حديث ((نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ))
2 مشترك
كاتب الموضوع
رسالة
الشافعي الصحراوي
تاريخ التسجيل : 29/05/2011عدد المساهمات : 1872نقاط : 51206الجنس : العمر : 40الموقع : http://chafai.ba7r.org
موضوع: حديث ((نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)) 13/08/11, 09:55 am
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدّا عبده ورسوله صلّى الله وسلّم وبارك عليه،وعلى آله وأصحابه أجمعين. أمّا بعد: أيّها الإخوة في الله، كنّا قد وعدنا أن نتحدّث عن بعض الأحاديث الخاصّة بالأدعية ، والأذكار النبويّة في مثل هذه الأيّام، غير أنّا اليوم نودّ أن نتحدّث عن حديث عظيم يتعلّق بهذه الأمور أيضا، وهو قول النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ((نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ والفَرَاغ))، نعم الله تبارك وتعالى على عباده لا تعدّ ولا تحصى ، ولا يمكن حصرها ولا تُستقصى، نعم عظيمة تتوالى على العباد، فيتفضّل بها الله تبارك وتعالى عليهم. ألاَ وإنّ أجلّها وأعظمها على الإطلاق هي نعمة الإسلام الذي أخرجنا الله به من الظّلمات إلى النّور، وأكمل لنا دينه، وأتمّ علينا نعمته ، ورضي لنا الإسلام دينا ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله . فاحمد الله يا عبد الله ، فبينما يتخبّط النّاس في دياجير الظُّلم، والشّرك والكفر ، والإلحاد والإعراض، والبعد عن الله تبارك وتعالى، فإنّه قد امتنّ إليك بهذه النّعمة العظيمة، ألا وهي أن مَنّ الله عليك بالهداية إلى الإسلام والإيمان، فهي منّة وفضل من الله عزّ وجلّ ، فهل نستشعر عظمة هذه النّعمة ؟؟. وفي هذا الحديث العظيم يُذكّر النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ المؤمنين بأن يشكروا الله تبارك وتعالى على هذه النّعمة؛ بأن يشغلوا أوقاتهم بما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم، فقال هذا الحديث العظيم، ((نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ والفَرَاغ))، أمّا الكفّار فهم مغبونون دائما في هذين الأمرين، وأمّا المسلمون فالبعض مغبون في كونه لم يستغلّ هاتين النّعمتين فيما يعود عليه بالخير في أمر دينه ودنياه. والغَبن: هو فوات ما ينفع ، سواء كان في أمر الدّنيا أم في أمر الدّين ، لكنّ فوات ما ينفع في أمر الدّين أعظم غَبن يغبن به الإنسان، فإذا لم يستغلّ تلك النّعم فيما يعود عليه بالخير فإنّه سيندم ويُغبن، ولذلك سُمّي يوم القيامة يوم التّغابن، حيث يغبن المؤمنون الكافرين بما تفضّل الله به عليهم من نعمة من دخول الجنّة ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾ [التّغابن:9]، يغبن المؤمنون الكافرين، ويغبن المتّقون العصاة، ويغبن المحسنون المؤمنون أولئك المقصّرين والمفرّطين في جنب الله سبحانه وتعالى، ولذلك سُمّي يوم التّغابن، فإيّاك أن تُغبن يا عبد الله في هاتين النّعمتين، نعمة الصحّة ونعمة الفراغ. أمّا الصّحة فإنّه ينبغي بل يجب على المؤمن أن يجتهد فيما يقرّبه إلى الله تبارك وتعالى، في ريعان شبابه وقوّته لأنّ هذه الصحّة يعقبها مرض، والقوّة يعقبها ضعف، والشّباب يعقبه هرم، والفراغ يعقبه شغل، والحياة يعقبها موت، فخذ من صحّتك لسقمك، ومن حياتك لموتك، ومن غناك لفقرك، ومن شبابك لهرمك، ومن فراغك لشغلك. احمد الله تبارك وتعالى على هذه النّعمة نعمة الصحّة؛ التي ستتحوّل يوما ما إلى سقم ومرض، يقول النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: ((مَن أَصبَحَ آمِنًا فِي سِربِه، مُعافًى فِي بَدَنِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكأنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا))، فنتبّه إلى هذا الفضل يا عبد الله، الصحّة والأمن والأمان ، ورغد العيش، وتذكّر يا عبد الله، أنّك ستُسأل يوما من الأيّام عن هذه الأمور، ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (﴾ [النكاثر:8]، والنّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول: (( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامةِ، حتَّى يُسأَل عَن أربع: عَن شَبَابِهِ فِيمَا أبلاهُ، وعَن عُمُرِهِ فِيمَا أَفناه، وعَن مَالِهِ مِن أين اَكتَسَبهُ وَأَينَ أنفَقَهُ، وعَن عِلمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِه)). والمؤمن الذي يُوفّق للعمل الصّالح إبّان صحّته، إذا عجز عن أداء ما كان يؤدّي كتب الله له ما كان يؤدّيه مريضا ما كان يؤدّيه صحيحا، وقد قال النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ للمجاهدين: ((إِنَّ ثَمَّةَ قَومًا مَا قَطَعتُم وَادِيًا ،ولاَ نَزَلتُم مَنزِلاً إلاَّ كَانُوا مَعكُم، حَبَسهُم العُذرُ[أو حَبَسَهُم المرَض])) فالله تبارك وتعالى يمتنّ على عباده بأن يعطيهم من الفضل والخير عندما تتدهور أحوالهم، وتخور قواهم ، وتضعف صحّتهم، وتأتيهم الأمراض، وتصيبهم الرّزايا والبلايا، وكانوا مستقيمين قبل ذلك ، فإنّ الله سبحانه وتعالى يمنّ عليهم بفضله، ونعمته بأن يكتب لهم مثل ما كانوا يؤدّونه في أيّام صحّتهم وقوّتهم، جزاء وفاقا لما قدّموا من أعمال صالحة موفّقة عندما كانوا أصحّاء. والبعض والعياذ بالله صحّته نقمة عليه لأنّه يستخدمها فيما حرّم الله،و من هنا يُغبن ويحصل له الغبن، يوم يفوز الفائزون ، ويوم يكرم المكرمون، ويوم ينال الفائزون جوائزهم، ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ (61) ﴾ [الصافات:60-61]. فهل تنبّهت يا عبد الله إلى ذلك ، واجتهدت في صحّتك، أو إبّان صحّتك في الأعمال الصّالحة التي تقرّبك إلى الله جلّ وعلا، أم أنّك تستخدمها في الشّهوات والملذّات المحرّمة التي حُفّت بالنّار، كما يقول النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : ((حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ)) إنّ الأمر ليس سهلا يا عبد الله، في أن تأطُرَ نفسك على الخير، و تعوّدها على ممارسته، وتستخدم صحّتك فيما يكون ذخرا لك عند ربّك ،﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)﴾ [النبأ:40]، ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) ﴾ [عبس:34-37]، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ (30) ﴾ [آل عمران:30]، فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال يا عبد الله. انتبه لنفسك واستفد من صحّتك، وقدّم لنفسك خيرا تجده عند ربّك، ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)﴾ [المزمل:20] والأمر الثّاني الذي يحصل فيه الغبن هو الفراغ، وما أدراك ما الفراغ، الذي يقضيه البعض فيما يعود عليه بالويل والثّبور وعظائم الأمور. يقضيه الكثير من النّاس في الملذّات والشّهوات ، معرضا عن الله تبارك وتعالى وعن طاعته، وعلى سبيل المثال هذه الإجازات الصيفيّة التي نعيشها هذه الأيّام، فإنّ النّاس ينقسمون فيها إلى أقسام، فثمّة فئة تستغلّ تلك الإجازة في الخير، من زيارة لمسلم له حقّ عليك، من زيارة لعلماء الأمّة من أجل أن يبصّروننا في المسائل المدلهمّة، من زيارة للوالدين وصلة للأرحام والأقارب، من التوجّه إلى بيت الله الحرام لآداء العمرة والصّلاة فيه، من توجّه إلى مسجد النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ للصّلاة فيه، والتزوّد من الطّاعات فيه، من زيارة علماء الأمّة وأخذ الدّروس عنهم؛ العلماء الربّانيين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، ومن تلاوة لكتاب الله عزّ وجل وقراءة للكتب النّافعة، وشغل الوقت بما ينفعك في أمر دينك ودنياك، من رحلات إلى متنزّهات نظيفة ليس فيها منكر من أجل أن يقوّي أولاده وأهله، و يعينهم على النّشاط والفرح والسّرور حتّى يكون ذلك عونا على طاعة الله تبارك وتعالى، بشرط أن تكون تلك الأماكن ممّا لا منكر فيه، فهؤلاء على خير. هؤلاء يقضون الإجازة الدّراسيّة بحيث لا يغبنون في هذا الفراغ؛ بل يستغلّونه في الخير، ويستغلّونه فيما يعود عليهم بالخير. هذا الصّنف من النّاس هم الذين يعود عليهم الفراغ بالخير، لأنّهم ما تركوه فراغا بل ملئوه بما ينفعهم، وشغلوه بما ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم التي يستعينون بها على إقامة دينهم على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى، يتعاون مع إخوانه المسلمين على قضاء فراغه على ما يعود عليه بالخير. ومن ميزات أعمال هذا الصّنف من النّاس، أنّها أعمال معلنة ليست من وراء الكواليس، وبخاصّة ما يتعلّق بطلب العلم، والرّحيل إلى أهل العلم، وما إلى ذلك باستثناء ما أمر الله وشرع لنا أن نسرّ به أو نخفيه عن النّاس من الصّلاة في جوف اللّيل، ونحو ذلك من الأعمال التي الأولى فيها أن تكون بين العبد وبين ربّه. وأمّا إقامة اللّقاءات في الدّهاليز، وفي السّراديب، وفي بعض المعسكرات والمخيّمات التي لم تقم على هدي المصطفى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ؛ فإنّ الكثير منها لا يعدو أن يكون غثاء لا ينفع بل يضرّ. فمن ميزة أهل السنّة والجماعة الوضوح في مثل هذه الأمور لأنّهم ليس لديهم شيء يخفونه أو يسرّونه عن إخوانهم المسلمين، اللهمّ إلاّ ما أمر الله بالإسرار به، أو كان الأفضل الإسرار به ، فمثل هذا ليس به بأس، وأمّا اللّقاءات والعبادات والفرائض وما إلى ذلك ، فهذه لا يُسرّ بها وبخاصّة الفرائض، تؤدّى الصّلوات الخمس في جماعة كما أمر رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولا يتخلّف أحد عنها ، وكذا الدّروس العلميّة تؤدّى في بيوت الله سبحانه وتعالى التي أمر الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، ولا تعطّل ويلجأ النّاس إلى الخلوات والفلوات لإقامة الدّروس، فإنّ ذلك قد يفضي غالبا إلى الفتن والبدع والخرافات. أمّا الصّنف الآخر بالنّسبة للفراغ واستغلاله؛ فإنّه صنف مفتون محروم والعياذ بالله ، فبعض النّاس يقضي هذه العطل والإجازات في الغفلة واللّهو والسّهر على ما حرّم الله سبحانه وتعالى، من العكوف والإقامة على الفضائيّات المشبوهة التي منها ما يدعو إلى الإفراط ومنها ما يدعو إلى التّفريط، منها ما يفسد عقيدة الأمّة وتوحيدها وعلاقتها بربّها، ومنها ما يُفسد أخلاقها ، ويدعوها إلى الخنا والمجون والانحراف والإلحاد، والبعد عن الله تبارك وتعالى. هناك أناس من بداية الإجازة إلى نهايتها لا يرون الشّمس، أبدا لا يرون الشّمس، تطلع وتغرب ولم يروها ، يسهر في اللّيل على ما حرّم الله من ألوان الخنا والمجون، وعلى التمثيليّات الخليعة، والأغاني الماجنة وما إلى ذلك، حتّى إذا أقبل الفجر عقد الشّيطان على ناصيته عُقده، فإذا خرج المسلمون من الصّلاة جاء الشّيطان فبال في أذنيه واتّخذه مرحاضا له، ثمّ يستمرّ في سبات عميق إلى أن تغرب الشّمس، ثمّ يقوم بعد أن يوقظه بطنه والجوع الذي يجده، والويل للمرأة المسكينة إن لم يجد أصناف الطّعام والشّراب التي تزيد عن حاجته. وآخرون يستغلّون تلك الإجازات للسّفر إلى بلاد الكفر والإلحاد دونما ضرورة تدعوه إلى ذلك، فيفتتن ببعض المشاهد والمرئيّات والمسموعات فيضيع وقته سدى، ويضيع أمره هباء فيكون هذا الفراغ حجّة عليه ـ والعياذ بالله ـ لأنّه قضاه فيما يغضب الله تبارك وتعالى وما يسخطه. وآخرون يقضون هذا الفراغ في العكوف على البدع والخرافات والشركيّات، والتعلّق بغير الله سبحانه وتعالى. وآخرون يقضونها في الذّهاب إلى أهل البدع والأهواء الذين فتنوا الأمّة ببدعهم وأهوائهم وزيغهم وإلحادهم وانحرافاتهم ، يربّونهم على غير منهج أهل السنّة والجماعة من خلال بعض المخيّمات والخَلوات والمعسكرات التي تقام لهذا الغرض، وقراءة بعض الكتب التي تدعو إلى هذا الفكر المنحرف؛ فينتج عن ذلك تأثّر بعض الشّباب بتلك الأفكار الهدّامة من أمثال مذهب الخوارج الذي ينتشر هذه الأيّام، ومذهب التّكفير الذي رسمه زعماء الكهوف ، ورسمه لهم زعماء الخلوات والسّراديب ففتنوا الأمّة وأخرجوا جيلا يستحلّ الدّماء المعصومة والأموال المحرّمة ، يخرّبون ويؤذون المسلمين باسم الإسلام وهم يمرقون منه كما يمرق السّهم من الرميّة ، كما وصفهم المصطفى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بأبلغ وصف عندما بيّن حالهم ـ والعياذ بالله ـ ومآلهم. وآخرون يقضون وقتهم في القيل والقال ، وإضاعة الأوقات في القصص والسّواليف والحكاوي والمنامات، فيُفرطون في ذلك حتّى تضيع أوقاتهم سدى ، وأنت مسؤول يا عبد الله عن هذا الفراغ فيما تقضيه، ولذلك تقدّم لنا الحديث ((وَعَن شَبَابِهِ فِيمَا أَبلاَه))،(( لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبدٍ يَومَ القِيَامةِ، حتَّى يُسأَل عَن أربع: عَن شَبَابِهِ فِيمَا أبلاهُ: فيما قضى عمره. وعَن عُمُرِهِ فِيمَا أَفناه: هل أفناه في الخير، هل أفناه في تقوى الله عزّ وجل، هل أفناه في طاعة الله تبارك وتعالى ، هل أفناه في تلاوة القرآن والذّكر ، والتّسبيح والتّهليل والتّحميد والتّكبير، هل أفناه في عبادة الله جلّ وعلا من فرائض ونوافل ، أم أنّه غلبت عليه شقوته ، وفتنته شهواته، وفُتن بمعاصيه، حتّى أصبح خطرا على نفسه، وخطرا على المجتمع بأسره، فلنتنبّه أيّها الإخوة إلى ملئ فراغنا فيما يعود علينا بالخير، وما يعود علينا بالتّقى: [center]لاَ دَارَ للمرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنهاَ*** إلاَّ التِي كَانَ قبلَ الموتِ بَانِيهَا فإن بَنَاهَا بِخيرٍ طَابَ مَسكَنُهُ *** وإنْ بَنَاهَا بِشَرٍّ خَابَ بَاِنيهَا فَاغرِس أُصُولَ التُّقَى مَا دُمتَ مُقتدِرًا*** وَاعَلَم بِأنَّكَ بَعدَ اليَومِ لاَقِيهَا ******************** إذَا أنتَ لَم تَرحَل بِزادٍ مِنَ التُّقَى*** وألفَيت يَوم الحَشرِ مَن قَد تَزوَّدَا نَدِمتَ عَلَى ألاَّ تَكون كَمِثلِهِ *** وأنَّكَ لَم تُرصِد كَمَا كَانَ أرصَدَا فاتّق الله يا عبد الله وتأمّل هذا الحديث الحديث العظيم الذي تكلّمنا عنه اليوم ((نِعمَتَانِ مَغبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ والفَرَاغُ))، فإيّاك يا عبد الله أن تكون من المغبونين . واعلم يا عبد الله أنّ الأمر لا يعني أنّك تتبتّل وتنقطع للعبادة ولا تفعل غير ذلك ، لا ليس هذا المراد يا عبد الله ، وإنّما المراد أن تعطي كلّ ذي حقّ حقّه باستغلالك لهذا الفراغ، هناك حقوق لله جلّ وعلا، وهناك حقوق لنفسك ، وهناك حقوق لإخوانك ، وهناك حقوق لأبنائك وأولادك و زوجاتك، وهناك حقوق لوالديك ، فاتّق الله تبارك وتعالى وأعط كلّ ذي حقّ حقّه ، إذا طبّقت ذلك لن يوجد في وقتك فراغ ، إذا عُنيت بإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه فإنّه لن يوجد في وقتك فراغ يا عبد الله ، بل تجد وقتك مليئا بما يعود عليك بالخير، إن أنت أردت ذلك أو سعيت لما يقرّبك إليه. وعلى المسلم أن يسعى و أن يعمل مع الاعتماد على الله سبحانه وتعالى ، والتوكّل عليه، فمن توكّل على كفاه، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق:3]، فاتّق الله يا عبد الله ، و املأ فراغك فيما يعود عليك في الخير عند الله، ليكون ذخرا لك يقرّبك إلى ربّك، تملأ به موازينك فإنّ الذّكر، وإنّ العمل الصّالح ترجح به الموازين ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ (9) ﴾[الأعراف:8-9] ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)﴾ [القارعة:6-11]. يقول النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كما سيأتينا تفصيله ((كَلِمَتَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَان، حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحمَن، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللَّسان، سُبحَانَ اللهِ وبِحمدِه، سُبحَانَ اللهِ العَظِيم)) وفي الحديث الآخر حديث "أبي مالك الأشعري" ((وَالحمدُ للهِ تَملأُ المِيزَانَ، وَسُبحَانَ اللهِ وَالحَمدُ للهِ تَملآنِ مَا بَينَ السَّمَاء وَالأَرضِ))، فاتّق الله يا عبد الله واجتهد في طاعة الله ، وفيما يقرّبك إلى الله سبحانه وتعالى فإنّ ذلك طريق النّجاة، وطريق الفوز بمرضاة ربّ العالمين. للشّيخ: صالح السّحيمي ـ حفظه الله ـ
DJ Hylian Designer مؤسس ورش العرب
الرتبة الشرفية : تاريخ التسجيل : 06/01/2011عدد المساهمات : 13836نقاط : 73743الجنس : العمر : 24الموقع : ستار ديزاين