالعبادة وتجنب الذين تضيع أوقاتهم في حديث وكلام . وبعض المعتكفين إذا كانوا جماعة يظهر عليهم الجد في أول الأيام ثم يتراخون ويتكاسلون وتراهم كثيراً ما تضيع أوقاتهم في أحاديث لا فائدة من ورائها وقد ينجرُّ الحديث إلى أمور محرمة من غيبة أو غيرها .

أخي المسلم : الاعتكاف سنة والمحافظة على بيتك وأبنائك من الواجبات فاحذر أن تضيع الأهم وتفرط في أمر الرعاية بل اجمع بين الأمرين واحرص على ابتعادهم عن مواطن الفتن ولا يكن اعتكافك فيه ضياع لحقوق واجبة . وإن تيسر أن يصحبك أبناؤك في الاعتكاف فإن في ذلك طريق تربية وراحة نفسية لك وأُلفة بينكم وتعويد لهم على العبادة وإن صعب الأمر عليهم فلا أقل من ليلة يعتكفون فيها معك وأجزل لهم العطية وشجعهم على ذلك .

أخي المسلم : مواسم الطاعات محطات يتزود فيها المسافر إلى جنة عرضها السموات والأرض فكن من العقلاء الفطناء الذين لا تفوتهم هذه الفرص وهذه المحطات إلا وقد نالوا من نفحات الرب وجزيل الأجر وعظيم المثوبة .

فاحرص على الاعتكاف بنية صادقة وابتعد عن المباهاة والرياء وحب المدح والثناء وإياك والعجب بأعمالك واحرص علي أن تكون أعمالك خالصة لله عز وجل قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } وفي الحديث المشهور: (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى .. )) [ متفق عليه ] ومما يُعينك على ذلك اختيار المسجد الذي لا تعرف فيه أحداً ولا يعرفك أحد ولا حاجة لك أن تعلن اعتكافك على الملأ في يوم العيد أو بعده !

أقر الله عينك بالعبادة وجعلك من الفائزين المقبولين وغفر لنا ولوالدينا ولجمع المسلمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
السااامA

السااامA


تاريخ التسجيل : 13/03/2011
عدد المساهمات : 3866
نقاط : 52941
الجنس : ذكر
الموقع : الطائف _ شهاار

 ملف شامل عن الإعتكاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف شامل عن الإعتكاف    ملف شامل عن الإعتكاف Empty15/07/11, 11:26 pm

الاعتكاف: فضله وآدابه وأحكامه


الاعتكاف: هو لزوم المسجد بنية مخصوصة لطاعة الله تعالى: وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم قال الإمام أحمد فيما رواه عنه أبو داود: " لا أعلم عن أحد من العلماء إلا أنه مسنون"

وقال الزهري رحمه الله: " عجبا للمسلمين ! تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم، ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل ".

فائدة الاعتكاف وثمرته

إن في العبادات من الأسرار والحكم الشيء الكثير ذلك أن المدار في الأعمال على القلب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " رواه البخاري ومسلم

وأكثر ما يفسد القلب الملهيات والشواغل التي تصرفه عن الإقبال على الله عز وجل من شهوات المطاعم والمشارب والمناكح وفضول الكلام وفضول النوم وفضول الصحبة وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب وتفسد جمعيته على طاعة الله، فشرع الله تعالى قربات تحمي القلب من غائلة تلك الصوارف كالصيام مثلا الصيام الذي يمنع الإنسان من الطعام والشراب والجماع في النهار فينعكس ذلك الامتناع عن فضول هذه الملذات على القلب فيقوى في سيره إلى الله وينعتق من أغلال الشهوات التي تصرف المرء عن الآخرة إلى الدنيا.

وكما أن الصيام درع للقلب يقيه مغبة الصوارف الشهوانية من فضول الطعام والشراب والنكاح كذلك الاعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال فيصير شأنها شأن التخمة بالمطعومات لدى الإنسان، كما قال الشاعر:
عدوك من صديقك مستفاد *** فلا تستكثرن من الصحاب
فإن الـداء أكثـر ما تراه *** يكون من الطعام أو الشراب


وفي الاعتكاف أيضا حماية القلب من جرائر فضول الكلام لأن المرء غالبا يعتكف وحده، فيُقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء ونحو ذلك.

وفيه كذلك حماية من كثرة النوم فإن العبد إنما اعتكف في المسجد ليتفرغ للتقرب إلى الله بأنواع من العبادات ولم يلزم المسجد لينام.

ولا ريب أن نجاح العبد في التخلص من فضول الصحبة والكلام والنوم يسهم في دفع القلب نحو الإقبال على الله تعالى وحمايته من ضد ذلك.

الجمع بين الصوم والاعتكاف

لا ريب أن اجتماع أسباب تربية القلب بالإعراض عن الصوارف عن الطاعة أدْعى للإقبال على الله تعالى والتوجه إليه بانقطاع وإخبات ولذلك استحب السلف الجمع بين الصيام والاعتكاف حتى قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرا قط، بل قالت عائشة: " لا اعتكاف إلا بصوم " أخرجه أبو داود

ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مع الصوم.

فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف: " أن الصوم شرط في الاعتكاف وهو الذي كان يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية " زاد المعاد 2/87،88.

واشتراط الصوم في الاعتكاف نقل عن ابن عمر وابن عباس وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة واختلف النقل في ذلك عن أحمد والشافعي.

وأما قول الإمام ابن القيم رحمه الله: " ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطرا قط " ففيه بعض النظر، فقد نقل أن النبي صلى الله عليه وسلم، اعتكف في شوال " رواه البخاري ومسلم. ولم يثبت أنه كان صائما في هذه الأيام التي اعتكافها، ولا أنه كان مفطرا. فالأصح أن الصوم مستحب للمعتكف، وليس شرطا لصحته.

مع النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه

اعتكف عليه الصلاة والسلام في العشر الأول من رمضان ثم العشر الأواسط يلتمس ليلة القدر ثم تبين له أنها في العشر الأواخر فداوم على اعتكافها.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر التي وسط الشهر فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة ويستقبل إحدى وعشرين يرجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه ثم إنه أقام في شهر جاور فيه تلك الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم بما شاء الله ثم قال: ( إني كنت أجاور هذه العشر ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر في كل وتر وقد رأيتني أسجد في ماء وطين ).

قال أبو سعيد: مطرنا ليلة إحدى وعشرين فوكف المسجد في مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت إليه وقد انصرف من صلاة الصبح ووجهه مبتل ماء وطينا فتحقق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وهذا من علامات نبوته.

ثم حافظ صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف في العشر الأواخر كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده. رواه البخاري ومسلم

وفي العام الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يوما رواه البخاري. أي العشر الأواسط والعشر الأواخر جميعا وذلك لعدة أسباب:

1 - أن جبريل عارضه القرآن في تلك السنة مرتين رواه البخاري فناسب أن يعتكف عشرين يوما حتى يتمكن من معارضة القرآن كله مرتين.

2 - أنه صلى الله عليه وسلم أراد مضاعفة العمل الصالح، والاستزادة من الطاعات لإحساسه صلى الله عليه وسلم بدنو أجله كما فهم من قول الله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } سورة النصر فإن الله عز وجل أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالإكثار من التسبيح والاستغفار في آخر عمره وهكذا فعل صلى الله عليه وسلم فقد كان يكثر في ركوعه وسجوده من قول: ( سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن رواه البخاري ومسلم

3 - أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك شكرا لله تعالى على ما أنعم به عليه من الأعمال الصالحة من الجهاد والتعليم والصيام والقيام وما آتاه من الفضل من إنزال القرآن عليه ورفع ذكره وغير وكان صلى الله عليه وسلم يدخل معتكفه قبل غروب الشمس فإذا أراد مثلا أن يعتكف العشر الأواسط دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي عشر وإذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين.

أما ما ثبت في الصحيح من أنه صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم دخل معتكفه رواه البخاري ومسلم فإنما المقصود أنه دخل المكان الخاص في المسجد بعد صلاة الفجر فقد كان يعتكف في مكان مخصص لذلك كما ورد في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف في قبة تركية رواه مسلم وكان صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه وهو معتكف في المسجد إلى عائشة رضي الله عنها وهي في حجرتها، فتغسله وترجله وهي حائض كما جاء في الصحيحين. البخاري ومسلم

وفي مسند أحمد أنه كان يتكئ على باب غرفتها ثم يُخْرج رأسه، فترجله رواه أحمد وفي ذلك دليل على أن إخراج المعتكف بعض جسده من المعتكف لا بأس به كأن يخرج رجله أو رأسه كما أن الحائض لو أدخلت يدها أو رجها مثلا في المسجد فلا بأس لأن هذا لا يُعد دخولا في المسجد.

ومن فوائد هذا الحديث أيضا أن المعتكف لا حرج عليه أن يتنظف ويتطيب ويغسل رأسه ويسرحه فكل هذا لا يخل بالاعتكاف.

ومما وقع له صلى الله عليه وسلم في اعتكافه ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه وإنه أمر بخبائها فضرب وأمر غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بخبائه فضرب فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر نظر فإذا الأخبية، فقال: " آلبر تُردْن ؟" فأمر بخبائه فقوض وترك الاعتكاف في شهر رمضان حتى اعتكف في العشر الأول من شوال رواه البخاري ومسلم. ومعنى قوله: " آلبر تردْن ؟ " أي: هل الدافع لهذا العمل هو إرادة البر أو الغيرة والحرص على القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

والأظهر والله أعلم أن اعتكافه صلى الله عليه وسلم في شوال من تلك السنة بدأ بعد العيد أي في الثاني من شوال.

ومما وقع له صلى الله عليه وسلم في اعتكافه ما رواه الشيخان أيضا أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: " على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي " فقالا: سبحان الله يا رسول الله ! وكبُرَ عليهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ) وفي لفظ: (يجري من الإنسان مجرى الدم ) ( وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ) وفي لفظ: ( شرا ).

فمن شدة حرصه صلى الله عليه وسلم على صدق إيمان هذين الأنصارييْن وخشية أن يلقى الشيطان في قلوبهما شيئا فيشكا في الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك كفرا أو يشتغلا بدفع هذه الوسوسة بين صلى الله عليه وسلم الأمر وقطع الشك ودفع الوسواس، فأخبرهما أنها صفية رضي الله عنها وهي زوجته.

هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف

1 - كان إذا أراد أن يعتكف وُضع له سريره وفراشه في مسجده صلى الله عليه وسلم وبالتحديد وراء أسطوانة التوبة كما جاء في الحديث عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه كان إذا اعتكف طرح له فراشه أو يوضع له سريره وراء أسطوانة التوبة " رواه ابن ماجه.

2 - وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب له خباء مثل هيئة الخيمة فيمكث فيه غير أوقات الصلاة حتى تتم الخلوة له بصورة واقعية وكان ذلك في المسجد ومن المتوقع أن يضرب ذلك الخباء على فراشه أو سريره وذلك كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله.. الحديث ) رواه البخاري

3 - وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، من بول أو غائط، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها حين قالت: ( ... وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا )رواه البخاري

4 - وكان صلى الله عليه وسلم يؤتي إليه بطعامه وشرابه إلى معتكفه كما أراد ذلك سالم بقوله: " أما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في معتكفه "

5 - وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على نظافته، إذْ كان يخرج رأسه إلى حجرة عائشة رضي الله عنها لكي ترجل له شعر رأسه، ففي الحديث عن عروة عنها رضي الله عنها " أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها، يناولها رأسه " رواه البخاري

قال ابن حجر: " وفي الحديث جواز التنظيف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقا بالترجل والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد " 4/807 فتح الباري

6 - وكان صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة وذلك من أجل التركيز والانقطاع الكلي لمناجاة الله عز وجل ففي الحديث عن عائشة أنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف فيمر كما هو ولا يُعرج يسأل عنه " وأيضا عن عروة أنها قالت: " السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع " رواه أبو داود.

7 - وكان أزواجه صلى الله عليه وسلم يزرْنه في معتكفه وحدث أنه خرج ليوصل إحداهن إلى منزلها وكان ذلك لحاجة إذ كان الوقت ليلا وذلك كما جاء في الحديث عن علي بن الحسين: " أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف فلما رجعت مشى معها فأبصره رجل من الأنصار، فلما أبصر دعاه فقال: تعال، هي صفية " وربما قال سفيان: " هذه صفية فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " قلت لسفيان: ( أتته ليلا ؟ قال: وهل هو إلا ليلا ) رواه البخاري.

فرأى صلى الله عليه وسلم أن خروجه معها رضي الله عنها أمر لا بد منه في ذلك الليل، فخرج معها من معتكفه ليوصلها إلى بيتها.

وخلاصة القول: أن هديه صلى الله عليه وسلم في اعتكاف كان يتسم بالاجتهاد فقد كان جل وقته مكث في المسجد وإقبال على طاعة الله عز وجل، وترقب لليلة القدر.

مقاصد الاعتكاف

- تحري ليلة القدر.

- الخلوة بالله عز وجل والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره.

- إصلاح القلب ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته.

- الانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن.

- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات.

- التقلل من المباح من الأمور الدنيوية والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها.

أقسام الاعتكاف :

- واجب: ولا يكون إلا بنذر، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الاعتكاف فقد قال صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ) وفي الحديث أن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، قال: ( أوف بنذرك ) رواه البخاري.

- مندوب: وهو ما كان من دأب النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان ومحافظة على هذا الأمر وهو سنة مؤكدة من حياته صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث التي أشير غليها عند الحديث عن مشروعية الاعتكاف.

حكم الاعتكاف

سنة مؤكدة داوم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وقضى بعض ما فاته منها ويقول في ذلك " عزام ": " والمسنون ما تطوع به المسلم تقربا إلى الله وطلبا لثوابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أنه فعله وداوم عليه.

شروط الاعتكاف

يشترط للاعتكاف شروط هي:

- الإسلام: إذ لا يصح من كافر وكذلك المرتد عن دينه.

- التمييز: إذ لا يصح من صبي غير مميز.

- الطهارة من الحدث الأكبر " من جنابة وحيض ونفاس " وإن طرأت مثل هذه الأمور على المعتكف أثناء اعتكافه وجب عليه الخروج من المسجد لأنه لا يجوز له المكث على حالته هذه في المسجد.

- أن يكون في مسجد: قال الله تعالى "ولا تُباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" والأفضل أن يكون الاعتكاف في مسجد تقام فيه الجمعة حتى لا يضطر إلى الخروج من مسجده لأجل صلاة الجمعة.

- وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم. والصواب أن الاعتكاف جائز في كل مسجد تصلى فيه الفروض الخمسة قال الله تعالى: " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " سورة البقرة 187 فدل عموم قوله تعالى: "في المساجد" على أنه جائز في كل مسجد ويستحب أن يكون في مسجد جامع حتى لا يحتاج المعتكف إلى الخروج للجمعة.

أركان الاعتكاف

1 - النية: لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " البخاري 1/15.

2 - المكث في المسجد: كما في قوله تعالى: { وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود } سورة البقرة /125 وفي هذا تأكيد على أن مكان الاعتكاف هو المسجد ودل على ذلك أيضا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده أزواجه وصحابته رضوان الله عليهم ففي الحديث عن يونس بن زيد أن نافعا حدثه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان قال نافع: وقد أراني عبد الله رضي الله عنه المكان الذي يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد أخرجه مسلم.

مكانه وزمانه وبداية وقته

مكان الاعتكاف المسجد كما دلت عليه الآية في قوله تعالى: { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } البقرة /187.

ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأزواجه وصحابته رضوان الله عليهم اعتكفوا في المساجد ولم يرد عن أحد منهم أنه اعتكف في غير المسجد

وأما بالنسبة لزمانه فإذا كان في رمضان فآكد وقته العشر الأواخر منه ويجوز في أي وقت في رمضان وغيره فهو لا يختص بزمن معين بل مستحب في جميع الأوقات ويجب إذا ألزم نفسه بنذر كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام. قال: " أوف بنذرك " البخاري 4/809.

وأما بالنسبة لبداية وقته فقبل غروب الشمس لمن أراد أن يعتكف يوما وليلة أو أكثر وقال بعض العلماء يدخل معتكفه فجرا.

آداب الاعتكاف

للاعتكاف آداب يستحب للمعتكف أن يأخذ بها حتى يكون اعتكافه مقبولا وكلما حافظ عليها المعتكف كان له الأجر الجزيل من رب العالمين وكلما أخل بهذه الآداب نقص أجره ومن آداب الاعتكاف ما ذكره ابن قدامة في المغنى:

يستحب للمعتكف التشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وبذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة ويجتنب مالا يعينه من الأقوال والفعال ولا يُكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه وفي الحديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى ولا يبطل الاعتكاف بشي من ذلك ولا بأس بالكلام لحاجة ومحادثة غيره روى الشيخان أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت تنقلب فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ( على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي ) ، فقالا: سبحان الله يا رسول الله ! وكبُرَ عليهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ) وفي لفظ: ( يجري من الإنسان مجرى الدم ) ( وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا ) وفي لفظ: " شرا ".

ملحوظة "1": بعض الناس يعدون الاعتكاف فرصة خلوة ببعض أصحابهم وأحبابهم وتجاذب أطراف الحديث معهم وليس هذا بجيد.

حقا أنه لا حرج في أن يعتكف جماعة معا في مسجد فقد اعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم معه حتى لقد كانت إحداهن معتكفة معه وهي مستحاضة ترى الدم وهي في المسجد رواه البخاري " 303، 304 "، فلا حرج أن يعتكف الشخص مع صاحبه أو قريبه ولكن الحرج في أن يكون الاعتكاف فرصة لسمر والسهر والقيل و القال وما شابه ذلك. ولذلك قال الإمام ابن القيم بعدما أشار إلى ما يفعله بعض الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عِشْرة ومجلبة للزائرين وأخذهم بأطراف الحديث بينهم قال: " فهذا لون والاعتكاف النبوي لون " زاد المعاد.

ملحوظة "2": بعض الناس يترك عمله ووظيفته وواجبه المكلف به كي يعتكف وهذا تصرف غير سليم إذ ليس من العدل أن يترك المرء واجبا ليؤدي سنة فيجب على من ترك عمله المكلف به واعتكف أن يقطع الاعتكاف ويعود إلى عمله لكي يكون كسبه حلالا وأما إذا استطاع أن يجعل الاعتكاف في إجازة من عمله أو رخصة من صاحب العمل فهذا خير عظيم.

محظورات الاعتكاف

1 - الخروج من المسجد: يبطل الاعتكاف إذا خرج المعتكف من المسجد لغير حاجة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان وهي حاجته إلى الطعام إن لم يكن بالإمكان أن يؤتى إليه بالطعام كما كان يؤتى بطعام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد إذ يقول " سالم": " فأما طعامه وشرابه فكان يؤتى به إليه في معتكفه ".

وكذلك خروجه للتطهر من الحدث الأصغر والوضوء لحديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا " فتح الباري 4/808.

2 - مباشرة النساء: ومنها الجماع، فهذا الأمر يبطل الاعتكاف لورود النهي عنه صريحا في قوله تعالى: { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } سورة البقرة /187.

3 - الحيض والنفاس: فإذا حاضت المرأة المعتكفة أو نفست وجب عليها الخروج من المسجد وذلك للمحافظة على طهارة المسجد وكذلك الجنب حتى يغتسل.

4 - قضاء العدة: وذلك إذا توفي زوج المعتكفة وهي في المسجد وجب عليها الخروج لقضاء العدة في منزلها.

5 - الردة عن الإسلام: حيث إن من شروط الاعتكاف الإسلام فيبطل اعتكاف المرتد.

الجوانب التربوية للاعتكاف

1 - تطبيق مفهوم العبادة بصورتها الكلية: يؤصل الاعتكاف في نفس المعتكف مفهوم العبودية الحقة لله عز وجل، ويدربه على هذا الأمر العظيم الذي من أجله خلق الإنسان، إذ يقول الحق تبارك وتعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات/56. حيث إن المعتكف قد وهب نفسه كلها ووقته كله متعبدا لله عز وجل.

ويكون شغله الشاغل هو مرضاة الله عز وجل فهو يشغل بدنه وحواسه ووقته - من أجل هذا الأمر - بالصلاة من فرض ونفل وبالدعاء وبالذكر، وبقراءة القرآن الكريم وغير ذلك من أنواع الطاعات.

وبهذه الدرْبة في مثل أيام العشر الخيرة من شهر رمضان المبارك يتربى المعتكف على تحقيق مفهوم العبودية لله عز وجل في حياته العامة والخاصة ويضع موضع التنفيذ قول الحق تبارك وتعالى: { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } الأنعام /163، قال القرطبي { محياي } أي: ما أعمله في حياتي { ومماتي } أي: ما أوصي به بعد وفاتي { لله رب العالمين } أي: أفرده بالتقرب بها إليه " 7/69.

2 - تحري ليلة القدر: وهو المقصد الرئيسي من اعتكافه صلى الله عليه وسلم إذ بدأ اعتكافه أول مرة الشهر كله وكذلك اعتكف العشر الأواسط تحريا لهذه الليلة المباركة، فلما علم أنها تكون في العشرة الأخيرة من شهر رمضان اقتصر اعتكافه على هذه العشر المباركة.

3 - تعود المكث في المسجد: فالمعتكف قد الزم نفسه البقاء في المسجد مدة معينة. وقد لا تقبل النفس الإنسانية مثل هذا القيد في بداية أمر الاعتكاف ولكن عدم القبول هذا سرعان ما يتبدد عادة بما تلقاه النفس المسلمة من راحة وطمأنينة في بقائها في بيت الله.

ومعرفة المعتكف بأهمية بقائه في المسجد أثناء اعتكافه تتجلى في الأمور التالية:

1 - أن الرجل الذي يمكث في المسجد قد احب المسجد من قلبه وعرف قدر بيوت الله عز وجل وهذا الحب له قيمة عند الله عز وجل إذ يجعله من الفئات التي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

2 - أن الذي يمكث في المسجد ينتظر الصلاة له أجر صلاة وأن الملائكة تستغفر له ففي الحديث الذي أورده أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في مصلاه ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ) البخاري 2/360.

3 - البعد عن الترف المادي والزهد فيه: في الاعتكاف يتخفف المعتكف من الكثير من هذه الأمور ويصبح كأنه إنسان غريب في هذه الدنيا وطوبى للغرباء فهو من أجل مرضاة الله عز وجل ارتضى أن يقبع في ناحية من المسجد ليس لديه في الغالب إلا وسادة يضع عليها رأسه وغطاء يتغطى به قد ترك فراشه الوثير وعادته الخاصة من أجل ذلك الرضا.

أما طعامه فهو مختلف في وضعه إن لم يكن في نوعه، إن كان طعامه يأتيه من منزله فهو عادة لا يأتيه بالكثرة ولا يتناوله بالوضع الذي كان يتناوله في منزله على طاولة وكرسي مع أهله وولده بل يأكل كما يأكل الغريب، ويأكل كما يأكل العبد الفقير إلى ربه، وإن خرج إلى السوق من أجل الطعام فهو يعمل جاهدا على التعامل مع ما هو متوفر ولا يشترط نوعا معينا لأنه مطلوب منه العودة إلى معتكفه وعدم الإطالة في مثل هذه الأمور وبهذا يعرف أن الحياة يمكن إدارتها بالقليل الذي يرضى عنه الله، وكذلك يمكن إدارتها بالكثير الذي لا يُرضي الله عز وجل، والفرق بينهما كبير.

4 - الإقلاع عن كثير من العادات الضارة: في ظل غياب مفهوم التربية الإسلامية في كثير من المجتمعات الإسلامية وفي كثير من بيوت المجتمعات الإسلامية. نشأت وتفشت لدى أفراد هذه المجتمعات كثير من العادات التي تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف وعمت هذه العادات المنكرة حتى أصبحت نوعا من المعروف الذي لا يرى فيه ضرر على الدين والنفس ومن تلك العادات: التدخين وسماع الموسيقى ومشاهدة ما يبث في القنوات الفضائية من مشاهد وأحاديث تضاد عقيدة المسلم وتُنافي حياءه وعفته وغير ذلك من عادات لها ضررها على الدين والنفس.

وتأتي فترة الاعتكاف لتكشف للفرد المسلم زيف تلك العادات وزيف ذلك الاعتقاد الذي سكن في نفوس كثير من المسلمين بعدم القدرة على التخلص من مثل تلك العادات، لأنها قد استحكمت في النفوس.

ويتعرف الإنسان المسلم في فترة الاعتكاف وقد خلا إلى خالقه على مفهوم العبادة بصورتها الشاملة وأنه يجب أن يكون متعبدا لله عز وجل على مدار الساعة في حياته العامة والخاصة.

فهو عندما يتخذ مرضاة الله عز وجل ومحبته ميزانا يزن به كل عمل يقوم به يجد أن تلك العادات التي أشرنا إليها آنفا وكثير غيرها لا تتفق مع هذه المحبة لله عز وجل بل تعمل في اتجاه معاكس لها ويجد بذلك أن مثل تلك العادات تخرجه عن دائرة العبودية الصادقة لله وإذا كان الأمر كذلك فيجب عليه أن يتخلص منها في أسرع وقت ممكن.

فالاعتكاف فرصة سنوية يستطيع فيها المعتكف أن يتخلص من كل البلايا عن طريق التوبة والالتجاء إلى الله عز وجل أولا وعن طريق فطام النفس عن تلك المعاصي في فترة الاعتكاف وعدم تحقيق رغبة النفس منها، وتعويدها على ذلك.

5 - تعلم الصبر المستمر من قِبَل المعتكف: وفي هذا تربية للإرادة وكبْح لجماح النفس التي عادة ما ترغب في التفلت من هذه الطاعة إلى أمور أخرى تهواها.

وهناك الصبر على ما نقص مما ألِفته النفس من أنواع الطعام المختلفة التي كان يطعمها في منزله فتلك الأنواع لا تتوفر في المسجد فيصبر على هذا القليل من أجل مرضاة عز وجل.

6 - وهناك الصبر على نوع الفراش الذي ينام عليه فلن يوضع له سرير في المسجد أو فراش وثير كالذي ينام عليه في منزله فهو ينام على فراش متواضع جدا إن لم يكن فرش المسجد.

7 - وهناك الصبر على ما يجد في المسجد من مزاحمة الآخرين له ومن عدم توفر الهدوء الذي كان يألفه في منزله إذا أراد النوم.

8 - وهناك الصبر عن شهوة الزوجة إذ يحرم عليه مباشرتها عند دخوله إلى منزله للحاجة حتى التقبيل والعناق وهي حلاله وفي هذا الأمر تتجلى قيمة الصبر وقيمة القوة في الإرادة وضبط النفس ومن خلال هذه المواقف وغيرها نجد أنه يمكن تربية الإنسان على القدرة على تأجيل كثير من الأمور والرغبات العاجلة من أجل أمور أهم منها فهو يؤجل كل هذه الحاجات النفسية والمادية العاجلة من أجل الفوز برضي الله تبارك وتعالى.

9 - الاطمئنان النفسي.

10 - قراءة القرآن وختمه.

11 - التوبة النصوح.

12 - قيام الليل والتعود عليه.

13 - عمارة الوقت.

14 - تربية النفس.

15 - صلاح القلب وجمعه على الله عز وجل.

نسأل الله أن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
السااامA

السااامA


تاريخ التسجيل : 13/03/2011
عدد المساهمات : 3866
نقاط : 52941
الجنس : ذكر
الموقع : الطائف _ شهاار

 ملف شامل عن الإعتكاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف شامل عن الإعتكاف    ملف شامل عن الإعتكاف Empty15/07/11, 11:27 pm

الاعتكاف.. مقاصد وغايات


من القواعد الأساسية في أعمال القلوب وأعمال الجوارح أنه "لا عمل إلا بنية" ومما يضاعف اللهُ به الأجرَ على الأعمال استحضارُ المسلم نيته قبل العمل ومراقبة نيته أثناء العمل وبعد العمل رجاء الله تعالى أن يتقبله وبقدر ما تتعدد النوايا للعمل الواحد يكون أجره وثوابه عند الله.

لهذا كان من الضروري رفع مقاصد الاعتكاف أمام عين المسلم حتى يكون على بصيرة من أمره ويقين من عمله وحب في الله ورجاء في ثوابه فيحصل من الأجر والثواب ما لا يحصله دون علمه بهذه المقاصد ووقوفه عليها وبالتأمل في طبيعة الاعتكاف وأعماله تبين أن أهم مقاصده ما يلي:

أولا: مغفرة الذنوب:

فمغفرة الذنوب مقصد كبير من مقاصد العبادات بصفة عامة وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة: ( الصلاة الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر ).

وقال الله تعالى عن الزكاة: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } . يقول الإمام الطبري في تفسيرها: ( يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد خذ من أموال هؤلاء الذين اعترفوا بذنوبهم فتابوا منها صدقة تطهرهم من دنس ذنوبهم ) .

وعن الحج ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) .

أما عن الصوم فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه...".

فغفران الذنوب ما تقدم منها وما تأخر هدف يرصده المسلم ويستحضره في عبادته لله تعالى وبخاصة في رمضان الذي وردت فيه مغفرة الذنوب فيمن قام رمضان إيمانا واحتسابا، ومن صامه إيمانا واحتسابا، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا كما مر ولا يكون الاعتكاف إلا في المسجد.

ثانيا: الفوز بثواب ليلة القدر

فالمسلم يتحرى ليلة القدر امتثالا لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- واتباعا لهديه ومن أجل قيمتها وثوابها ومن قدْرِها الرفيع عند الله أنه جعلها محلا زمانيا لنزول أفضل كتبه وهو القرآن الكريم: "إنا أنزلناه في ليلة القدر" أما ثوابها فمعروف مشهور: "ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر". سورة القدر. فقيام هذه الليلة وإحياؤها أفضل من أن ينقطع المسلم عبادة لله ثلاثة وثمانين عاما وأربعة أشهر وهو ما لا يستطيع الإنسان فعله في أمة توسطت أعمارها بين الستين والسبعين.

ثالثا: الخلوة بالله والأنس به:

فما أعظم اللحظات التي يقضيها المسلم حين ينقطع عن الدنيا ويقبل على الله تعالى بكليته إنه يتحصل لديه من المشاعر النبيلة والأحاسيس البهيجة ما لا تلحقه الإشارة ولا تدركه العبارة.

ولن يستعذب المسلم هذه المشاعر ويعيشها إلا بهمة تصون القلب عن وحشة الرغبة في الفاني وتحمله على الرغبة في الباقي وتصفيه من كدر التواني قال ابن القيم رحمه الله: "الفاني: الدنيا وما عليها أي يزهد القلب فيها وفي أهلها وسمى الرغبة فيها وحشة لأنها وأهلها توحش قلوب الراغبين فيها وقلوب الزاهدين فيها أما الراغبون فيها فأرواحهم وقلوبهم في وحشة من أجسامهم إذ فاتها ما خلقت له فهي في وحشة لفواته وأما الزاهدون فيها فإنهم يرونها موحشة لهم؛ لأنها تحول بينهم وبين مطلوبهم و محبوبهم ولا شيء أوحش عند القلب مما يحول بينه وبين مطلوبه ومحبوبه".

ومن أجل أن يكون التفرغ لله وحده دون شيء سواه منع الشرع أن يخرج المسلم من معتكفه إلا لضرورة أو حاجة لأنها فترة تجرد لله ومن ثم امتنعت فيها المباشرة -مباشرة النساء- تحقيقًا لهذا التجرد الكامل الذي تنسلخ فيه النفس من كل شيء ويخلص فيه القلب من كل شاغل كما قال سيد قطب رحمه الله.

رابعا: إحياء القلب واجتماعه على الله:

ففي الانعزال عن الدنيا - انعزالا مؤقتا- والبعد عن الشواغل حياةٌ للقلب وأنس بالله ومع الذكر والدعاء والقيام والقرآن يرق القلب وتشف النفس ويصفو الذهن فيعيش الإنسان أسمى لحظات الأنس والرضا ولم لا وقد تخلص من تَشَتُّتِ قلبه وتفرق ذاته هنا وهناك وفاز بالاجتماع على الله والإقبال عليه ومن هنا قال ابن القيم في عبارة شهيرة: "ومن له أدنى حياة في قلبه ونور فإنه يستغيث قلبه من وحشة هذا التفرق كما تستغيث الحامل عند ولادتها ففي القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه وحشة لا يزيلها إلا الأنس به في خلوته وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار منه إليه وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه وفيه طلب شديد لا يقف دون أن يكون هو وحده مطلوبه وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له، ولو أعطي الدنيا وما فيها لم تسد تلك الفاقة منه أبدا".

فالتفرق يوقع وحشة الحجاب وألمه أشد من ألم العذاب قال الله تعالى: "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم". فاجتمع عليهم عذاب الحجاب وعذاب الجحيم كما قال ابن القيم رحمة الله عليه.

خامسا: تهذيب النفس وتقريب الدمعة:

إذ الانقطاع التام للعبادة يجعل النفس مقبلة بالكلية على مطلوبها الأعلى منصرفة عن كل ما سواه وهذا من شأنه أن يرقق القلب ويهذب النفس ويزيل الران شيئا فشيئا الذي تراكم على القلب عبر أيام السنة ومن هنا تصبح الدمعة قريبة والنفس شفافة رفافة تكاد تنير.

وهنا معنى مهم في تشريع العبادات في الإسلام أو مقاصده وهي أن العبادات لا تبرح النفس لحظة من اللحظات من صلوات خمس في اليوم والليلة وحج وعمرة وزكاة وصدقات ونوافل لهذا كله ثم يأتي الصيام لينظف النفس والقلب ثم تأتي العشر الأواخر لتبلغ النفس أسمى ما يمكن أن تبلغه من شفافية ورقة وحضور ليكون شهر رمضان انطلاقة كبرى لبقية العام.

وهذا كله يصب في تحقيق معاني التقوى في النفس الذي هو المقصد الأكبر من الصيام، بل من العبادات كلها حيث يقول الله تعالى: { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } . البقرة: 21.

هذه بعض المقاصد للاعتكاف وليست على سبيل الحصر بل غيرها كثير مثل: الانقطاع التام إلى العبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن وحفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات والتقلل من المباح من الأمور الدنيوية والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها كل هذا وغيره من مقاصد ينبغي أن يبتغيها المسلم في اعتكافه ويضعها نصب عينيه حتى يحقق المقصود من الاعتكاف ومن الله العون والقبول.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
السااامA

السااامA


تاريخ التسجيل : 13/03/2011
عدد المساهمات : 3866
نقاط : 52941
الجنس : ذكر
الموقع : الطائف _ شهاار

 ملف شامل عن الإعتكاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف شامل عن الإعتكاف    ملف شامل عن الإعتكاف Empty15/07/11, 11:27 pm

الاعتــكاف والنقلة الإيجـابيــة


عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً ) 1.

لقد حرص رسول هذه الأمة على هذه العبادة تاركاً لمن ينتهجون نهجه درساً عظيماً في أهمية الانقطاع إلى الله ـ تعالى ـ والتحرر من الشواغل والمسؤوليات كائناً من كان صاحبها في الدعوة والعلم والتربية والجهاد فضلاً عن أمور الدنيا قال صاحب الظلال: «لا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت» إلى أن يقول: ( فالاستغراق في واقع هذه الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له فلا تحاول تغييره أما الانخلاع منه فترة والانعزال عنه والحياة في طلاقة كاملة من أسر الواقع الصغير ومن الشواغل التافهة فهو الذي يؤهل الروح الكبير لرؤية ما هو أكبر منه ويدربه على الشعور بتكامل ذاته بدون حاجة إلى عرف الناس ) 2.

إننا يمكن أن ننظر إلى هذه العبادة لتحقيق أمور هامة لعل منها ما يلي:

1- استدراك كل نقص وتعويض كل تقصير يحصل للمرء في علاقته بالله ـ تعالى ـ من جراء كثرة الانشغالات الدعوية والعلمية ونحوها أو من باب أوْلى: المشاغل الناتجة عن العلائق الدنيوية كالزوجة والأبناء والوظيفة.

2- زيادة الصلة الإيمانية بالله وفتح المزيد من الأبواب التعبدية التي تزكي النفس وتؤهلها لمواجهة الفتن واستنقاذ الآخرين منها بإذن الله.

3- الاعتكاف فرصة عظيمة لطلبة العلم الذين اشتغلوا بالتحصيل والتعليم عن كثير من التطبيق والعمل ولا سيما أن العقلاء يرفضون أن يعلِّم الناس امرؤ ما فيه نجاتهم ثم ينصرف هو عن ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها ) 3.

4- الاعتكاف موسم عظيم للدعاة والمربين أولاً: لسد النقص الذي اعتراهم لانشغالهم بالخلق. وثانياً: لاستغلال الفرصة للرقي بالمستوى الإيماني والتعبدي عند المدعوين والمتربين. إنه من الوضوح بمكان وجود حالة ضعف عامة في همم الصالحين فيما يتعلق بالجوانب التعبدية والسلوكية مقارنة بما يراد منها لإصلاح المجتمع والارتقاء به إلى مشابهة مجتمع السلف الصالح ولذلك فإننا بحاجة لانتهاز موسم رمضان عموماً وعبادة الاعتكاف خصوصاً لتحسين الصورة العامة من خلال مخاطبة الأفراد.

5- وهو فرصة عظيمة لاختبار الإخلاص المحض لله ـ تعالى ـ في كل الأعمال والحركات والسكنات وهذه النقطة أكبر من أن ينظر إليها من زاوية فردية فالإخلاص هو مدار قبول جميع الأعمال الموافقة للشريعة ومنها كل ما يتعلق بالدعوة والتربية والتعليم. وإنه لمن الخسران العظيم أن تنفق وتبذل الأموال وتبذل الجهود ثم يكون المانع من تحقيق الأهداف المطلوبة شرعاً دخل في إخلاص العاملين والإخلاص على خطر عظيم في أوساط الجماعة الواحدة كما هو معلوم.

6- الاعتكاف فرصة للخلوة الفكرية التي يستطيع بها الداعية أن يحكم على مساره ويقيم إنجازاته: هل ما زال يسير وفق الخطوة المرسومة إلى الهدف المحدد أم مال عنه؟ وما نسبة الميل؟ وهل تراه يحتاج إلى تعديل المسار أم مراجعة الهدف وإعادة صياغته؟ إن فترة الخلوة الروحية في الاعتكاف عظيمة لتحقيق الخلوة الفكرية إذ تكون النفس أقرب إلى التجرد من حظوظ النفس وأوْلى بمحاكاة المثالية التي تلفظ العادة الدارجة ولكونها محطة توقف عن العمل يسهل استئنافه بعدها وفق الشكل الجديد الأسلم.

7- وهو فرصة عظيمة لتجاوز إشكالية شديدة الحساسية وهي مشكلة قولبة المتربي في حدود إطار المربي وهذا أمر على عظيم مرارته حقيقة خطيرة واضحة في كون بعض المحاضن التربوية تقوم بتخريج أفراد كأنهم نسخ طبق الأصل من شخصيات القائمين على المحاضن والرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان يربي قادة لا عبيداً ثم من تراه الذي يذكر أولئك المربين الذين خرَّجوا للأمة أصحاب المذاهب وأصحاب التفسير وأئمة الحديث والتاريخ والجهاد وغيرهم. إن الاعتكاف فرصة للبدء في توجيه المتربي لينطلق بلا قيد في أبواب العبادات وصقل الشخصية وتوجيه الاهتمامات وجدية نمطية التفكير وشق طريق بناء الاستقلال المنضبط وحسبنا في هذه العجالة لفت النظر للمسألة.

ينبغي أن نشير إلى أن الاعتكاف المطلوب لتحقيق ما سبق وغيره ليس الاعتكاف الذي يجعل المساجد مهاجع للنائمين وعناوين للمتزاورين، وموائد للآكلين وحلقات للتعارف وفضول الكلام.

إن الاعتكاف المطلوب هو ذلك الذي ينقل المرء إلى مشابهة حياة السلف الصالح في كل همسة ولفتة. نعم إنه الاعتكاف الذي تسيل فيه دموع الخاشعين المتدبرين وترفع فيه أكف الضارعين المتبتلين ويسعى فيه صاحبه جاهداً لئلا تضيع من ثواني هذه الأيام لحظة واحدة في غير طاعة إنه الاعتكاف الذي يحقق مفهوم التربية الذاتية لمشابهة المحسنين يستغله المرء ليصل إلى مرتبة عالية، فيكون لسانه رطباً من ذكر الله تعالى ويستعرض كتاب الله تلاوة وتأملاً وتفسيراً ويصل إلى المراتب العليا في المحافظة على الصلاة تبكيراً وخشوعاً ويألف مكابدة قيام الليل تلذذاً وخشية إنه الاعتكاف الذي يحرر المرء من كثير من سوالب السمت والحكمة من فضول كلام وكثرة هزل وزيادة خلطة من أعظم مفاسدها أنها تقصر همة المرء عند همة أصحابه؛ إنه الاعتكاف الذي يربي النفس على التقلل والتزهد في أصناف المطعومات والمشروبات فيوجب رقة القلب وانكسار النفس والتحرر من قيود الهوى والدعة والكسل.

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ: «إذا طلع نجم الهمة في ليل البطالة، وردفه قمر العزيمة، أشرقت أرض القلب بنور ربها»4.

فلنجعل الاعتكاف فرصة للنقلة الإيجابية المطلوبة على أن نحذر طلب الكمالات المحضة التي تسبب انتكاسة في الهمة وانصرافاً عن الخير كلية. نسأل الله ـ عز وجل ـ أن يوفقنا لطاعته ويعيننا على أدائها بالشكل الأصوب ويتقبلها منا برحمته وفضله.

-----------------------------

1 أخرجه البخاري، 2044.

2 الظلال، 6/3741، دار الشروق.

3 صحيح الجامع، رقم 5837.

4 الفوائد، ص 79.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
السااامA

السااامA


تاريخ التسجيل : 13/03/2011
عدد المساهمات : 3866
نقاط : 52941
الجنس : ذكر
الموقع : الطائف _ شهاار

 ملف شامل عن الإعتكاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف شامل عن الإعتكاف    ملف شامل عن الإعتكاف Empty15/07/11, 11:28 pm

الاعتكاف وبناء القلوب


شرع الله لعباده الكثير من العبادات والطاعات والقربات التي يستطيعون بأدائها وممارستها - بالصورة التي وضعها الشارع سبحانه - أن يرتقوا بأرواحهم ويسموا بأنفسهم ومن أجـــلّ هذه الطاعات والقربات تلك السنّة التي يتفرغ فيها المرء للجد والاجتهاد في العبادة منصرفًا بها عن علائق الدنيا وضجيجها الصاخب ليخلو فيها بربه فيُناجيه ويناديه ويدعوه ويرجوه فترق روحه ويصفو قلبه وتسمو نفسه إنها السنّة التي داوم عليها النبي صلى الله عليه وسلم إنها سُنّة الاعتكاف فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف كل رمضان 10 أيام فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف 20 يومًا) رواه البخاري.

وإن كان الاعتكاف فرصة للمسلم يتفرغ فيها للعبادة وللارتقاء بإيمانه فهو فرصة كبرى للدعاة والمربين للارتقاء بالمستوى الإيماني والتعبدي – وغيرهما - لدى من يدعونهم. وفي هذا المقال نحاول معًا طرح بعض الأفكار التي تساعد على نجاح الاعتكاف والاستفادة منه في الارتقاء بالمستوي الروحي والتعبدي للمعتكفين.

أولاً- التخطيط الجيد

فمن الضروري -ليكون الاعتكاف ناجحًا- أن يضع القائمون عليه تصورا شاملا لما يرجون أن يكون عليه الاعتكاف مثل: وضع برنامج واضح ومحدد له وتحديد مكان الاعتكاف بالمسجد وتجهيز هذا المكان ليكون صالحًا لإقامة المعتكفين ومن الضروري أيضًا وضع ميزانية متوقعة لهذا الاعتكاف ووضع تصور لكيفية تدبير هذه الميزانية وكذلك أمور الطعام والشراب وغير ذلك من التفاصيل التي يحتاجها الاعتكاف.

ثانيًا- حسن الإعلان

وذلك بالإعلان عن الاعتكاف في المسجد المقام فيه أو المساجد الأخرى وفي أماكن التجمعات الشبابية مثل الأندية والمدارس... إلخ وليكن شكل الدعاية جذابًا كأن تكون ملصقًا مصممًا بشكل لافت للنظرأو مطوية صغيرة بها برنامج الاعتكاف والتفاصيل الأخرى الخاصة به.

ثالثًا- استضافة عالم قدوة

كذلك من الأفكار التي يمكن أن تُعطي للاعتكاف فائدة تربوية كبيرة أن ندعو أحد العلماء أو الدعاة المشهود لهم بالعلم والصلاح وحسن الخلق للاعتكاف مع المعتكفين فمعايشة المعتكفين لمثل هذا العالم أو الداعية القدوة سيكون لها أثر كبير في الارتقاء بهم في الجوانب الروحية والعبادية والسلوكية وغير ذلك فمخالطة الصالحين ومعايشتهم لها عميق الأثر في نفوس من حولهم وإن لم ينطقوا بكلمة واحدة ولذا قال أحد السلف الصالح رضوان الله عليهم: "حال رجل في ألف رجل أبلغ من مقال ألف رجل في رجل" وقيل أيضًا: "مجالسة العارف الزاهد تدعو من 6 إلى 6: من الشك إلى اليقين ومن الرياء إلى الإخلاص ومن الغفلة إلى الذكر ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة ومن الكبر إلى التواضع ومن سوء الطوية إلى النصيحة" فلنحرص على وجود هذا العالم أو الداعية النموذج بين صفوف المعتكفين لينهلوا من علمه وصلاحه.

رابعًا- عند وضع البرنامج

هناك عدة أمور من الضروري مراعاتها عند وضع برنامج الاعتكاف مثل:

- ظروف وأوقات المعتكفين: فمثلاً إذا كان من المعتكفين من سيذهب لعمله أو مدرسته فلا بد من الابتعاد عن هذه الأوقات في تنفيذ فقرات الاعتكاف المجمعة حتى لا يحرم هؤلاء من خيرات هذه الفقرات.

- طبيعة المعتكفين وحاجاتهم: فمثلا لو كان المعتكفون من الأطفال فإنهم يحتاجون إلى تناول موضوعات غير التي يتم تناولها مع الكبار وإذا كانوا حديثي عهد بالتدين فإنهم يحتاجون إلى موضوعات مختلفة عن التي يحتاجها من عرف التدين منذ زمن بعيد، وهكذا فمن الضروري التنبؤ بطبيعة المعتكفين قبل وضع البرنامج أو تعديل فقراته وموضوعاته.

- الاهتمام بتأصيل كل عمل يتم في الاعتكاف، من ذكر فضله، وتوضيح السنة فيه، وذلك في الصلاة، والنوافل، والقرآن، والأذكار، والطعام، والشراب، والنوم، وكل شيء.

خامسًا- الاعتكاف أفكار وفقرات

هذه بعض الأفكار للفقرات التي يمكن أن تنفذ أثناء الاعتكاف:

1- كلمة البدء والافتتاح:

وتشمل هذه الكلمة التذكير بفضائل الاعتكاف وما يجنيه المرء من فوائد عظيمة من خلال هذا الاعتكاف وتناول بعض الأحكام الخاصة به كما يتم فيها التذكير بإخلاص النية لله تعالى وكذلك التأكيد على أن يحرص المعتكفون على الاستفادة من كل لحظة تمر بهم في التزود بطاعة من الطاعات ويوضح في هذه الكلمة النظام العام الذي سيكون عليه الاعتكاف.

2- مشاريع عباديّة:

فمن الضروري أن يكون هناك تشجيع وتحفيز للمعتكفين على الإكثار من الخيرات كالإكثار من النوافل ومن تلاوة القرآن والمداومة على ذكر الله والابتعاد عن فضول الكلام ...إلخ ومن الممكن أن يتم ذلك من خلال وضع مشروع عبادي محدد لكل يوم فمثلاً مشروع اليوم الأول: تلاوة عدد كبير من أجزاء القرآن مع التدبر واليوم الثاني: ذكر الله بعدد كبير ومتنوع من الأذكار واليوم الثالث: مراجعة عدد كبير من آيات القرآن التي كان يحفظها المعتكفون واليوم الرابع: صلاة عدد كبير من ركعات النوافل من باب التطوع المطلق، وهكذا كل يوم مشروع يحفز المعتكفين على الانشغال بطاعة من الطاعات.

ومن الضروري أن يكون هناك تشجيع للمعتكفين على تنفيذ هذه المشاريع من خلال ذكر الفضل والثواب الذي يجنيه من يقوم بهذه الأعمال ويمكن ذكر فضل المشروع وثوابه في كلمة الفجر بالإضافة إلى تعليق لوحة كبيرة في المسجد يكتب عليها هذا الفضل بخط جميل وجذاب.

3- صلاة التهجد:

تعد صلاة التهجد من أبرز العلامات التي يتميز بها الاعتكاف لما لها من عظيم الأثر في النفوس ولما يلمسه المرء من شعور صادق بقربه من الله تعالى مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون الربُّ من العبد في جوف الليل الآخر) رواه الترمذي بسند حسن صحيح ففي ظلها تصفو القلوب وتخشع النفوس وتتسامى العقول والخواطر وتعرج الأرواح إلى بارئها فتنعم بجواره وتأوي إلى رحمته.

ومن الأدوار التي يمكننا القيام بها لتعميق استفادة المعتكفين بهذه المعاني الروحية من صلاة التهجد أن نوفر لهم ظروفًا تساعدهم على ذلك مثل:

- الحرص على إيجاد قارئ مجيد لحفظ القرآن حسن الصوت ونقصد بحسن الصوت أن يشعر من يصلي خلفه بروعة القرآن ويعيش في ظلال معانيه كما علمنا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله) رواه ابن ماجه بسند صحيح.

- يحسن أن يكون وقتها في الثلث الأخير من الليل وليس في منتصف الليل وذلك لنفوز بالرحمات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم في الثلث الأخير من الليل حين قال: (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يُعطَى! هل من داع يُستجاب له! هل من مستغفر يُغفر له! حتى ينفجر الصبح) رواه مسلم هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يستطيع المعتكفون أن يأخذوا قسطًا من النوم فيقومون للتهجد بنفس يقظة واعية لما تسمعه من آيات القرآن ولما تتلفظ به من الذكر والدعاء.

- ويمكن أيضًا أن ننظم بعض العظات القصيرة التي ترق لها القلوب مثل: الحديث عن نعم الله علينا وعن الجنة ونعيمها وعن مشاهد يوم القيامة... إلخ بين ركعات التهجد.

- كذلك يمكن عمل فقرات "معايشة" وذلك بأن يقوم أحد المعتكفين بتحضير آية معينة، ويلقي خاطرة بسيطة حولها ثم يترك المجال لبقية المعتكفين حتى يتفكروا في معاني هذه الآية ويتعايشوا معها.

4- مدارسة بعض الكتب:

ومن الأفكار التي يمكن أن يُستثمر بها الاعتكاف استثمارًا جيدًا أن تتم مدارسة ومناقشة أحد الكتب التي تتناول الرقائق أو الأخلاق والسلوك أو غير ذلك مما يحتاج إليه معظم المعتكفين ومن الممكن أن تكون هذه الفقرة بعد صلاة التراويح وقبل النوم.

وتتم مدارسة ومناقشة هذا الكتاب بأن يقوم أحد القائمين على الاعتكاف أو أحد المعتكفين من ذوي العلم بعرض أحد موضوعات هذه الكتاب بصورة إجمالية بعيدًا عن التطويل الممل أو الاختصار المخل ثم يفتح بعد ذلك النقاش حول هذا الموضوع والدروس المستفادة منه والواجبات العملية التي نستخلصها منه.

5- كلمات بعد الصلوات:

ففي الاعتكاف تسمو الأرواح وترق النفوس فتصبح في حالة من الاستعداد والتهيؤ لقبول النصح والإرشاد والتأثر والعمل به وهذا الاستعداد فرصة كبيرة لإكساب المعتكفين العديد من المفاهيم وغرس الكثير من القيم والمعاني والأخلاق في نفوسهم وليكن ذلك من خلال كلمات قصيرة وموجهة بشكل مركز حول أحد المفاهيم أو القيم أو الأخلاق أو الآداب أو غير ذلك بعد كل صلاة.

ومن الضروري لكي تؤتي هذا الكلمات ثمارها المرجوة أن يكون هناك تخطيط مسبق لموضوعاتها بما يناسب طبيعة وحاجات المعتكفين الفعلية كما ينبغي أن تحتوي على تكاليف عملية يستطيع أن ينتقل بها المعتكفون من مجال القول والسماع إلى ميدان العمل والتطبيق.

ومن المفيد في ذلك أن نستضيف بعض العلماء أو الدعاة لتناول هذه الموضوعات.

6- حلقة تجويد القرآن:

فالاعتكاف يعد فرصة جيدة لتعلم من لا يجيد تلاوة القرآن لأحكام التلاوة ولذا فمن الممكن أن يحتوي برنامج الاعتكاف على حلقة تجويد تهتم بتعليم أحكام تلاوة القرآن وتدريب المعتكفين على تطبيق هذه الأحكام عند التلاوة وتبدأ بشرح الأحكام من القائم عليها ثم يقوم بتدريب المشاركين فيها على تطبيق هذه الأحكام من خلال الاستماع إلى تلاوتهم وتصحيح أخطائهم مع التركيز على الحكم الذي شُرح لهم ومن الممكن أن تعقد هذه الحلقة بعد الفجر أو بعد العصر.

7- مسابقات حفظ القرآن والأحاديث:

وفيها يحدد حفظ سورة معينة أو جزء محدد من القرآن أو عدد من الأحاديث النبوية ويُعلَن عن موعد الاختبار لهذه السورة أو ذلك الجزء أو لهذه الأحاديث مع بداية الاعتكاف ويحصل الأوائل على جوائز قيمة يتم الإعلان عنها مع الإعلان عن المسابقة ومن الضروري أن تشمل هذه المسابقة أكثر من مستوى حتى يتمكن جميع المعتكفين على اختلاف أعمارهم أو قدراتهم من الاشتراك في منافستها.

ولكي تتحقق الاستفادة من هذه المسابقات يمكن أن يتم تناول موضوع المسابقة بالشرح والدراسة فبالنسبة للقرآن يمكن أن تكون سورة المسابقة هي نفسها السورة التي يتم تلاوتها في حلقة التجويد كما يمكن تناول تفسير هذه السورة بأسلوب ميسر وأما بالنسبة لمسابقة الأحاديث فيمكن شرح المعنى الإجمالي للأحاديث وتوضيح معاني الكلمات والدروس المستفادة منها.

8- سؤال اليوم:

ومن الممكن عمل مسابقة يومية حيث يُعلَن عن سؤال في بداية اليوم ويطلب من المعتكفين الإجابة على هذا السؤال في ورقة مكتوبة وفي نهاية اليوم يتم السحب من بين الإجابات المقدمة ويمنح الفائز جائزة ومن الضروري أن تدور هذه المسابقة حول معنى يُراد غرسه أو تأكيده في نفوس المعتكفين.

9- جلسات التعارف والتآلف:

ويتم في هذه الجلسات التعارف بين المعتكفين تحقيقًا لقول الله تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } فيحدث التعارف والتآلف وتسود روح المحبة والود بين المعتكفين فيدخلون بذلك فيمن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة، وذكر منهم (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) رواه البخاري هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يُعدّ هذا التعارف ضروريا للتواصل فيما بعد الاعتكاف والتعاون معًا في الاستمرار على طاعة الله كما يُعدّ أيضًا نقطة البداية لدعوة حديثي التدين من المعتكفين.

ومما يساعد على إشاعة هذه الروح أن تقدم في هذه الجلسات بعض المأكولات أو المشروبات الخفيفة.

10- متابعة أحوال المسلمين والعالم:

وحتى لا ينعزل المعتكفون عن متابعة الأحداث المتلاحقة في العالم ومعرفة أحوال المسلمين، فمن الضروري أن يكون هناك نشرة أخبار يومية تربطهم بإخوانهم المسلمين في بقاع الأرض المختلفة.

سادسًا- تقييم وتقويم

ومن الضروري في نهاية الاعتكاف أن يكون هناك تقييم للجوانب المختلفة للاعتكاف من حيث الإيجابيات والسلبيات والمقترحات الجديدة حتى يُستفاد منها في تحسين الانتفاع بأوقات الاعتكاف في الأعوام التالية إن شاء الله وهذا التقييم يتم من قبل المشاركين في الاعتكاف ومن قبل القائمين عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حنين الروح

avatar


تاريخ التسجيل : 16/06/2011
عدد المساهمات : 362
نقاط : 47820

 ملف شامل عن الإعتكاف Empty
مُساهمةموضوع: رد: ملف شامل عن الإعتكاف    ملف شامل عن الإعتكاف Empty13/08/11, 04:57 pm

شكرا لك آخي على الطرح المتميز

ملف شامل لآعتكاف

سلمت يدآك و تقبل مروري

لك ودي و احترامي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ملف شامل عن الإعتكاف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فضل الإعتكاف وأحكامه
» كتب الأحاديث النبويه.. موضوع شامل
» علاج مشاكل الأسنان - ملف شامل
» دعاء شامل بأسماء الله الحسنى
» تشريح شامل من اللعبة MGS Peace Walker HD

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ستار ديزاين :: المنتدى العام ::   :: الركن الاسلامي-
انتقل الى: