السـؤال:
كان والدي -رحمه الله- قد تحصَّل على فوائدَ ربويةٍ ضخمةٍ, والذي أعلمُه من حال هذا المالِ الربويِّ أنه اشترى لنا به بيتًا, وأخشى أن يكون قد أدخل شيئًا منه في تجارته, فهل يجب علينا التخلّصُ من هذا المالِ الربويِّ قبلَ تقسيم الميراث؟ وكيف تكونُ طريقةُ التخلّص؟ أرجو منكم التكرّمَ بإجابتي, راجيًا من الله عزّ وجلّ أني إذا فعلت ما يرضيه -تُجَاهَ هذا المالِ الحرام- أن يغفر لأبي زلّته العظيمةَ.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالمالُ المكتسَبُ من طريقٍ محظورٍ غيرِ مشروعٍ لا يدخلُ في مِلْكِ المسلم بِحَالٍ، وَيُمْنَعُ عليه حِيازتُه، فإِنْ حازَهُ بهذا الوصفِ كان مُخالِفًا لأحكام الشريعةِ، خارجًا عن قواعدِها، والموتُ لا يُطيبُ المالَ الحرامَ سواء كان بِيَدِ المورِّث أو بيد الوارث.
وعليه، فإنّ ثبوتَ المالِ الحرامِ لا يُبيح انتقالَه إلى يدِ الوارث، وإنما يسعى هذا الأخيرُ إلى تبرئةِ ذِمَّةِ مُورِّثه الميّت، وإسقاطِ الإثم الذي تعلّق بها، وذلك بالتخلّص من القدر الذي يعلم أنه فوائدُ ربويةٌ، ويعمل على ردّ الحقوق والمظالم إلى أصحابها إن عُرِفوا، فإن تعذَّر معرفتُهم فالواجبُ انفاقها في المرافق العامّة فإن تعذّر تصدق بها على الفقراء والمساكين، والقدرُ المشتبَه بين الحلال والحرام يستحبّ له تركه.
هذا، ولا يجوز له الانتفاع بالمال الحرام إلاّ إذ حُرِمَ الوارث من الحاجيات الضرورية، وافتقر -حال التخلّص منه بإنفاقه في وجوه البرِّ- فكان الوارث أولى من الفقراء والمحرومين فيأخذ ما يخصُّه منه لدفع حاجياته الضرورية، فيصرفه في قضاء الدَّين أو نفقةِ عِيالٍ ونحو ذلك، ويتعفّف ممَّا هو حرام، وينصح ورثة أبيه بالتخلّص منه تبرئةً لذمّةِ أبيهم، ولا يشاركهم فيه إِنْ أَبَوْا ورفضوا ويطرحُه من نصيبه بعد القسمة الإرثية.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.