في الوقت
الذي تواجه فيه طلبات بعض الأزواج الذين حرموا من الإنجاب بالرفض في التكفل
بطفل من الأطفال المودعين بحي الطفولة المسعفة لعدم توفرهم على الشروط
المطلوبة للتكفل، يقدّم أزواج آخرون طلباتهم مصحوبة بـ"دفتر شروط"، معتقدين
أن مجرد كفالتهم لطفل لا يعرف له أهل، يعطيهم الحق في اختيار أطفال
يتوفرون على مواصفات تلبي رغباتهم الدفينة التي لم يتمكنوا من تحقيقها في
حياتهم الخاصة، فيشترطون في الطفل أن يكون وسيما بعينين خضراوين وبشرة
بيضاء، ويتمادى أزواج آخرون في شروطهم حينما يطلبون أطفالا يشتركون معهم في
نفس الملامح تمهيدا لإقناع الناس بأنهم من أصلابهم وليسوا
من "أصلاب" حي الطفولة، وهو الأمر الذي ترفضه مديرية
النشاط الاجتماعي بسطيف لكونها المسؤولة المباشرة عن أطفال
حي الطفولة المسعفة بالولاية.
البنية الجسدية ولون البشرة مُهمَّان عشرات الطلبات المودعة لدى مديرية النشاط الاجتماعي بسطيف مازالت تنتظر
دورها من طرف أزواج حُرموا من الإنجاب، وحتى أزواج لديهم أطفال ويرغبون في
الكفالة لكسب الأجر والثواب، في انتظار ما سيسفر عنه التحقيق الاجتماعي
الذي تجريه المديرية من أجل التحقق من قدرة هؤلاء الأزواج على توفير حياة
كريمة لهؤلاء الأطفال، بينما استفاد 58 طفلا منهم 28 أنثى منذ بداية جانفي
2012 وإلى غاية 31 ديسمبر، من دفء عائلات أظهرت رغبة كبيرة في التكفل، دون
أن تضع شروطا تتنافى مع القوانين السائدة على مستوى كل مراكز الطفولة،
والتي تمنع منعا باتا اختيار الأطفال حسب مواصفات معينة، إلا أنّ بعض
الأزواج، ولجهلهم بهذه القوانين، تجاوزوا الحقوق التي تخوّل لهم اختيار جنس
المولود وسنّه، وخُلوّه من أي إعاقة وتمتُّعه بصحة جيدة، وراحوا يشترطون
أطفالا ذوي بشرة بيضاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بالطفلة، وهو ما يعني
أنهم يفكرون في مستقبلها الذي يربطونه دائما بالزواج أو
يتباهون بجمالها أمام الناس.
ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلى الذكور، حيث "يرفض بعض الأزواج
كفالة طفل ذي بنية جسدية ضعيفة وأسمر اللون" مثل ما أفادتنا به رئيسة مكتب
العائلة بمديرية النشاط الاجتماعي بسطيف نظيرة خنشوش، التي قالت إن هناك
سيدة توعَّدت "بتفتيش" دقيق للطفل عندما تعود به إلى البيت، بينما قامت
إحدى العائلات بإعادة طفل رضيع إلى حي الطفولة بعد يوم واحد، وقد كان هذا
الأمر متوقعا، خاصة وأنَّ أم الزوجة علّقت كثيرا على ساقي الطفل وذراعيه
"القصيرتين" ولون بشرته، وفي هذه الحالة تقول السيدة نظيرة "نستلم الطفل
ونحرم العائلة الكافلة نهائيا من أخذ طفل بديل عنه طالما
أنَّ الطفل الأول الذي سلّمناه لها لا يعاني من أي
إعاقة أو مرض".
البحث عن الشَّبه كما تشترط عائلات أخرى أن يكون الطفل المطلوب يُشبه أحد الزوجين رغبة في
التحايل على الناس، وإقناعهم بأنه ابنهم الحقيقي وليس مكفولا، على غرار ما
فعله أحد المواطنين الذي اشترط أن يكون الطفل ذا عينين خضراوين وبشرة
بيضاء، أي يُشبهه، وهو ما لم يوفّره له مكتب العائلة الذي "لا يسمح بدخول
الكافلين إلى حي الطفولة واختيار الأطفال، لأنهم ليسوا سلعة" تقول رئيسة
المكتب، وتضيف: "لدينا ثلاثة أنواع من الأطفال داخل الحي، النوع الأول، هم
الأطفال الذين تم التنازل عنهم من طرف الأم البيولوجية بعد انقضاء ثلاثة
أشهر، وهؤلاء الأطفال يحقُّ لنا أن نمنحهم للمتقدّمين بطلبات الكفالة،
والنوع الثاني، هم الأطفال "المؤقتين" الذين لم يمض على دخولهم إلى حي
الطفولة ثلاثة أشهر، أي أنه من حق الأم البيولوجية أن تسترجع طفلها خلال
هذه الفترة.
أما النوع الثالث، فهم الأطفال الذين يوجدون تحت وضع قضائي بسبب خلافات
عائلية أو جريمة قتل أودت بحياة أحد الوالدين، ولم يجد الأطفال من يتكفل
بهم، وهذان النوعان من الأطفال لا يمكننا أن نتصرف فيهم، أو نسلمهم إذا
توفرت فيهم المواصفات التي يطلبها الناس"، السيدة رشيدة.ب، وهي ممرضة وأم
لثلاثة أطفال كلُّهم ذكور، أودعت ملفا للتكفل بطفلة صغيرة متمنية أن تكون
شبيهة بأولادها ذوي البشرة البيضاء والشعر الأصفر، ولكن "ليس لإقناع الناس
بأنها ابنتي، لأنني تجاوزتُ مرحلة الإنجاب"، هكذا قالت رشيدة للشروق، حيث
جاءت إلى مديرية النشاط الاجتماعي للتعجيل بتحقيق "حلمها"،
وحلم أبنائها الذكور في كفالة طفلة صغيرة.