"ما أشد حاجتَنا نحن المسلمين إلى أن نفهم أعيادَنا فهماً جديداَ، نتلقاها به ونأخذُها من- ناحيته، فتجيء أياماً سعيدة عاملة، تنبه فينا أوصافَها القوية، وتجدد نفوسَنا بمعانيها، لا كما تجيء الآن كالحِة ممسوحةً من المعنى، أكبرُ عملها تجديدُ الثياب، وتحديدُ الفراغ، وزيادةُ ابتسامة على النفاق ....
فالعيدُ إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليومُ نفسُه، وكما يفهمُ الناسُ هذا المعنى. يتلقون هذا اليوم; وكان العيدُ في الإسلام هو عيدَ الفكرة العابدة، فأصبح عيدَ الفكرة العابثة; وكانت عبادةُ الفكرة جمْعَها الأمةَ في إرادة واحدة على حقيقة عملية، فأصبح عَبَثُ الفكرة جمعَها الأمةَ على تقليدٍ بغير حقيقة، له مظهرُ المنفعة وليس له معناها.
كان العيدُ إثباتَ الأمة وجودَها الروحاني في أجمل معانيه، فأصبح إثباتَ الأمةِ وجودَها الحيواني في أكثر معانيه; وكان يومَ استرواح القوة من جِدِّها، فعاد يومَ استراحةِ الضعف من ذُله; وكان يومَ المبدأ، فرجع يومَ المادة!
ليس العيدُ إلا إشعارَ هذه الأمة بأن فيها قوةَ تغيير الأيام، لا إشعارَها بأن الأيام تتغير; وليس العيدُ للأمة إلا يوماً تَعرض فيه جمالَ نظامِها الاجتماعي، فيكون يومَ الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمةِ الواحدة في ألسنة الجميع; يومَ الشعور بالقدرة على تغيير الأيام،
وليس العيدُ إلا تعليمَ الأمة كيف تتسع روحُ الجِوار وتمتد، حتى يرجعَ البلدُ العظيمُ وكأنه لأهله دار واحدة يَتحقق فيها الإخاء بمعناه العَملي، وتظهرُ فضيلة الإخلاص مُسْتَعْلِنةَ للجميع، ويُهدِي الناسُ بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة; وكأنما العيدُ هو إطلاقُ روح الأُسرَةِ الواحدة في الأمة كلها"